الرهانات الرياضية تنعش أحلام الشباب بالثراء السريع

لعبة حظ تتحول إلى إدمان بين الفئات الأكثر ضعفا وقابلية للإغواء من الشباب التونسي
الأحد 2021/06/06
فئة تهتم بكل ماهو جديد في المراهنات الرياضية وألعاب الفيديو

تستقطب الرهانات الرياضية فئة كبيرة من الشباب والمراهقين في تونس الحالمين بالثروة والكسب السريع دون تعب أو مجهود. ويحذّر المختصون الاجتماعيون من أن هذه الرهانات تبدأ غالبا بغرض التسلية وتجريب الحظ فقط لتتحول في ما بعد إلى إدمان واستنزاف للأموال.

تونس - اكتسحت المسابقات وتطبيقات الرهان الرياضي على البطولات المحلية والأوروبية باختلاف أصنافها، فضلا عن الألعاب المربحة ماديا، شاشات الهواتف الجوالة للشباب في تونس، في مسعى لكسب الربح المادي دون جهد بدني أو فكري يذكر، ما يكرّس حسب خبراء ومراقبين ممارسات تعكس خمولا وتهاونا لدى فئات الشباب على وجه الخصوص.

ولا يحتاج الشباب واليافعون في الوقت الحاضر إلى ارتياد صالات للرهان الرياضي الذي يعتبر نوعا من أنواع القمار، إذ يمكنهم المراهنة بسهولة عبر الإنترنت في المنزل أو في الشارع عبر تطبيقات في هواتفهم الجوالة، أو في محلات الإنترنت المنتشرة في كل مكان، وهو ما زاد من مخاطر إدمان الشباب على هذه الرهانات.

وأفاد عادل زرمديني رئيس مدير عام شركة النهوض بالرياضة “البروموسبور”، أنه “من خاصيات سوق الرهانات أنه لا توجد أرقام دقيقة، حيث تتراوح بين الإقبال والتراجع من قبل المتراهنين ومن حيث رقم المعاملات”.

وقال زرمديني في تصريح لـ”العرب”، إن “شركة النهوض بالرياضة هي الوحيدة الموجودة في السوق التونسية، ولدينا في كل مسابقة ما بين 30 و60 ألف متراهن أسبوعيا و110 مسابقة في السنة”.

500 ألف تونسي يمارسون الرهان الرياضي الإلكتروني في عدد كبير من المحلات غير المرخصة

وأضاف “رقم المعاملات وصل إلى 32 مليون دينار (11.69 مليون دولار) عام 2020، منهم 10 ملايين دينار (3.65 مليون دولار) للمتراهنين و17 مليون دينار (6.21 مليون دولار) لفائدة خزينة الدولة”.

وأشار إلى أن الشركة تجري مفاوضات مع ثلاث شركات أوروبية بهدف الشراكة مع القطاع الخاص وتسيير المنصات الإلكترونية، قائلا “هذه الشراكة المثمرة ستمكننا من كسب 200 مليون دينار (73.6 مليون دولار)، خلال الخمس سنوات الأولى، والمستفيد الأول هو ميزانية الدولة في ظل أزمة التمويل القائمة”.

ووفق أرقام رسمية تفيد الإحصائيات التي نشرتها السلطة التنظيمية للألعاب عبر الإنترنت في 2017، بوجود أكثر من مليوني شخص في العالم مسجلين في مواقع الرهان تداولوا قرابة 2.5 مليار دولار، وهو مؤشر مطمئن للمستثمرين في هذه المواقع، في وقت لم يكن يتجاوز معدل التداول السنوي حتى 2012 نحو 700 مليون دولار.

ويجد المراهنون الشباب في تونس ضالتهم لدى تجار السوق السوداء من نوع جديد، لتزويد أرصدتهم الافتراضية بالعملة الصعبة على تطبيقات ألعاب الرهان.

وتعتبر “البروموسبور” و”البلانات” و”بيوين” من أبرز الألعاب والتطبيقات في تونس، حيث تستهدف أحلام فئة مهمة من الشباب بتحصيل الثروة السريعة.

ويحذر المختصون الاجتماعيون من أن محاكاة “ألعاب الحظ” عند الشباب تزيد عندهم من خطر الإدمان عليها، حتى وإن كان هدفها في البداية المتعة، لأنها ستبدأ غالبا بغرض التسلية فقط وستتحول في ما بعد إلى غرض الكسب المالي السريع.

Thumbnail

ويضيفون أن الرهان الإلكتروني ينتشر بين الفئات الأكثر ضعفا وقابلية للإغواء في المجتمعات، وخاصة فئتي المراهقين والمدمنين على القمار.

وقال أستاذ علم الاجتماع محمد الجويلي لـ”العرب”، إن “الرهان ناتج عن علاقة الإنسان بالمجهول ورغبته في الوصول إلى اليقين، ولأن تاريخ البشرية هو تاريخ رهان”.

وأضاف “الرهانات المعاصرة ترتبط بكوننا نعيش في مجتمع يحتاج فيه الناس إلى أموال كثيرة، وفي ظل غياب شغل أو موارد أو آفاق مع توفر شبكات التواصل التكنولوجي تسهل استفادة الشباب منها، والمسألة مرتبطة بالرغبة التي تحدونا دائما بكشف الحقيقة”.

وتابع الجويلي “الرهانات منتشرة في اليابان مثلا تيمّنا بالعقلانية، وكلما كانت المجتمعات عقلانية وتكنولوجية زادت الرهانات، فضلا عن كونها مرتبطة بمرحلة البطالة، والشاب إما سيستنجد بالعائلة في مجتمع استهلاكي أو سيذهب إلى السرقة أو الرهانات، لن يجد المال في العمل ولا في العائلة وسيضطر إلى السرقة أو خوض غمار الرهانات”.

وأردف «الشغل مهم في حياة الأفراد، لأن الفراغ دافع كبير نحو خوض تجارب المسابقات والرهانات ويمكن أن يؤدي إلى الإدمان ويأخذ قسطا كبيرا من الأموال والاهتمام على غرار مسابقات كرة القدم والخيول والدراجات وغيرها”.

محمد جويلي: الفراغ دافع كبير نحو خوض تجارب المسابقات والرهانات ويمكن أن يؤدي إلى الإدمان ويأخذ قسطا كبيرا من الأموال والاهتمام
محمد جويلي: الفراغ دافع كبير نحو خوض تجارب المسابقات والرهانات ويمكن أن يؤدي إلى الإدمان ويأخذ قسطا كبيرا من الأموال والاهتمام

 وحققت مداخيل شركة الرهان الرياضي الحكومية “البروموسبور” لعام 2014 رقما قياسيا ببلوغها ما يزيد على 37 مليون دولار، من ضمنها 15 مليون دولار أرباح وزعت على الفائزين، أي أن ما يعادل 1.25 مليون دولار شهريا دخلت جيوب المراهنين.

وسرعان ما تراجع هذا الرقم عام 2016 بنسبة 47 في المئة بسبب انتشار ظاهرة الرهان على البطولات الأوروبية عبر مواقع أجنبية تتيحها سوق سوداء للعملة التي أرست منظومة محكمة لمراوغة القوانين والدولة.

وأصبحت محلات المراهنات الإلكترونية الخاصة بمباريات كرة القدم وكرة المضرب وسباقات الخيل قبلة للآلاف من الشبان في تونس من بين الحالمين بالثروة والذين يقضون ساعات طويلة وهم يتفحصون أوراق المباريات التي يجري الرهان عليها ثم يحددون اختياراتهم في انتظار الإعلان عن النتائج والحصول على الأرباح عند الاهتداء للتكهنات الصحيحة.

وفسّر هؤلاء الالتجاء إلى الرهانات كحل لكسب الثروة بتأزم الوضع المعيشي في تونس وانسداد أفق التشغيل والتنمية، فضلا عن ارتفاع نسب الإحباط وانعدام الثقة في الطبقة السياسية الحاكمة.

وقال أكرم وهو شاب يبلغ من العمر 30 سنة وصاحب شهادة جامعية، عاطل عن العمل ويراهن بانتظام على المسابقات المتعلقة بالأنشطة الرياضية، “إن الظرف المأزوم الذي يعيشه التونسيون باعتبار انعدام فرص التشغيل واعتماد المحاباة والولاءات يدفع الشباب للبحث عن فرص لتحصيل الأموال”.

وأضاف “هناك وضع اقتصادي ضعيف وقيمة الدينار التونسي تراجعت والطبقة السياسية تروج لمواطنيها أن الدولة على حافة الإفلاس، فضل عن وجود عدد كبير من الشباب يريدون الكسب دون مجهود أو تعب، كلها عوامل دفعت هذه الفئات إلى الإقبال على المراهنات الحرة”.

وتابع “هذه الألعاب مغرية ماديا وتجعلك تنجز أشياء خيالية وتواصل الحلم بتحقيق الثروة، وهي أيضا طريق مختصرة لأشياء لا يمكن تحقيقها بالعمل”، ملاحظا أن “النتائج غير مضمونة لكن الحظ متوفر”.

وأشار إلى “وجود نوع من الإقصاء تكرّسه الطبقة السياسية عبر خطاباتها وصراعات مكوناتها على غرار المستقبل الغامض والمظلم الذي أدى إلى تنامي منسوب الهجرة غير الشرعية والعنف والسرقات، فضلا عن فئات أخرى اختارت طريق الرهانات علها تجد ضالتها”.

وحسب بعض التقارير غير الرسمية يوجد نحو 500 ألف تونسي يمارسون الرهان الرياضي الإلكتروني، فيما لم يتم تحديد عدد المحلات التي تنظم هذه الألعاب نظرا لكونها مخالفة للقانون وتعد من المصادر التي تستنزف العملة الصعبة.

وتعمل السلطات في تونس على تعقب الكثير من محلات الرهان التي تعتبرها محلات موازية وغير خاضعة للشروط التي تنظم ألعاب المراهنات وقد أثرت سلبا على إيرادات شركات رهان قانوني وخاضعة لإشراف وزارة الرياضة مثل “البروموسبور” وهي إحدى المسابقات المعتمدة قانونيا والتي توفر أرباحا مالية هامة للدولة لكنها تراجعت في السنوات الأخيرة بسبب غزو مواقع الرهان الافتراضي.

وتقوم لعبة البروموسبور على التكهن بنتائج 13 مباراة من مختلف دوريات كرة القدم في أوروبا في نهاية كل أسبوع على أن تمنح المتراهن عددا من الخيارات لضمان أوفر حظوظ للفوز. ويحصل المتراهن الذي يهتدي إلى التكهن الصحيح على أضعاف المبلغ الذي دفعه، وعادة ما يتسلم الأرباح إما من صاحب المحل المعد للمراهنات أو من خلال السحب ببطاقة بنكية.

وتحصل الشركة على نسبة تناهز 50 في المئة من إجمالي الإيرادات والتي تذهب عادة إلى وزارة الشؤون الرياضية ووزارة المالية.

المستثمر يراهن على ولع الشباب بالمال
المستثمر يراهن على ولع الشباب بالمال

وتقوم سباقات الخيل، وهي اللعبة الثانية المعتمدة قانونيا، على التكهن بنتائج سباقات الخيول في فرنسا والحصول على النتائج بصفة يومية ويمارسها نحو 40 ألفا من التونسيين يوميا فيما تحصل وزارة المالية على ما يناهز 36 في المئة من المداخيل الإجمالية.

ومع انعدام إمكانية حجب هذه المواقع في تونس، أصبح الإقبال على الرهانات الرياضية من يوميات الشباب التونسي المتسابقين من أجل كسب الربح السريع حتى لو بمبالغ قليلة.

وسبق أن اقترحت شركة البروموسبور رفع عدد نقاط بيع ألعاب الرهان الرياضي التي توفرها الدولة عبر الشركة المذكورة، وتسهيلات لمن يحدث نقاط بيع جديدة، وطرح ألعاب جديدة للمتراهنين في مجتمع يعرف نسبة بطالة تقدر بـ15 في المئة حسب إحصائيات الثلاثي الأول لسنة 2019، إضافة إلى تدهور قيمة الدينار مقارنة باليورو الذي أصبح عامل إغراء للمتراهنين.

ويغري هذا المجال الكثير من الشباب لخوض غماره ليس فقط عبر المراهنات بل للاستثمار عبر إنشاء شركة للرهانات، ففي العام 2017 أطلقت مجموعة من الشبان من أصحاب الخبرة في تنظيم مسابقات الرهان الرياضي، شركة خاصة لديها موقع إلكتروني لتنظيم مسابقات في الرهان الرياضي من خلال وضع شبكات تضم لقاءات مختلفة لرياضات مختلفة من بطولات دولية منها البطولة التونسية لكرة القدم.

ومع الجدل الذي أثير حول الشركة بشأن قانونيتها، قالت مصادر إن شركة البروموسبور هي مؤسسة عمومية مكلّفة حسب التشريعات المنظّمة لها بتنظيم مناظرات الرهان الرياضي والألعاب ومختلفة المسابقات الشبيهة التي تهدف إلى تطوير الأنشطة البدنية والرياضية. إلا أنه لا شيء من الناحية القانونية يدلّ على أنها تملك حق الاحتكار في هذه المجالات.

يمكن للشباب المراهنة على الألعاب الرياضية بسهولة عبر الإنترنت في المنزل أو في الشارع عبر تطبيقات في هواتفهم المحمولة

واعتبر المؤسسون أن هذه الشركة الجديدة ستكون الحل البديل لمجابهة صعود الرهانات الرياضية الموازية التي توجد في تونس من “بلانات” و”بيوين” اللتين تستنزفان العملة الصعبة وتكبّدان الاقتصاد التونسي خسائر فادحة جدا.

وقالت الشركة إنها حريصة على أن يكون الدفع والمشاركة في مسابقاتها بالدينار التونسي من خلال شراء سندات مقابل خدمات متوفرة في أكثر من 1000 نقطة بيع في كافة أنحاء البلاد أو على موقع إلكتروني محلي. وبالإضافة إلى 18 في المئة الموظفة على كل عملية، فإن الشركة تدفع إلى خزينة الدولة 25 في المئة بعنوان أداءات تقتطع من المبلغ المخصص لكل رابح.

وحذّرت جهات عديدة من مخاطر تفشّي ظاهرة ألعاب الرهان غير القانونية من خلال مؤسّسات تخرق القوانين والتشريعات وتستغّل بعض الغموض والنقاط الرمادية وتعمل على استهواء المتراهنين دون أن تقدّم إليهم أيّ ضمانات باعتبار أنّ منصّات تعاملها الإلكترونية موجودة خارج البلاد التونسية وتدفع رسوم خدماتها بالعملة الأجنبية في انتهاك لقوانين الصرف، وتفرض أسعارا مختلفة بفوارق هامّة للعملة الأجنبية تختلف كثيرا عند الشراء لحصد الأرباح الطائلة.

وتثير هذه المؤسسات ريبة كبيرة في إمكانية تبييض الأموال وغيرها من الشبهات، فضلا عن التجاوزات القانونية الصارخة والتلاعب بالإجراءات الخاصة بإنشاء المؤسسات، حيث أن كافة المؤسسات التي تمارس هذا النشاط دون وجه قانوني مسجلة بدفاتر السجل الوطني للمؤسسات كمؤسسات مختصة في الخدمات الإعلامية.

19