الرهاب الاجتماعي.. حاجز يخلقه الآباء فيدمر حياة الأبناء

قد تظهر حالات القلق من التواصل الاجتماعي عند الأطفال لأسباب عديدة وتعد من الأمور العادية، إلا أن بعض الآباء والأمهات يكونون سببا في تحولها إلى رهاب اجتماعي يطغى على شخصيتهم ويؤثر سلبا على جوانب عديدة من حياتهم الأسرية والاجتماعية.
ينطوي اضطراب القلق الاجتماعي على الخوف المستمر من الإحراج أو السخرية أو الإذلال في المواقف الاجتماعية، ويتجنب الأطفال والمراهقون الذين يعانون من هذا الاضطراب الأحداث الاجتماعية عادة وغيرها من المواقف التي قد تعرضهم إلى الإذلال أو الإحراج، وينمي الكثير من الآباء والأمهات هذا الاضطراب لدى أطفالهم وذلك عن طريق تمجيد سلوكيات الانطواء لدى أبنائهم وعدم حرصهم على تنمية تواصلهم مع محيطهم الأسري والاجتماعي منذ سنوات طفولتهم الأولى.
وبيّن علماء النفس أن الرهاب الاجتماعي مشكلة سلوكية عند الطفل، واضطراب نفسي يختلف كليا عن الخجل الذي يعد صفة نفسية يمكن أن تكون عند الأطفال أو البالغين، وفي الغالب يكون سببه قلة الوعي والصعوبة في تشخيص المشكلة، مما يجعل البعض من الأسر تعتقد أنه نوع من الخجل.
وأشاروا إلى أنه كلما زاد عمر الطفل واحتكاكه بالمجتمع وبالأصحاب في بيئة المدرسة، والأقارب في محيط الأسرة، اتضحت الصورة أكثر في قصور أدائه أثناء تفاعله مع مجتمعه، سواء كان باللعب أو عدم قدرته على التحدث أمام الآخرين، وعجزه عن تكوين العلاقات.
وأكدت الأستاذة هدى العماوي المختصة في علم النفس الإكلينيكي في مصر أن الآباء والأمهات يبقى لهم دور أساسي في ضعف الثقة بالنفس لدى الطفل، وذلك ابتداء من سنوات نشأته الأولى، من خلال اعتماد أسلوب تربية لا يركز على تنمية قدرة الطفل على المواجهة.
وأضافت موضحة لـ”العرب”، “ومن هنا يخلق لديه الرهاب الاجتماعي، والخوف من مواجهة المواقف الاجتماعية التي تعترضه في البداية في محيطه الأسري الموسع ثم عند دخوله المدرسة ويتفاقم في فترة المراهقة”.
وأشارت إلى أن هذا الاضطراب يتنامى من خلال إفراط الآباء والأمهات في معاملة الأبناء سواء بشكل إيجابي أو سلبي، مبينة أن ذلك يكون سواء من خلال سوء المعاملة عند تعرض الطفل إلى الإهمال والحرمان العاطفي وإلى العنف الجسدي واللفظي، أو حسن المعاملة والمبالغة في حمايته والخوف عليه من محيطه الاجتماعي.
وشددت المختصة المصرية على ضرورة اتباع أسلوب تربوي متوازن، لافتة إلى أن نمط الإفراط في المعاملة بجانبيه السلبي والإيجابي غير مجد وله نتائج سلبية على الطفل تصيبه بالعديد من الاضطرابات النفسية ومن بينها اضطراب الرهاب الاجتماعي، والتي تهدد حياته في جميع مراحلها.
وأوضحت أن مبالغة الآباء والأمهات في الإساءة إلى الطفل أو حمايته تفقده القدر الكافي من الثقة بالنفس وتجعله غير قادر على التعامل مع محيطه الأسري والمدرسي والمجتمعي بصفة عامة فيقرر الانسحاب ويجد في الانطوائية الملجأ المناسب له.
وأفاد الدكتور شعبان امحمد فضل أن القلق والرهاب الاجتماعي يعتبران من أبرز الاضطرابات النفسية التي لم تأخذ حقها بالدراسة والبحث والتشخيص ووضع برامج علاجية لها في العالم العربي بشكل عام ولدى الأطفال والمراهقين بشكل خاص.
ولفت إلى أن الخجل يعتبر ضمن الثقافة العربية التقليدية نوعا من المحاسن التي تعبر عن حسن التربية والسلوك لدى الأطفال والمراهقين، وخاصة لدى الإناث، حيث عادة ما ينظر إلى الفتاة الخجولة على أنها تمتاز بتربية حسنة، والفتاة الجريئة المبادرة تنعت بالجرأة والتحدي اللذين يرتبطان بالذكورة والميل للعدوانية، وهذا تعبير ثقافي يحمل مدلولات غير محمودة وتقييما سلبيا للسلوك الأنثوي.
وأوضح المختص الليبي أن القلق الاجتماعي قد يأخذ أشكالا مختلفة باختلاف المستويات العمرية للصغار، مبينا أن الأطفال القلقين اجتماعيا يميلون إلى الخوف والخجل ويتشبثون بتلابيب أفراد الأسرة، ويرفضون المشاركة في اللعب الجماعي ونادرا ما يتحدثون، وفي عمر 8 سنوات يميلون إلى الانطواء وربما يتوقفون عن الذهاب للحفلات المدرسية والتفاعل في الحدائق العامة، والمشاركة الضعيفة في الصف والانطواء وعدم التحدث لغير أفراد العائلة.
ونبّه إلى أن المشكلات تظهر في وقت مبكر وإذا لم يتم حلها ربما تتطور إلى رهاب اجتماعي في الفترات العمرية اللاحقة، ويفشل المراهقون في تطوير علاقات اجتماعية، والحصول على الاستقلال العاطفي عن الأسرة، وتشكيل أهداف طويلة الأجل لحياتهم.
وأشار فضل إلى أن المراهق يواجه حالات من التقييم الاجتماعي اليومي في شكل توقعات مدرسية مثل الامتحانات وتقديم العروض الشفهية ومواجهة ضغوط الأقران، بالإضافة إلى التدقيق والمتابعة من قبل الآباء وأشكال السلطة المختلفة.
المراهقون يفشلون في تطوير علاقاتهم الاجتماعية، والحصول على الاستقلال العاطفي عن الأسرة وتشكيل أهداف طويلة الأمد لحياتهم، نتيجة الرهاب الاجتماعي
وتعتبر الاهتمامات بالجاذبية المتعلقة بصورة وشكل الجسد والتنافس في إبراز الكفاءة الذاتية في المجالات الاجتماعية والفنية والرياضة سمة مشتركة لدى معظم المراهقين، وهذه الاهتمامات والمخاوف المركزة تعتبر مؤقتة وتطور القابلية لاختبار تجارب تعلم جديدة، وازدياد حالة القلق الاجتماعي ينظر إليه على أنه تطور طبيعي مترتب عن عملية التفاعل الاجتماعي، وكلما تكررت حالات التعرض لهذه المواقف الاجتماعية من قبل المراهقين قلّت حالة القلق الاجتماعي وأصبحت مواقف مألوفة لديهم.
وأكد أن الرهاب الاجتماعي يعتبر عقبة في طريق النمو النفسي والاجتماعي في الفترة الانتقالية أثناء مرحلة المراهقة، وتزداد مخاوف المراهق المصحوبة باكتئاب حاد وصعوبات كبيرة في النوم ولا يستطيع أن يستمتع بالأشياء التقليدية كالتلفزيون والموسيقى والنشاطات الأسرية، ويزداد خوفه من أن تستمر هذه المخاوف معه طيلة حياته.
ويعد شعور الطفل أو المراهق ببعض القلق في المواقف الاجتماعية التي تبرز تحديات أو تقييما اجتماعيا، مثل تقديم عرض شفهي لأول مرة أو الأداء الرياضي والموسيقي لأول مرة أو الانتقال إلى مدرسة جديدة أو القيام بأداء امتحان، أمرا طبيعيا.
وتتمثل أعراض القلق الاجتماعي خلال هذه الحالات في ردود فعل فسيولوجية مثل زيادة ضربات القلب وارتفاع معدل التنفس واحمرار الوجه وتعرق الكف، والأعراض السلوكية تتمثل في التأتأة وتجنب الاتصال بالعين.
وأفاد فضل أن الأطفال والمراهقين المصابين بالرهاب الاجتماعي لا يعتادون الاستجابات السلوكية المرتبطة بالمواقف المثيرة للرهاب، حيث الأعراض الجسمية تصبح إشارة لهم للهروب من المواقف الاجتماعية وتجنبها بشكل مطلق. كما نبه إلى أن الرهاب الاجتماعي في الطفولة لا يسبب الضغوط الداخلية فقط ولكنه مؤشر على اضطرابات لاحقة، حيث أن الأطفال والمراهقين المصابين بهذا الاضطراب قد يكونون عرضة بشكل كبير جدا لخطر الإصابة بالاكتئاب ومحاولات الانتحار، ويكون المراهقون أكثر عرضة للإفراط في تعاطي الكحول، بالإضافة إلى الفشل في الأداء الأكاديمي ونمط الحياة الطبيعي.

وتابع موضحا “تكون الحساسية العالية للمواقف الاجتماعية مرتبطة بتدني مفهوم الذات والخوف المفرط من النقد والرفض الاجتماعي”، مشيرا إلى أن المستويات العليا للرهاب الاجتماعي لدى الفتيات تعزز الشعور الحاد بالوحدة والعزلة والبعد عن الأصدقاء، أما الذكور الذين يعانون من هذا الاضطراب تقل لديهم الرغبة في التنافس والتواصل مع أقرانهم.
ولفت مختصون إلى أن اضطراب الرهاب الاجتماعي عادة ما يرافق الصمت الانتقائي أو يطبق عليه الخرس الاختياري لدى الأطفال والذي غالبا ما يظهر في فترة ما قبل المدرسة، وهو عبارة عن اضطراب يجعل الطفل لا يتحدث في مواقف محددة، ويقع الخلط بينه وبين الخجل.
وأكدوا أنه عادة ما يتجنب الأطفال الذين يعانون الصمت الانتقائي الاتصال بالعين مع الآخرين، حيث أنهم يذهبون بعيدا أو يختفون من أمام الأشخاص غير المألوفين بالنسبة لهم. ويبقى من يعاني من هذا الاضطراب صامتا حتى لو ترتب على صمته العار أو النبذ الاجتماعي أو حتى عقوبات.
وأكدت الدراسات الحديثة أن الخرس الاختياري لدى الأطفال يرتبط بشدة مع اضطرابات القلق وتحديدا مع اضطراب الرهاب الاجتماعي، ويعاني غالبية الأطفال المشخصين بالخرس الانتقائي من اضطراب القلق الاجتماعي، لذلك، يتوقع بعض الباحثين أن الخرس الانتقائي من الممكن أن يكون إستراتيجية تهرّب يستخدمها بعض الأطفال المصابين باضطراب القلق الاجتماعي للحد من محنتهم في المواقف الاجتماعية.
ويعد تحقيق القدرة على الاستقلال العاطفي عاملا رئيسيا في تطوير الثقة في النفس وضبط السلوك لمطابقة التوقعات الاجتماعية، ومن ثم تحقيق التكيف الاجتماعي والتوافق النفسي.