الرقص الأميركي على الخلاف الخليجي

الخميس 2017/07/06

لا تمتلك واشنطن سياسة في الشرق الأوسط، بقدر ما تمتلك سياسات عديدة في الموضوع الواحد بالمشرق والمغرب على حدّ السواء. والذي ينتظر موقفا محددا وواضحا من الإدارة الأميركية الحالية إزاء أزمة الخليج، كالذي ينتظر من السراب ماء يروي عطشه.

ستبقى واشنطن متخفية وراء مقولة “صراع الدولة العميقة والإدارة الجديدة” أو عنوان “المكاسرة بين البيت الأبيض والبنتاغون” لتواصل ذات لعبتها الكامنة في الرقص على كافّة الحبال، طالما أنّ كلّ الطرق توصل إلى تأمين المصالح الاقتصادية والأمنية للثوابت الثلاث في الإستراتيجية الأميركية بالوطن العربي، وهي أمن إسرائيل واجتراح الكيانات الهجينة والثروات الباطنيّة.

كان الدخول الأميركي إلى العراق والضريبة الثقيلة من حيث الأرواح والاقتصاد التي دفعتها واشنطن، محرضا حقيقيا على إنهاء سياسة التدخل المباشر والانخراط في منظومة وضع البيض في كافة السلات والرهان على جميع اللاعبين وانتظار المنتصر مع ما سيحمله من خراج للعام سام. هكذا كانت سياسة واشنطن في مصر إبان أحداث 25 يناير 2011 و30 يوليو 2013. لم تقدم الإدارة الأميركية موقفا واضحا وبقيت متأرجحة إلى حين غلبة الشوكة والتمكين لأحد الطرفين.

وهكذا أيضا تختار أميركا الغموض البنّاء في الملفّ السوري، فمرة تسلك مسلكية الإقرار بشرعية النظام، وأخرى تطالب بإسقاطه وفي الحالتين لن تقطع شعرة معاوية مع دمشق ولن تدير ظهرها برمته للفصائل المسلحة السورية، إذا في حال الوصول إلى تسوية مع موسكو تضمن المآرب الإستراتيجية الأميركية في الشام وهي ضمان عدم الاحتكاك بإسرائيل سواء من دمشق أو من حلفائها، تكوين دويلة فيدرالية كردية في الشمال، والحيلولة دون التمدد الإيراني من طهران إلى الضاحية الجنوبية وصلا بدمشق.

منذ اندلاع أزمة الخليج ضدّ قطر، تجتبي واشنطن الغموض البناء حيال هذا الملفّ، تقدّم تصريحا في الصباح لتفنده مساء، وتتحدث الخارجية اليوم لتقوض ما أدلى به البيت الأبيض أمس.

يعتبر البعض هذه الثنائية في التصريحات تخبطا أو تلكؤا أميركيا في الانخراط في مشهديّة التأزيم في الخليج العربي، غير أن الاستقراء العميق يحيل إلى إستراتيجية أميركية قوامها الرهان على كافة الفاعلين في المحنة، وانتظار الخروج من منتهيات الأزمة.

صحيح أن واشنطن تعرف الدوحة كحليف إستراتيجي في الشرق الأوسط وفي الخليج العربي، وصحيح أيضا أنّ حمد بن جاسم أقرّ خلال مداخل تلفزيونية بالوظيفية القطرية لواشنطن في ملفات ترويض حماس وإدخال فصائل المقاومة المسلحة إلى بيت الطاعة الأميركي وتقليم أظافر طالبان في أفغانستان، ولكن الأصح أيضا أن أميركا التي تقيس مصالحها بالدولار وتزن مواقفها بسعر البترول واحتياطات الغاز والذهب لن تضحي بالخزان الإستراتيجي الخليجي والثقل المصري من أجل عيون الدوحة.

وكما أنها لن تضحي بالدوحة التي تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الخليج العربي ومنها تم احتلال العراق في 2003، والتي، أي قطر، يقيم بها نحو 100 ألف أميركي يمثلون لواشنطن عائدات مالية محترمة، فهي أيضا لن تخلى كليا عن شراكتها الإستراتيجية مع الرياض وأبوظبي والتي تمثل محاربة الإرهاب وتحديدا إيران هدفها الرئيسي.

تدرك الدوحة أن عليها أن تتحرك ضمن المسكوت والمعفي عنه أميركيا، وألا تتجاوزه نحو المحظورات، وهو الأمر الذي يفسر استقدام قوات تركية عوضا عن إيرانية والتوجه نحو أعضاء مجلس الأمن الدائمي العضويّة دون الاقتصار على الفاعل الروسي، مع المغازلة العلنية لواشنطن عبر إبداء النية في طرد قيادات حماس والإخوان من على أرضها.

في مقابل تعويل الدوحة شبه الكامل على الولايات المتحدة لتفكيك المقاطعة، يبدو أنّ موقف الرباعي حيال قطر مبنيّ على توافق خليجي عربيّ معاضد نسبيا من واشنطن وليس قرارا أميركيا مسنودا من محور الرياض، أبوظبي، القاهرة، المنامة.

المنطقة الخليجية على أبواب “حرب خليجية أولى باردة” أو حرب خليجية رابعة ساخنة، بعد 1980 و1991 و2003، وفي الحالتين فإن واشنطن لن تنخرط فعليا إلا في سياق الدعم غير المباشر والناعم للطرف الأثقل إستراتيجيا في المكاسرة.

بعد انتهاء المهلة، لن يعود الخليج كما كان، ولن تكون قطر كما كانت، عواصف الرمال المتحركة وهجير وقيظ الصحراء الخليجية ينبئ بسنوات البينونة وعقود الفراق.

كاتب ومحلل سياسي تونسي

7