الرسام المخلص لإنسانيته

فرانسيس بيكون كان رساما عالميا بمعنى قدرته على التعبير عن محنة إنسان عصرنا في كل مكان.
الاثنين 2021/03/08
فرانسيس بيكون عبّر عن محنة الإنسان المعاصر باقتدار

“ليست أعمالي إلاّ سعيا دؤوبا لإظهار نمط من أنماط الأحساس، فالرسم يعكس بنية جهازنا العصبي الخاص، وذلك من خلال إسقاطه على القماش”، ذلك ما قاله الإيرلندي (البريطاني في ما بعد) فرانسيس بيكون (1909ــ1992) في محاولة منه لتلخيص الأسباب التي دفعته إلى الرسم، وهي الأسباب التي تأخّر في اكتشافها، حيث كان قبلها يمارس الرسم بشكل متقطّع.

كان عليه أن يقضي وقتا طويلا بضجر وهو يعمل في التصميم الداخلي. في الثلاثينات من عمره اكتشف حاجته الداخلية إلى أن يكون رساما، وبالطريقة التي تجعله قادرا على التعبير عن عالمه الشخصي.

يُصدم المرء حين يقف وجها لوجه أمام إنسانية بيكون المعذّبة ولا يمكنه أن يتوقّع أن ذلك الرسام كان إنسانا سعيدا أو عاش حياته بيسر.

كانت تلك الحياة عبارة عن كابوس طويل. وإذا كان بيكون قد أصبح واحدا من أشهر رسامي النصف الثاني من القرن العشرين وصارت لوحاته تباع بالملايين، فإن ما هو معروف من حياته ظل محصورا بما يقوله هو.

أما صداقاته فقد كانت قليلة وتمتاز بالتكتّم وأشهرها تلك العلاقة التي ربطته بالرسام لوسيان فرويد، الذي تميّز هو الآخر بغرابة أطواره.

فيوم طُلب منه أن يرسم صورة شخصية لملكة بريطانيا أجلسها أمامه ورسم لها صورة صغيرة جدا. لقد أعتقد بيكون أنه قدّم الجزء الأهم من حياته الغامضة من خلال الرسم. وكان محقا في ذلك، غير أنه قدّمها باعتبارها أسطورة معاصرة انتقل الإنسان فيها من كونه بطلا إلى المرحلة التي صار فيها ضحية. وهي الفكرة التي استلهم منها معنى المقاومة الداخلية.

من المؤكد أن علماء التحليل النفسي استفادوا كثيرا من تجربة بيكون الفنية في رؤية إنسان عصرنا. نجح بيكون في أن يتسلّل من جهازه العصبي إلى جهاز البشرية العصبي في عالم ينخره الألم الذي لا يمكن أن تغطي عليه السعادات الشخصية الصغيرة.

وهنا يكمن بالضبط واحد من أهم معاني مصطلح “العالمية” الذي غالبا ما يُستعمل بطريقة عشوائية. كان فرانسيس بيكون رساما عالميا بمعنى قدرته على التعبير عن محنة إنسان عصرنا في كل مكان.

Thumbnail
16