الرئيس الجزائري يستميل الجبهة الداخلية في حملة مبكرة لولاية جديدة

يحرص الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون على الاستفادة قدر الإمكان من العائدات المهمة للغاز لتنفيذ برنامجه الذي سبق وأن وعد به الناخبين، ولتمهيد الطريق أمام كسب دعم الجزائريين من أجل ولاية رئاسية جديدة يتطلع إليها.
الجزائر - ترى أوساط سياسية أن إعلان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مؤخرا عن قرارات ذات بعد اجتماعي، لا تخلو من خلفيات سياسية في علاقة برغبته في الحصول على ولاية رئاسية جديدة.
وتشير الأوساط إلى أن الرئيس الجزائري يحاول استغلال الطفرة المالية التي تحققت جراء ارتفاع أسعار الطاقة في الأسواق العالمية، من أجل كسب دعم الشرائح الاجتماعية المختلفة.
وقرر الرئيس الجزائري في اجتماع مجلس الوزراء إدماج نحو ستين ألف أستاذ في مختلف الأطوار التعليمية، في غضون الثلاثة أشهر المقبلة، وهي خطوة جاءت ضمن حزمة من التدابير الاجتماعية والتنظيمية المعلن عنها في مجلس الوزراء الأخير.
وذكر بيان مجلس الوزراء أن رئيس الجمهورية أمر بـ”الترسيم الفوري لكل المعلّمين والأساتذة المتعاقدين في قطاع التربية، وعددهم 59987 معلما وأستاذا، على أن تنتهي العملية في نهاية شهر فيفري 2023 كأقصى تقدير”.
وأقر المجلس وفق البيان “إنهاء مشروع قانون الأستاذ قبل نهاية العام الجاري، وتشجيع المعلمين والأساتذة على أداء واجبهم المهني ورفع مستوى التكوين، وتعزيز مكانتهم الاجتماعية والمهنية، بعيدا عن كل استغلال حفاظا على قدسية هذه المهنة النبيلة، فضلا عن التقييم والتقويم المستمرين لطبيعة المهام التي يؤديها المعلّم كمربّ وليس موظفا إداريا، كونه حاملا لرسالة ومكلفا بمهمة تكوين الأجيال”.
وكانت معالجة وضعية العاملين في قطاع التعليم من ضمن التعهدات الـ54 التي قطعها الرئيس تبون خلال الحملة الانتخابية الرئاسية التي جرت نهاية العام 2019، وسبق له أن تطرق إليها في العديد من التصريحات التي أدلى بها لوسائل الإعلام المحلية، سواء بالتسوية الإدارية والاجتماعية، أو برفع رواتب العاملين في القطاع.
وخلف القرار انطباعات أولية إيجابية لدى العاملين والنقابات، حيث عبرت هذه المكونات في بيانات صادرة عنها عن ارتياحها لقرار رئيس الدولة، بإنهاء حالة من الانتظار والقلق لدى عشرات الآلاف من الأساتذة والمعلمين الذين قضوا سنوات طويلة في إطار التعاقد.
وتزامنت حزمة التدابير الاجتماعية والتنظيمية المعلن عنها في مجلس الوزراء مع تصاعد الحديث عن ولاية رئاسية ثانية للرئيس تبون، رغم أن الموعد يبقى بعيدا نسبيا.
وظهرت مؤخرا دعوات على شبكات التواصل الاجتماعي لناشطين مؤيدين له أو جمعيات ومنظمات، تلح على ترشحه لولاية رئاسية ثانية، وتروج لما أسمته بـ”الإنجازات الكبيرة” وظهور بوادر “الجزائر الجديدة” التي تعهد الرجل بتحقيقها.
وأطلقت وكالة الأنباء الرسمية خلال الأسابيع الأخيرة سلسلة من البرقيات التي تثني على الرئيس تبون، وتشيد بـ”الإنجازات المحققة في السنوات الأخيرة في مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية”، وهو ما اعتبر تعبئة مبكرة للرأي العام تحسبا للقرار المذكور.
ويعتبر قطاع التعليم من أكبر القطاعات الحكومية التي تستقطب يدا عاملة كبيرة تقارب سقف الـ800 ألف موظف، وبذلك يعتبر أحد الأوعية الانتخابية المهمة في المجتمع، وكثيرا ما كان محل استمالة من طرف السلطات المتعاقبة بمن فيهم رؤساء الدولة، حيث سبق للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الإقرار بدمج عشرات الآلاف من منتسبيه في مناسبتين (2002 و2012).
ستون ألف أستاذ متعاقد سيجري إدماجهم في مختلف الأطوار التعليمية في غضون الثلاثة أشهر المقبلة
كما يعتبر أحد أقطاب الجبهة الاجتماعية في البلاد، فكثيرا ما هزت الحركات الاحتجاجية والإضرابات التي شنت فيه أركان السلطة، ولذلك تسعى الحكومات المتعاقبة إلى اضفاء حالة من الاستقرار عليه، تفاديا لأي انزلاق اجتماعي خاصة في مواسم الدخول الاجتماعي.
ويبدو أن الرئيس تبون، المرتاح لعائدات أسعار الطاقة منذ بداية العام الجاري، يولي أهمية قصوى للجبهة الاجتماعية بغية استمالتها خدمة لأجندته السياسية، خاصة وأنه يريد تجاوز عقدة المشاركة الشعبية المتواضعة في الانتخابات التي أفرزته رئيسا للدولة نهاية العام 2019، بردم الفجوة بين الشارع والسلطة.
وكان تبون أعلن عن العديد من القرارات الاجتماعية في الأشهر الأخيرة، على غرار رفع الرواتب، والتقليص من الضرائب عليها، وتخصيص منحة للبطالة تمس حاليا نحو مليوني مستفيد، رغم المخاوف التي أبداها مختصون اقتصاديون وخبراء حول مصدر تمويل المساهمات الاجتماعية المذكورة، ومخاطر الإبقاء على نفس سياسة شراء السلم الاجتماعي المنتهجة من طرف حكومات سابقة، باللجوء إلى عائدات الطاقة لتلبية مطالب الجبهة الاجتماعية.
وتعهد الرئيس الجزائري في تصريحات سابقة له بالتكفل بالانشغالات والمطالب الاجتماعية المطروحة على الساحة، وبمراجعة الحكومة لسلم الرواتب والاهتمام بمختلف الفئات الاجتماعية الهشة لضمان حياة كريمة للجميع، حسب تعبيره.
ولفت بيان مجلس الوزراء إلى أن قرارات تنظيمية ستدخل حيز التنفيذ قريبا تتعلق بالتعمير والأمن العمراني والصحة وأخلقة الحياة الاجتماعية.
وذكر البيان في هذا الشأن أن رئيس الجمهورية شدد على “إثراء مشروع قانون حماية أراضي الدولة والمحافظة عليها، ومراجعة قانون التعمير، وفق تخطيط عمراني حقيقي، للقضاء على مظاهر الفوضى جذريا، حتى تكون كل عمليات البناء والتشييد مستقبلا خاضعة لتأطير قانوني ومضبوطة بصرامة، بالأخص في المدن، فضلا عن استحداث شرطة العمران، لردع الظاهرة وتسليط أقصى العقوبات على حالات التواطؤ ومن يثبت تقاعسه أو تساهله من المسؤولين على كل المستويات، في استمرار تشويه البناء والتعمير”.
• اقرأ أيضا:
الجزائر تعيد تشكيل سياستها الخارجية بتعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا