الرئيس التونسي لاتحاد الشغل: عن أي حوار تتحدثون

موقف سعيّد يضع المنظمة أمام خيارات غير مريحة.
الجمعة 2023/02/24
ماذا بعد التصعيد

تونس - تتجه الأنظار إلى الاتحاد العام التونسي للشغل بعد رفض الرئيس قيس سعيد صراحة مبادرة الحوار التي يعكف على إعدادها، وسط تساؤلات حول الخطوات التي قد تقدم عليها المنظمة النقابية، التي سبق وأن وجهت رسائل تحذيرية للرئيس من عدم تجاوبه مع مبادرتها.

ويرى متابعون أن موقف الرئيس التونسي من مبادرة اتحاد الشغل منتظر، حيث أنه ومنذ إعلانه مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021، كان حسم أمره لجهة تغيير الوضع القائم بغير الأساليب التي كانت تجري بها الأمور خلال العشر سنوات التي أعقبت الإطاحة بنظام حكم الرئيس الراحل زين العادين بن علي، والتي كانت تستند بالأساس على التوافقات السياسية وتقاسم منافع السلطة.

ويلفت المتابعون إلى أن اتحاد الشغل كان أراد من خلال المبادرة التي تقدم بها بمعية عدد من المنظمات المدنية أن ينقذ نفوذه السياسي الذي اكتسبه خلال السنوات الماضية، والعودة بالبلاد إلى تلك الأساليب التي أدت في النهاية إلى تدهور الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في البلاد و”تعفن” المشهد السياسي، وهذا ما يرفضه بشدة الرئيس سعيد الذي يحرص مع كل إطلالة له على تأكيد أنه “لا رجوع إلى الوراء”.

نجم الدين العكاري: سعيد لن يعدّل ساعته على مبادرة الإنقاذ التي طرحها الاتحاد
نجم الدين العكاري: سعيد لن يعدّل ساعته على مبادرة الإنقاذ التي طرحها الاتحاد

وقال الرئيس التونسي مساء الأربعاء إن “الفساد ينخر في البلاد كالسرطان”، متسائلا عن أي “حوار يتحدثون ومع من؟”.

جاء ذلك في كلمة لقيس سعيد خلال زيارته مركز التكوين المهني والشركة التونسية للصناعات الصيدلية بالضاحية الجنوبية للعاصمة، وفق ما نشرته الرئاسة التونسية على صفحتها بفيسبوك.

وأوضح الرئيس سعيد أن “الفساد ينخر في البلاد كالسرطان ويتحدثون عن الخلاص والحوار فمع من الحوار؟ في حين تتمثل مشاكل الشعب التونسي الحقيقية في البؤس والفقر والتّهميش”.

وجاءت زيارة قيس سعيد إلى مركز التكوين المهني قبيل إقالة وزير التشغيل نصر الدين النصيبي في وقت سابق الأربعاء.

وذكر سعيد أن “هناك إرادة لتعطيل أي مشروع وإهدار أموال الشعب”، في إشارة إلى مركز التكوين الذي تعطلت أشغاله. ولفت خلال جولته في الشركة التونسية للصناعات الصيدلية إلى أن “هناك مجرمين يقفون اليوم وراء إهدار أدوية بملايين الدينارات انتهت تواريخ صلاحيتها (..) وتونس تريد التخلص من هؤلاء المجرمين”.

وشدد على “ضرورة محاسبة الجميع على قدم المساواة وعلى القضاة تطبيق القانون”.

وتشهد تونس منذ الحادي عشر من فبراير الجاري حملات إيقاف طالت العديد من السياسيين والقيادات الذين شاركوا في السلطة خلال السنوات الماضية، كما شملت الحملة إيقاف رجل أعمال نافذ في الدولة ومدير عام إذاعة محلية خاصة، فضلا عن قاضيين كان جرى إعفاؤهما في وقت سابق.

وقد شملت الإيقافات دفعة جديدة من الشخصيات الأربعاء والخميس بينهم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والعضو فيما يسمى جبهة الخلاص الوطني شيماء عيسى، والناشط الحقوقي عزالدين الحزقي.

وترتبط بعض الإيقافات بشبهات تتعلق بالتآمر على الدولة، وأخرى في علاقة بالفساد وتبييض أموال وثراء غير مشروع.

ويرى متابعون أن الإيقافات الجارية تعكس إصرار الرئيس التونسي على المضي قدما في تفعيل مبدأ المحاسبة، وأنه ليس في وارد القبول بأي ضغوط من أي طرف كان، لافتين إلى أن قيادة اتحاد الشغل لم تعد تخشى فقط من خسارة حضورها السياسي، بل أيضا تتخوف من أن تطالها رياح المحاسبة.

اتحاد الشغل بدأ بالفعل خطواته التصعيدية في الشارع، حيث يعتزم في الرابع من مارس المقبل تنظيم تظاهرة احتجاجية في العاصمة

وقال نجم الدين العكاري رئيس تحرير صحيفة “الشروق” واسعة الانتشار في تونس إن الرئيس سعيد حسم أمره في استكمال مشروعه السياسي كما خطط له، وهو في محطته الأخيرة بقرب انطلاق عمل البرلمان الجديد.

وأوضح العكاري في تصريحات لـ”العرب” أن الرئيس سعيد أكد في كل تصريحاته وخطاباته الأخيرة ما يعلمه الكثيرون أنه لن يعدّل ساعته على مبادرة “الإنقاذ” التي تطرحها المنظمة الشغيلة صحبة ثلاث منظمات أخرى، وأنه غير معني أصلا بمخرجاتها.

ولفت رئيس تحرير “الشروق” إلى أن ما “أعلنه الرئيس عن الحوار في جولته مساء الأربعاء يؤكد أن المسألة محسومة من قبله، وأن الاتحاد ومن معه هم كمن يحرث في البحر”، مرجحا “أن هذا الموقف سيدفع المنظمة الشغيلة وبقية المنظمات التي تشاركه في المبادرة إلى سيناريو تحريك الشارع والاقتراب أكثر من الأحزاب والقوى المعارضة لرئيس الجمهورية وإنشاء تحالف معها، وهو ما تبحث عنه جبهة الخلاص بدرجة أولى والتي تريد الاحتماء بخيمة اتحاد الشغل لتنفيذ مخططاتها.

وقد بدأ اتحاد الشغل بالفعل خطواته التصعيدية في الشارع، حيث يعتزم في الرابع من مارس المقبل تنظيم تظاهرة احتجاجية في العاصمة تونس، بعد تظاهرة مماثلة كان دعا إليها في صفاقس وسط شرق البلاد قبل نحو أسبوع.

وكانت تلك التظاهرة أثارت جدلا كبيرا على خلفية مشاركة الأمينة العامة للكونفيدرالية الأوروبية للنقابات إيستر لينش فيها وما استتبعها لاحقا من صدور قرار رئاسي بطردها بسبب المواقف التي أعلنتها خلال تلك المسيرة، والتي عدت تدخلا في الشؤون الداخلية للبلاد.

ويقول مراقبون إن موقف قيس سعيد من شأنه أن يزيد من إحراج وضع قيادة اتحاد الشغل التي لم يبق لها سوى ورقة أخيرة وهي التصعيد في الشارع ، وهذه الخطوة لا تخلو من محاذير وتساؤلات حول ما يمكن فعله بعد ذلك؟

4