الرؤية الحكومية للانتخابات التشريعية تضع المعارضة المصرية في مأزق

لم تنجح ضغوط المعارضة المصرية في دفع الحكومة إلى تعديل النظام الانتخابي، الذي تعتبره غير منصف لها، وخلق هذا الواقع انقساما جديدا داخل صفوف المعارضة حول المشاركة في الاستحقاق المنتظر إجراؤه قبل نهاية العام الجاري.
القاهرة - خففت المعارضة المصرية حدة تهديدها بمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة حال لم تتم الاستجابة لمطالبها المتعلقة بإجرائها وفقا للقائمة النسبية التي تسمح لها بتمثيل أفضل في البرلمان، بينما تتجه الحكومة إلى عدم إدخال تعديلات جوهرية على القانون الحالي للانتخابات.
وتجد المعارضة المصرية نفسها في مأزق لفشلها في خلق رأي عام يدعم موقفها بشأن طريقة الاقتراع، مع خفوت زخم السياسة بوجه عام في مصر.
وناقشت الحركة المدنية الديمقراطية التي تمثل جزءا مهما من المعارضة استعداداتها لانتخابات البرلمان، ورغم إصرارها على موقفها الرافض لنظام القائمة المغلقة وتمسكها بتبني النظام النسبي كبديل لم تتطرق إلى عدم المشاركة في البيان الذي أصدرته عقب اجتماع عقدته أخيرا، خلافا لتلويح سابق بهذا المعنى، ما يشي بأنها باتت أقرب إلى التعاطي مع الهندسة الحكومية للمشهد الانتخابي.
وطالبت المعارضة بتعديل الدوائر الانتخابية التي تُقيد المشاركة السياسية لفئات محددة، ما يشير إلى تركيزها على المقاعد الفردية بدلا من القوائم المغلقة التي تنهي تقريبا آمالها في تمثيل برلماني موسع، حال قررت خوض الانتخابات بقائمة موحدة تضم أحزاب المعارضة في مواجهة أحزاب الحكومة.
وبدأت أحزاب الموالاة تحشد لإعادة الهيمنة على الجزء الأكبر من المقاعد البرلمانية وتشكيل أغلبية مريحة لحزب مستقبل وطن، وحزب الجبهة الوطنية الذي تم تأسيسه أخيرا.
ويعتمد الدستور المصري، المعمول به منذ عام 2014، نظاما انتخابيا مختلطا، بواقع انتخاب نصف المقاعد فردياً، والنصف الآخر يُنتخب بنظام القوائم المغلقة المطلقة، وهي ثابتة يصعب للناخب فيها تغيير ترتيب المرشحين الذين تم اعتمادهم من الحزب أو التكتل الحزبي، وتفوز القائمة جميعها بالتمثيل النيابي أو تخسره، وفقا لما تحصده من أصوات انتخابية.
وتستعد الحكومة المصرية لإجراء انتخابات البرلمان قبل نهاية هذا العام، حيث تقضي نصوص الدستور بإجراء الانتخابات قبل 60 يوماً من انتهاء مدة المجلسَين الحالية (الشيوخ والنواب)، ما يعني الدعوة لانتخابات الشيوخ في أغسطس المقبل، أي قبل نهاية مدة المجلس في أكتوبر المقبل، على أن تكون انتخابات مجلس النواب في نوفمبر، أي قبل شهرين من نهاية مدة المجلس في يناير المقبل.
وأعلن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وهو أحد الأحزاب المنضوية داخل الحركة المدنية، رفضه المشاركة في الانتخابات وفقا للنظام الانتخابي القائم على تعدد الرؤى داخل التحالف المعارض، بينما أكد حزب المحافظين رغبته في المشاركة في الانتخابات رافضا فكرة المقاطعة وترك اللجوء إليها حال وجدت شبهات تزوير واضحة.
وتُعيد الرؤى المختلفة داخل تكتل المعارضة إنتاج مشكلات سابقة لم تستطع فيها التوافق حول موقف واحد، مثلما هو الوضع بالنسبة إلى الانسحاب من الحوار الوطني والمشاركة في الانتخابات الرئاسية الماضية، وتنتظر ما ستسفر عنه خطط الحكومة، ثم الانخراط في مشاورات لتحديد الانسحاب أو المشاركة.
ووضعت المعارضة جملة شروط، طالبت بتحقيقها قبل المشاركة في الانتخابات، من بينها توفير مناخ مناسب، والتعددية، ومراجعة القوانين والنظام الانتخابي، وأن يعتمد قانون الانتخابات على القائمة النسبية وليس المطلقة، كوسيلة لتعزيز التمثيل السياسي.
وقال المتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية وليد العماري إن الحركة لم تتحدث عن مقاطعة الانتخابات ولديها رغبة في المشاركة وتدافع عن مبدأ يتعلق بأهمية إجراء عملية انتخابية نزيهة، وإنها تصطدم في الوقت الحالي بأزمات تأخر صدور القوانين المنظمة للانتخابات وليست هناك معلومات كافية حول شكل القوائم والدوائر الانتخابية، في حين أن الواقع يشير إلى ضرورة وجود تعديلات جوهرية تسمح للمواطنين بالترشح في الانتخابات، وأن ضم ثلاث دوائر انتخابية في دائرة واحدة جعل المنافسة قاصرة على من لديهم المال الذي يساعد على بناء حملات انتخابية ضخمة.
وأوضح العماري في تصريح لـ“العرب” أن تماسك الجبهة الداخلية يتطلب وجود مساحات أكبر من المعارضة في البرلمان للتعبير عن مصالح المواطنين، وضرورة فتح المجال العام والإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا رأي والسماح بإقامة مؤتمرات جماهيرية في الشارع، وهي مطالب توجد رغبة من جانب الحركة في المشاركة في الانتخابات.
وأشار إلى أن تغير موقف الحركة من المشاركة قد يحدث عند وجود قيود تصعّب عليها مهمة المنافسة، ويعد الإصرار على القوائم المغلقة نوعا من التضييق، وصعوبة الترشح على الدوائر الشاسعة بالنسبة إلى المقاعد الفردية نوع آخر من التضييق، ومن هنا يمكن اتخاذ مواقف أخرى، والمعارضة ستقاطع الانتخابات إذا أُرغمت على ذلك.
وتحاول الحركة المدنية، وتضم في عضويتها تسعة أحزاب وشخصيات عامة، أن تسجل حضورا في هذا المعترك عبر فتح المجال أمام الراغبين في خوض الانتخابات على قوائمها، دون أن تحدد موقفها النهائي الذي تتركه وفقا لما ستؤول إليه الأحداث، وقد يكون ذلك إحدى المشكلات التي تعرقل قدرتها على جذب أعداد كبيرة من المرشحين الذين وجدوا ضالتهم في أحزاب لها توجهات معارضة للحكومة لكنها أكثر انفتاحا على المشهد الراهن، وتتجه نحو خوض الانتخابات على قوائم تشكلها أحزاب الموالاة.
وقال رئيس حزب الإصلاح والتنمية (معارض) محمد أنور السادات إن حزبه ممثل في الحركة المدنية، رغم عدم مشاركته في الأنشطة والاجتماعات، وإن الخيار الأول والأخير لحزبه هو المشاركة في الانتخابات المقبلة، وينتظر ما سوف تقرره الحركة المدنية من مواقف نهائية بشأن الانتخابات لتحديد ما إذا كان سيخوض الانتخابات ضمن قائمة موحدة تنوي تشكيلها أحزاب المعارضة أم البحث عن قوائم أخرى.
وأوضح السادات في تصريح لـ“العرب” أن حزبه ينسق مع مرشحيه على القوائم الفردية انتظارا لمعرفة الموقف من القوائم المغلقة أو النسبية وجدية الحكومة في الإقدام على تعديل قوانين الانتخابات من عدمه، ويتوقف مصير التحالفات الانتخابية على تلك القوانين، وإجراء الانتخابات وفقا للقوائم المغلقة يدفع إلى التنسيق مع أحزاب الموالاة القادرة على حسم الانتخابات لصالحها.
وأشار إلى أن الفترة المقبلة سوف تشهد إجابة على تساؤلات تتعلق بأدوار الهيئة الوطنية للانتخابات وإجراءاتها بشأن تنظيم الحملات والنزاهة وحسم مسألة الإشراف القضائي، مع إمكانية الاستعانة بهيئات قضائية قد تدير المشهد الانتخابي بشكل مغاير لفكرة وجود قاض على كل صندوق.
ويلوم كثيرون المعارضة على أنها تبدي اهتماما بالجوانب الإجرائية على حساب العمل السياسي في الشارع، واكتساب شعبية تدفعها للضغط بشكل قوي على الحكومة، والحديث عن تضييق الخناق على تحركاتها ليس كافيا لتبرير تقاعسها.