الذكاء الاصطناعي مجال عمل لذوي الاحتياجات الخاصة

روبوتات يحركها شباب عن بعد تستقبل زبائن مقهى ياباني.

الثلاثاء 2021/08/24
تواصل وتفاعل

يظن البعض أن تطوّر الروبوتات سيحدّ من فرص عمل البشر وخاصة من فئة الشباب، إلا أن مقهى “داون” الياباني يفنّد هذه المزاعم بعد أن فتح المجال لذوي الاحتياجات الخاصة لإدارة روبوتات تعمل لتقديم الخدمات للزبائن، بل يفسح المقهى المجال لحوار لطيف بين كل من ذوي الاحتياجات والزبائن.

طوكيو - يحَيّي ميتشيو إيماي أحدَ الزبائن في مقهى بطوكيو ويستعد لتسجيل طلبه، لكنه في الواقع موجود على بعد المئات من الكيلومترات من المكان، يدير عن بُعد روبوتا ضمن تجربة لتسهيل توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة.

فالروبوتات البيضاء في مقهى “داون” التي يشبه شكلها صغار البطريق وترفرف أجنحتها لدى استقبالها الزبائن، تهدف إلى توفير فرص عمل للأشخاص الذين يجدون صعوبة لمغادرة منازلهم.

فمن منزله في هيروشيما (غرب اليابان) على بعد 800 كيلومتر من المقهى، يخاطب إيماي الزبون من خلال الروبوت قائلا “مرحبا، كيف حالك؟”، ويمكن أن يواصل الحديث مع الزبون.

إنه واحد من نحو خمسين موظفا يعانون إعاقات حركية أو عقلية  يسيّرون الروبوتات  في مقهى “داون” بعضهم يعمل من أماكن مختلفة داخل اليابان وخارجها، لكن البعض الآخر موجود فعليا في المقهى.

الصورة
افتتاح المقهى يشكل فرصة لإبراز التقدم الذي حققته اليابان في مجال إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة 

والمقهى الذي افتُتِح في يونيو في حي نيهونباشي بطوكيو، كان من المقرر في الأصل بدء العمل فيه عام 2020 تزامنا مع دورة الألعاب البارالمبية، لكنّ الموعد أرجئ كما الدورة بسبب جائحة كورونا التي حلت بالعالم وعطلت نشاطات مختلفة اقتصادية ورياضية وثقافية.

والمكان خال من أي سلالم، وممراته واسعة تسهيلا لتنقّل الكراسي المتحركة، وتتولى فيه روبوتات بعيون لوزية الشكل أطلقت عليها تسمية “أوريهايمي” مهمة الاستقبال، وهي مجهزة بكاميرا وميكروفون ومكبّر للصوت لتمكين مشغّلي الروبوت من التواصل مع الزبائن.

وسأل روبوت مزود بجهاز لوحي يعرض قائمة طعام تضم أصناف من البرغر والكاري والسلطة زبونا “هل يمكنني أخذ طلبك؟”.

وأثناء قيام الزبائن بالدردشة مع مشغلي الروبوتات الذين يعطون الأوامر للروبوتات  الصغيرة، تتحرك ثلاثة روبوتات كبيرة شبيهة بالبشر لتقديم المشروبات أو الترحيب بالزبائن عند مدخل المقهى.

وهناك أيضا روبوت باريستا لإعداد القهوة، يرتدي مئزرا بنيا ويمكنه استخدام مكبس القهوة، لكن هذه الروبوتات اللطيفة هي قبل كل شيء وسيلة للتواصل، قال ميتشيو إيماي الذي يعاني اضطرابا جسديا ويجد صعوبة في مغادرة منزله “يمكنني التحدث إلى الزبائن عن الكثير من المواضيع، كالطقس، والمنطقة التي أنتمي إليها، وصحتي…”.

وأضاف “ما دمت على قيد الحياة، أريد أن أفعل شيئا للمجتمع من خلال العمل.. يسعدني أن أكون جزءا من المجتمع”.

الصورة
العمل عن بعد يدمج ذوي الإعاقة

ويعاني المشغلون الآخرون من مرض شاركو الذي يؤدي إلى شلل العضلات، ويمكنهم استخدام حركات عيونهم لإرسال إشارات إلى الروبوتات، التي تقدم الخدمات إلى الزبائن وتجد تفاعلا، حتى أن بعضهم يأخذ لهم صورا أو سيلفي.

وقال كينتارو يوشيفوجي رائد الأعمال الذي شارك في تأسيس شركة أوري لابوراتوري التي تصنع الروبوتات، “إنه مكان يتيح دمج الناس في المجتمع”، فقد منعت يوشيفوجي مشكلات صحية عانى منها في طفولته من الذهاب إلى المدرسة، مما دفعه إلى التفكير في طرق تُمكّن الأشخاص الذين لا يستطيعون مغادرة منازلهم من العمل.

وتلقى رجل الأعمال البالغ 33 عاما دعما من شركات كبيرة، ولكنه تلقى أيضا تمويلا تشاركيا لفتح المقهى الذي يرى فيه أكثر من مجرد تجربة روبوتية. وشدد على أن “الزبائن لا يأتون إلى المقهى لمجرد مقابلة أوريهايمي… بل الأشخاص الذين يقودونه من وراء الكواليس”.

ويشكل افتتاح هذا المقهى وكذلك دورة الألعاب البارالمبية، فرصة لإبراز التقدم الذي حققته اليابان في مجال إدماج ذوي الإعاقة وتسهيل تحركاتهم، والنقاش القائم من قبل المدافعين عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة حول التقدم الذي أحرزته اليابان في السعي إلى إدماجهم وإتاحة سهولة حركتهم بالأماكن المختلفة.

الصورة
تجربة فريدة

ومنذ أن تم عام 2013 اختيار ترشيح طوكيو لتنظيم الألعاب، أعلنت الدولة عن جهودها لجعل التنقل في الأماكن العامة أكثر سهولة لذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن جهود الإدماج لا تزال محدودة، على ما لاحظ سيجي واتانابي، وهو رئيس منظمة غير حكومية تساند الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يرغبون في العمل، مقرها في منطقة آيتشي بوسط اليابان، حيث قال “إن الدعم الموجه نحو الإدماج لا يزال محدودا”.

ورفعت الحكومة اليابانية في مارس الحدّ الأدنى لنسبة الوظائف للأشخاص ذوي الإعاقة من 2.2 في المئة إلى 2.3 في المئة في الشركات، لكن “هذا المستوى منخفض للغاية”، على ما قال واتانابي الذي لاحظ أن “ليس من ثقافة الشركات اليابانية أن تحقق التنوع من تلقاء نفسها”.

بينما قال فوكايا مامورو، من مقهى داون، إنه وابنه البالغ من العمر 17 عاما استمتعا بمحادثته مع “قائد” الروبوت في زيارة وقت الغداء.

وأضاف الرجل البالغ من العمر 59 عاما، “كان مشغل الروبوت ودودا للغاية، لقد ذكر أنه لا يمكنه العمل خارج منزله، لذا من الرائع أن تكون لديه فرصة تواصل مع الآخرين مثل هذا النوع”.

ويعتقد يوشيفوجي الذي يركز جهوده في الوقت الراهن على مشروع المقهى، أن الروبوتات يمكن أن تجعل دورة الألعاب البارالمبية أكثر شمولا مما هي عليه الآن.

ورأى أنه من الممكن ابتكار “نوع جديد من الألعاب البارالمبية لطريحي الفراش»، مضيفا “يمكننا حتى ابتكار رياضات جديدة. سيكون ذلك مثيرا للاهتمام”.

20