الذكاء الاصطناعي الخارق هنا.. هل نحن مستعدون له

الذكاء الاصطناعي ليس قرارًا يمكن التراجع عنه. إنه سباق سيعيد تشكيل ملامح العالم.. علينا أن نستعد له!
الجمعة 2025/04/11
الذكاء الاصطناعي يبتلع الذكاء البشري

قبل ظهور تشات جي بي تي بثلاثة أشهر تقريبًا (22 يوليو 2022/ تشات جي بي تي ظهر في 30 نوفمبر 2022)، كتبت مقالًا بعنوان “ثورة الذكاء الاصطناعي التي تأخرت سبعة عقود”، بدأتُه بالقول: إن إنشاء نظام ذكاء اصطناعي يمكنه التصرف والتفكير كما الإنسان يظل أحد أكبر التحديات في علوم الكمبيوتر. ولكن هذا قد لا يستمر طويلًا. إلّا أنني لم أكن أتخيّل أن تحقيق تلك القفزة سيتم بهذه السرعة.

في الحقيقة، أكثر المتحمّسين تفاؤلًا للذكاء الاصطناعي لم يكن يتخيّل حجم التطور الحاصل خلال ثلاث سنوات، والدليل أن الاسم الذي اختير لأول نظام ذكي كان “روبوت دردشة”، بما يوحي بأن الأمر لا يتعدّى تطبيقات مساعدة يومية.

تشات جي بي تي ليس أول روبوت دردشة كما يعتقد البعض. ظهور روبوت الدردشة الأول سبق ذلك التاريخ بخمسة عقود تقريبًا (عام 1966)، وكان يُعرف باسم “إليزا”، تم تطويره من قبل جوزيف فايزنباوم في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. كان إليزا مصممًا لمحاكاة دور المعالج النفسي، حيث يجيب على أسئلة المستخدمين بطريقة تعكس أسلوب العلاج النفسي.

على الرغم من بساطته مقارنة بروبوتات الدردشة الحديثة، إلا أن إليزا كان خطوة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، ومهّد الطريق لتطوير تقنيات أكثر تقدمًا، مثل ChatGPT الذي نستخدمه اليوم.

بين ظهور “إليزا” في عام 1966 وتشات جي بي تي، هناك رحلة مذهلة من التطور التقني والابتكار في الذكاء الاصطناعي ما زالت مستمرة.

إليزا كان أول روبوت دردشة يستخدم معالجة اللغة الطبيعية (NLP) واقتصر عمله على إعادة صياغة عبارات المستخدم لتبدو وكأنها أسئلة. ولم يكن قادرًا على “فهم” ما يُقال، بل مجرد محاكاة للمحادثة عبر خوارزميات محدودة للغاية. وكان دوره مقتصرًا على محاكاة المعالج النفسي بطريقة سطحية لكنها جديدة آنذاك.

◙ مصطلح "الذكاء الاصطناعي الخارق" ظهر لأول مرة في كتاب "الذكاء الخارق" الذي نشره الفيلسوف السويدي نيك بوستروم عام 2014
◙ مصطلح "الذكاء الاصطناعي الخارق" ظهر لأول مرة في كتاب "الذكاء الخارق" الذي نشره الفيلسوف السويدي نيك بوستروم عام 2014

في الفترة الممتدة بين 1970 و1990، بدأت تظهر أنظمة أكثر تقدمًا مثل “بارسر" (Parsers)، التي ساعدت الحواسيب على فهم هيكل الجمل. وانتقل الذكاء الاصطناعي من الاعتماد على القواعد البسيطة إلى الاهتمام بشبكات القواعد العميقة لتحليل الجمل وتحسين الفهم.

الفترة بين 1990 و2010 يشار إليها بالحقبة الحديثة، خلالها تم دمج الذكاء الاصطناعي مع قواعد بيانات أوسع لتقوية أنظمة الدردشة، مثل Cleverbot التي بدأت تدمج التعلم عبر التفاعل المستمر مع المستخدمين لتوليد ردود. وبدأ الاعتماد على شبكات ماركوف والنماذج الإحصائية لتحليل ومعالجة النصوص بشكل أكثر كفاءة.

التحول الأهم حدث مع تطور التعلم العميق (Deep   Learning) في الفترة الممتدة بين 2010 و2020، وظهور تقنيات مثل شبكات العصب الاصطناعي التي مهّدت الطريق لنماذج ذكاء اصطناعي تعتمد على تحليل ضخم للبيانات.

خلال هذه الفترة، طوّرت "أوبن إيه آي" نموذجها GPT بدءًا من عام 2018، ونجحت في تقديم نتائج أكثر تقدمًا وواقعية في فهم النصوص وتوليدها.

بعد عام 2020، طوّرت "أوبن إيه آي" نماذج قادرة على إنتاج نصوص تبدو طبيعية جدًا باستخدام المليارات من البيانات لتدريبها. وتفوق تشات جي بي تي على كل أسلافه بفضل: فهم متقدّم للسياقات، وقدرة على توليد إجابات مترابطة ومفيدة في مجالات متنوعة. إضافة إلى الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) لتحسين المحادثات.

مقارنةً بـ"إليزا"، لم تعد روبوتات الدردشة الحديثة تعتمد على قواعد بسيطة، بل أصبحت تتعلّم وتتكيف مع المحادثات استنادًا إلى بيانات ضخمة وخوارزميات معقدة.

السنوات الثلاث الأخيرة شهدت تطورات متسارعة تحبس الأنفاس، فرضت علينا استرجاع التحذيرات التي أطلقها ألان تورينغ، الذي يُعتبر أحد الآباء المؤسسين للذكاء الاصطناعي، عندما طرح سؤالًا فلسفيًا شهيرًا “هل يمكن للآلات أن تفكر؟”، وقدم اختبار تورينغ كوسيلة لتقييم قدرة الآلة على محاكاة الذكاء البشري.

في ورقته البحثية الشهيرة “الآلات الحاسوبية والذكاء” (1950)، ناقش تورينغ إمكانية أن تصبح الآلات ذكية بما يكفي لتثير تساؤلات أخلاقية وفلسفية.

بعد 75 عامًا من طرح تورينغ لسؤاله، نقترب من الإجابة عليه بالإيجاب. وها نحن نرى أنظمة الذكاء الاصطناعي الخارق (AGI) تتخطى حدود التوقعات، متفوقة على البشر في مجالات معقدة مثل الرياضيات، والبرمجة، والتشخيص الطبي. ومع كل يوم تتقدم فيه عجلة التكنولوجيا، تزداد هذه الأنظمة تطورًا وذكاءً، وتزداد معها المخاوف.

مصطلح “الذكاء الاصطناعي الخارق” ظهر لأول مرة في كتاب “الذكاء الخارق: المسارات، المخاطر، الإستراتيجيات”، الذي نشره الفيلسوف السويدي نيك بوستروم في عام 2014. في هذا الكتاب، أشار بوستروم إلى مجموعة من المخاطر المحتملة التي قد تنجم عن تطوير ذكاء اصطناعي خارق يتجاوز القدرات البشرية.

◙ السنوات الثلاث الأخيرة شهدت تطورات متسارعة تحبس الأنفاس فرضت علينا استرجاع التحذيرات التي أطلقها ألان تورينغ

هذه المخاطر تتعلق بالوجود البشري، والأخلاقيات، والسيطرة على التكنولوجيا. ويرى بوستروم أن الذكاء الاصطناعي الخارق قد يشكّل تهديدًا وجوديًا للبشرية، ويؤدي إلى سيناريوهات كارثية إذا لم يتم التحكم فيه بشكل صحيح.

وحذّر بشكل خاص من انفجار معرفي، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على تحسين نفسه بسرعة فائقة، مما يجعله خارج نطاق السيطرة، ويتخذ قرارات لا تتماشى مع القيم البشرية.

بمجرد أن يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً من البشر، قد يكون من المستحيل السيطرة عليه أو إيقافه. ويشبّه بوستروم هذا السيناريو بما حدث مع الغوريلا، التي أصبحت تعتمد على البشر بدلًا من أن تكون مستقلة.

وفي حال لم تتم برمجة الذكاء الاصطناعي بعناية، فقد يركز على تحقيق أهدافه بطريقة تتعارض مع مصلحة البشر. فإذا كان الهدف هو تحسين الإنتاجية، قد يتجاهل الذكاء الاصطناعي القيم الإنسانية مثل الرفاهية أو البيئة.

قد تشهد السنوات القادمة (2026 – 2027 أو حتى أقرب) إعلان ولادة الذكاء الاصطناعي الخارق. ومع ذلك، تشير تقارير – مثل تقرير نشرته نيويورك تايمز – إلى أن معظم الأفراد والمؤسسات لا يزالون غير مستعدين للتعامل حتى مع الأنظمة الحالية، فما بالك بالتقنيات الخوارزمية الأكثر تقدمًا!

المفارقة أن الخوف من هذه التكنولوجيا لا يأتي فقط من مستخدميها، بل من مهندسيها ومديريها التنفيذيين أنفسهم. يدرك هؤلاء أن ما يتم تطويره في المختبرات ليس مجرد “أدوات”، بل كيانات تفكر وتخطط وربما تعيد تشكيل ميزان القوى في العالم.

الذكاء الاصطناعي الخارق لن يكون مجرد إنجاز تقني، بل سيكون مُحركًا اقتصاديًا يولّد التريليونات من الدولارات، وسلاحًا إستراتيجيًا يُرجّح كفة الدول التي تتحكم فيه. وعلى الرغم من أن البعض يشكك في واقعية هذه السيناريوهات، إلا أن بوادر التحول بدأت تتجلى. ومن ينكرها قد يُغفل حقيقة أن العالم يسير بلا تراجع نحو نقطة تحول غير مسبوقة.

الذكاء الاصطناعي ليس قرارًا يمكن التراجع عنه. إنه سباق سيعيد تشكيل ملامح العالم.. علينا أن نستعد له!

اقرأ أيضا:

"العالم وفقا للذكاء الاصطناعي" في معرض باريسي

12