الديناميكية في العلاقات المغربية – الفرنسية تنعكس إيجابا على التعاون عسكريا

إمكانيات متجددة لتشكيل رؤية مستقبلية مشتركة.
الأربعاء 2024/12/04
اجتماعات عسكرية هدفها البناء على ما تحقق دبلوماسيا

يحرص الجانبان المغربي والفرنسي على المضي قدما في تعزيز العلاقات الثنائية، التي شهدت تحولا لافتا بعد إعادة باريس النظر في موقفها من قضية الصحراء المغربية، وسط تطلعات بأن يثمر هذا التمشي تعاونا بناء على مختلف الأصعدة ومن بينها العسكري.

الرباط- تشهد العلاقات الفرنسية – المغربية، زخما على مختلف الأصعدة والمستويات، بعد طي صفحة الجفاء الذي طبع العلاقات الثنائية خلال العامين الأخيرين.
وعقدت اللجنة العسكرية المختلطة المغربية – الفرنسية في الثاني والثالث من ديسمبر الجاري اجتماعات برئاسة كل من محمد بريظ المفتش العام للقوات المسلحة الملكية بالمغرب (الجيش)، وتيري بوركهارد رئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية، تم خلالها الاتفاق على ضرورة الاستفادة من الديناميكية التي أحدثتها الشراكة الاستثنائية المعززة التي أرساها قائدا البلدين، الملك محمد السادس والرئيس إيمانويل ماكرون.
وذكر بلاغ للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية أن المباحثات بين القيادات العسكرية للبلدين جاءت تنفيذا لتعليمات العاهل المغربي الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، وتمحورت حول مختلف أوجه التعاون العسكري الثنائي، وكذا الوضع الأمني الإقليمي والدولي.

وخلال اجتماع للمسؤول العسكري الفرنسي بالوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، أعرب الجانبان عن ارتياحهما للزخم الإيجابي لعلاقات الصداقة والتعاون القائمة بين البلدين، وكذا آفاق توسيعها لتشمل مجالات الفضاء والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي خدمة للقوات المسلحة والصناعة الدفاعية.

هشام معتضد: المغرب، يسعى إلى التموقع كقوة إقليمية قادرة على إحداث توازن إستراتيجي
هشام معتضد: المغرب، يسعى إلى التموقع كقوة إقليمية قادرة على إحداث توازن إستراتيجي

وأكد هشام معتضد، الأكاديمي والباحث في الشؤون الإستراتيجية، أن هذه الاجتماعات بالغة الأهمية وتعكس وعيًا متزايدًا بضرورة إضفاء ديناميكية جديدة على الشراكة الثنائية، بما يضمن مواكبة التحديات المتسارعة إقليميا ودوليا وخصوصا في منطقة الساحل والصحراء، معتبرا أن هناك تحولات عميقة في التصور التقليدي للتعاون الأمني والعسكري وانتقاله من مجرد استجابة ظرفية إلى بناء منظومة أمنية شاملة، حيث يسعى المغرب، بحكامة إستراتيجية مدروسة، إلى التموقع كقوة إقليمية قادرة على إحداث توازن إستراتيجي بين شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط.

وعلى المستوى الميداني أجرى الجيشان المغربي الفرنسي مناورات برية مشتركة في المناطق الجبلية، احتضنتها منطقة الأطلس الكبير، ما بين 20 أكتوبر و14 نوفمبر 2024، وذلك لمحاكاة تكتيكات قتالية جديدة ومُعقدة في المناطق الوعرة. وحسب وزارة الدفاع الفرنسية، فقد عزز هذا التمرين أواصر الصداقة والتعاون بين القوات الجبلية الفرنسية والمغربية، حيث أكدت الشهادات المشتركة المعترف بها في التدريب على المهارات المتبادلة، مبرزة أنه “مع نجاح هذا البرنامج، تخطط الكتيبة الفرنسية الـ13 لاستضافة وحدة مغربية في جبال الألب خلال ربيع العام المقبل.”

وتأتي المناورات في ظل التقارب المغربي الفرنسي على العديد من المستويات، تبعا لإعلان الرئيس إيمانويل ماكرون، في رسالة للملك محمد السادس بتاريخ 30 يوليوز 2024، دعم فرنسا لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء كأساس “وحيد” لحل النزاع، واعتبار أن “حاضر ومستقبل” المنطقة يندرجان “تحت السيادة المغربية.”

وبين هشام معتضد، في تصريحات لـ”العرب”، أن المناورات التي تجريها القوات المغربية بحريا وبريا وجويا مع نظيرتها الفرنسية تعطي للتعاون المغربي – الفرنسي إمكانيات متجددة لتشكيل رؤية مستقبلية مشتركة تتماشى مع تطورات البيئة الأمنية الإقليمية والدولية، وهو ما يعزز قدرة المملكة على تقديم نفسها كضامن للأمن في منطقتها، سواء من خلال قدراتها الذاتية أو من خلال شراكاتها الدولية المتوازنة.

وتأكيدا للجهود الدبلوماسية المتواصلة لتعزيز العلاقات المغربية-الفرنسية، شهد مقر السفارة المغربية بفرنسا اجتماعًا رفيع المستوى جمع مسؤولين من وزارتي الداخلية والشؤون الخارجية للبلدين، لتعزيز نظام التعاون الكامل في مجال الهجرة بين البلدين، في إطار تعزيز الحوار والتعاون ضمن المجموعة المشتركة الدائمة المغربية – الفرنسية حول الهجرة، مع ما يحملانه من دلالات سياسية ودبلوماسية والديناميكية الإيجابية المرتبطة بقضية الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء.

ووفقا لبلاغ مشترك صدر عقب ختام الاجتماع الذي ضم مسؤولين رفيعي المستوى من وزارتي الداخلية والخارجية للبلدين، بحضور سفيرة الرباط بفرنسا، فإن هذه المقاربة المبتكرة تهدف إلى الاستجابة للإرادة التي أعرب عنها قائدا البلدين، الملك محمد السادس ورئيس الجمهورية الفرنسية، إيمانويل ماكرون، والإعلان المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة الذي وقعه رئيسا الدولتين يوم 28 أكتوبر 2024، بهدف وضع أجندة شاملة في هذا المجال، تشمل تسهيل التنقلات النظامية، ومكافحة الهجرة غير النظامية، والتعاون في مجال إعادة القبول ومنع عمليات المغادرة بالطرق غير القانونية، وكذا تعزيز التنسيق بين دول المصدر وبلدان العبور وبلدان الإقامة، على أساس مبدأ المسؤولية المشتركة.

ولفت هشام معتضد إلى أن التعاون الدبلوماسي في مجال الهجرة بين البلدين ليس تقنيًا فقط بل يحمل بعدا إستراتيجيًا أعمق، كون المغرب وفرنسا يسعيان إلى بناء رؤية مشتركة حول مفهوم الأمن الإقليمي والطرق المثلى للتعامل معه، في ظل المقاربة التي ينهجها المغرب في مجال الهجرة، تساهم في تعزيز موقعه كفاعل رئيسي في صناعة القرار الإقليمي حول هذا الملف بما يخدم التنمية والحقوق والاستقرار.

وقد أعرب الطرفان عن ارتياحهما لجودة التعاون النموذجي في مجال الهجرة بين المغرب وفرنسا، كما يشهد على ذلك تحسن المؤشرات المتعلقة بإعادة القبول، وبدور كل من المحافظين والقناصل العامين الذين يوجدون في قلب الإستراتيجية والرؤية التي تم وضعها في إطار المجموعة المشتركة الدائمة المغربية – الفرنسية حول الهجرة.

وأشاد الجانب المغربي بالجهود التي تبذلها فرنسا لتعزيز التنقل القانوني، لاسيما بالنسبة للطلاب، مسجلا بارتياح الاتجاه الإيجابي في معدلات منح التأشيرات. كما كانت حماية حقوق الجالية المغربية المقيمة في فرنسا، وهي ركيزة العلاقات الإنسانية والثقافية والاقتصادية بين البلدين، في صلب التبادلات.
من جانبه، نوه الجانب الفرنسي بالجهود التي يبذلها المغرب في مجال إدارة تدفقات الهجرة، مشيرا إلى التحسن المتواصل لهذا التعاون، معبرا عن امتنانه للمغرب على تنظيم هذا الاجتماع الذي مكن من تنفيذ الإستراتيجية التي تريدها فرنسا والمغرب في مجال التعاون في مجال الهجرة، وسيجري تقييمها في الاجتماع المقبل للمجموعة المشتركة الدائمة المغربية – الفرنسية حول الهجرة الذي سيعقد في فرنسا في النصف الأول من عام 2025.

4