الدول الكبرى تعالج أزماتها الاقتصادية بأموال من ورق

لندن – فجرت دراسة أكاديمية، مخاوف كبيرة بشأن الأخطار التي تهدد النظام المالي العالمي، بعد أن كشفت أن البنوك المركزية في منطقة اليورو اشترت، في هدوء وبعيدا عن الأنظار، أصولا بمئات المليارات من اليورو خلال السنوات العشر الماضية، من خلال تسهيل سري يسمح لهم بطباعة النقود خارج إطار أغراض السياسة النقدية.
وتثير الدراسة التي أعدها الباحث دانيال هوفمان، تساؤلات بخصوص استخدام البنوك لتلك الخطة لأغراض غير نقدية، مثل إدارة صناديق التقاعد التابعة للبنوك المركزية وبخاصة إبان الأزمة المالية العالمية من 2008 إلى 2012 عندما أدت الزيادة في تكلفة اقتراض عدة دول إلى طلب المساعدة المالية.
وفي حين يعرف الجميع جيدا برنامج التيسير الكمي الخاص بالبنك المركزي الأوروبي والبالغة قيمته 1.5 تريليون يورو، فإن وجود تلك الخطة المنفصلة الخاصة بشراء السندات وأصول أخرى، تثير مخاوف من أن حجم المخاطر المالية العالمية قد يكون أكبر بكثير من المعلن.
وزادت المشتريات بشكل كبير في سنوات الأزمة وبخاصة تلك التي قامت بها البنوك المركزية في فرنسا وإيطاليا واليونان وأيرلندا.
وتتسابق دول العالم منذ سنوات إلى طباعة النقود في إطار برامج تيسير نقدي، تمثل جانبا من حرب عملات خفيه، في محاولات لإنعاش الاقتصاد من خلال خفض قيمة عملاتها لزيادة القدرة التنافسية لصادراتها.
لكن الهدف الأكبر من تلك السياسات هو منع السقوط في فخ انكماش الأسعار، الذي يصعب الفكاك منه خاصة إذا سقطت جميع الاقتصادات الكبرى فيه دفعة واحدة.
وقال البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس إنه من غير الممكن حدوث “تكوين للأموال على نحو غير منضبط” باستخدام هذا التسهيل المعروف باسم اتفاقية صافي الأصول المالية لأن هناك سقفا لما يمكن لكل بنك من البنوك المركزية الوطنية شراؤه لمنع تداخله مع السياسة النقدية.
العالم قد يضطر في مواجهة أزمة مالية غير مسبوقة إلى فرض سياسات مالية عالمية موحدة
لكن تلك الحدود غير معلنة. وبينما يتعين على البنوك المركزية الوطنية إخطار البنك المركزي الأوروبي بما تقوم بشرائه فإن الكثير من تلك البنوك لا يعلن مثل تلك التفاصيل.
ويخشى المحللون من أن يؤدي انحدار أسعار النفط وجميع المعادن الصناعية مثل النحاس والحديد إلى انكماش الأسعار في معظم الاقتصادات الرئيسية، التي تعاني فعلا من انحدار التضخم تحت حاجز الصفر بين شهر وآخر مثلما يحدث حاليا في بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وعانت اليابان من دوامة انكماش الأسعار منذ منتصف الثمانينات، والتي أدت إلى انكماش الاقتصاد في معظم فترات الثلاثين عاما الماضية.
وإذا كانت دوامة انكماش الأسعار في اليابان قاسية إلى ذلك الحد، فما الذي سيحدث لو دخل معظم الاقتصاد العالمي في دوامة انكماش الأسعار، وامتد ذلك إلى انكماش الاقتصاد العالمي؟
ويعد انكماش الأسعار في دولة واحدة مأزقا اقتصاديا كبيرا، رغم أنها يمكن أن تخرج منه خلال طبع العملة وإغراق السوق بالسيولة وخفض سعر الصرف لترتفع أسعار السلع المنتجة محليا، ما يؤدي لاستيراد التضخم من دول أخرى من خلال ارتفاع أسعار السلع المستوردة.
ويمكن أن يؤدي انكماش الأسعار إلى حروب خفض للعملات وسباق عالمي في خفض الأسعار والأجور. وقد يجد العالم نفسه في حفرة كبيرة، في وقت يتسابق فيه الجميع في مواصلة الحفر.
سقوط الاقتصاد العالمي في انكماش الأسعار سيؤدي لسباق في خفض الأسعار والأجور في دوامة يصعب الفكاك منها
ويمكن لسقوط الكتل الاقتصادية الكبرى في انكماش الأسعار، أن يؤدي إلى أزمة لم يسبق لها مثيل، لأنها ستكون دوامة يصعب الفكاك منها، إذ ستؤدي الى تسابق في خفض الأسعار وخفض الأجور في سلسلة تتكرر وقد لا تنتهي دون نتائج وخيمة، بسبب صعوبة تنسيق سياسات الدول.
ويدفع انكماش الأسعار عادة المستثمرين إلى العزوف عن المخاطرة في الاستثمار والتحول للادخار في الملاذات الآمنة، مما يؤدي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي وانخفاض أرباح الشركات وتسابقها لتعميق الحفرة من خلال خفض الإنتاج والأسعار والأجور.
ورغم أن أسعار الفائدة في جميع الاقتصادات المتقدمة قريبة من الصفر، إلا أن معظم المصارف المركزية مثل البنك المركزي الأوروبي والبريطاني أبدت استعدادها لخفض الفائدة، بل إن سويسرا والسويد فرضتا سعر فائدة سلبي، وهي ظاهرة غير مسبوقة، قد تربك عمل المصارف الضعيفة.
الإفلات من فخ انكماش الأسعار في بلد واحد يصعب أحيانا على جميع السياسات المالية المركزية.
أما في حالة سقوط معظم الكتل الاقتصادية الكبرى في تلك الهاوية، فإن السياسات ستتضارب وتتقاطع بسبب محاولة الجميع للإفلات من الحريق.
وستنشب حروب عملات واسعة من خلال لجوء المصارف المركزية إلى طباعة المزيد من النقود لخفض عملاتها في محاولة للإفلات من الهاوية.
إذا وقع هذا السيناريو الكارثي، فإنه سيفرض، بعد أن تعجز الدول عن الفكاك منه، إلى فرض سياسات مالية عالمية موحدة.
ويمكن أن نذهب إلى القول بأنها قد تصل إلى سلطة مالية مركزية موحدة، وربما الدعوة الى عملة عالمية موحدة ستتدافع الدول للانضمام إليها كطوق نجاة وحيد، وهو احتمال قد يبدو بعيدا جـدا بالنسبة للكثيرين.