الدوحة تتودد للجميع باستثناء دمشق

سانت بطرسبرغ (روسيا) – تحرص قطر في كل ملتقى ومنبر على الظهور في شكل الدولة المتصالحة مع ذاتها، المنفتحة على الجميع، والمعتدلة في مواقفها من مختلف الأطراف، لكن الأمر يختلف حينما يتعلق الأمر بالملف السوري.
وأظهر وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، خلال مشاركته الجمعة في جلسة حوار بعنوان “غرب آسيا وشمال أفريقيا خطوات نحو الاستقرار”، على هامش أعمال منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي، توددا لإيران، وأبدى حرص بلاده على أن تبقى لغة الحوار السبيل الوحيد لمعالجة الأزمات في المنطقة.
وقال الوزير القطري إن “إيران جارتنا القريبة والعلاقات الطيبة معها أمر مهم ويهمنا، ونحن جاهزون أن نلعب دور الوسيط النزيه في مختلف قضايا المنطقة”. وأضاف “يمكن حل الخلافات بين إيران ودول الجوار بالحوار المباشر.. نصيحتنا لإيران ودول الخليج هي دعونا نجلس سويا في حوار إقليمي”.
وعن المصالحة الخليجية صرح المسؤول القطري أن “ما نراه هو صفحة جديدة في منطقة الخليج وهذا أمر نرحب به”.
وعلى خلاف لهجته المتوددة لدول المنطقة وخاصة إيران بدا وزير الخارجية القطري، حادا في عرض موقف بلاده من نظام الرئيس بشار الأسد. وقال آل ثاني إن بلاده “لا تسعى إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا طالما لم يحدث تغيير على الأرض”.
وترى أوساط سياسية أن موقف قطر من الأزمة السورية، يبدو مثيرا للاهتمام إذا ما أخذ في الاعتبار تبنيها في الأشهر الأخيرة لسياسة تصالحية، ترجم في المصالحة التي جرت بينها وبين السعودية ومصر والإمارات، بالتوازي مع حرصها على تعزيز التقارب مع إيران التي وصفها وزير الخارجية القطري بـ“الجارة القريبة”.
قطر تبدو في حالة تبعية لتركيا منذ تفجر الأزمة الخليجية، وهي تزن سياساتها الخارجية وفق جملة من الاعتبارات منها موقف أنقرة
وتشير الأوساط إلى أن الموقف القطري من الصراع السوري قد يبدو للوهلة الأولى غير مفهوم، خصوصا وأن الدوحة تبدي في المقابل حرصا كبيرا على كسب ود طهران التي تعد شريكة في سفك دماء السوريين، وهي أحد أبرز المتورطين في إطالة أمد الصراع الدائر في البلد العربي، والذي لا أفق حتى الآن لحله.
وتلفت هذه الأوساط إلى أن المتابع لسياسة قطر يدرك أن الموقف من نظام الأسد لا ينبع من موقف مبدئي وأخلاقي مثلما تحاول أن تسوق الدوحة لذلك، بل يعود لاعتبارات مختلفة تماما، وأهمها أن هناك فيتو تركي يمنع أي تقارب مع دمشق.
وتبدو قطر في حالة تبعية لتركيا منذ تفجر الأزمة الخليجية، وهي تزن سياساتها الخارجية وفق جملة من الاعتبارات منها موقف أنقرة، من ذلك أن خطوات المصالحة التي جرت مع السعودية أو مصر تم التنسيق بشأنها مع الجانب التركي الذي يراهن على هذه المصالحة لكسر عزلته في المنطقة.
في المقابل فإن تركيا لا تزال تناصب العداء لنظام الرئيس بشار الأسد، وتراهن على المتغيرات لضمان مشاركة الإسلاميين مستقبلا في سدة الحكم في سوريا، ومن هنا ليس من المتوقع انتظار أي تغيير في السياسة القطرية تجاه دمشق.
ويقول مراقبون إن الأمر لا ينحصر فقط في التماهي القطري مع الموقف التركي، بل أيضا فإن الدوحة تقرأ جيدا المزاج الدولي الذي لا يزال يتحفظ حتى الآن على أي مشروع لإعادة تعويم الأسد، رغم بعض الاختراقات الحاصلة.
ويلفت المراقبون إلى أن الدوحة تدرك جيدا أن إدارة جو بايدن لن تتبنى أي خطوة قد تفهم لصالح الأسد، بل المرجح أن تتكثف ضغوط هذه الإدارة على دمشق وحليفيها الروسي والإيراني، وقد تكون شارة الانطلاق المعركة المنتظرة حول ملف المعابر الحدودية في سوريا.
ولعبت قطر دورا محوريا في الانحرافة التي جرت في الثورة السورية، من خلال دعمها للفصائل والتنظيمات الجهادية، ولا يزال هذا الدعم قائما في شمال غرب البلاد. ويرى نشطاء سوريون أن ما قامت به قطر في سوريا ينسف ما تحاول الترويج له بأن موقفها من الأسد نابع من واعز أخلاقي.
ويذكّر هؤلاء بتصريح لوزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني حينما قال إن “سوريا صيدة تهاوشنا عليها (اختلفنا عليها) وفلتت”.