الدعم الأسري ضرورة نفسية واجتماعية للشباب المغاربة العاطلين عن العمل

الأسر المغربية تكافح لتحصين أبنائها من الانزلاق نحو سلوكيات ضالة.
الاثنين 2022/08/22
الشباب يصطدمون بتحدي عدم تمتعهم باستقلالهم الذاتي

تعاني الكثير من الأسر المغربية ضغطا ماديا ونفسيا كبيرا باعتبارها تتحمل متطلبات أبنائها العاطلين على العمل، حيث يوجد في المغرب 5.9 مليون شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة تحتاج وضعياتهم إلى الكثير من العناية باعتبارهم ركيزة أساسية في بناء مستقبل أفضل للجميع. وتحاول السياسات الحكومية معاضدة جهود الأسر في التعامل مع هذه الفئة.

الرباط - أفادت أرقام المديرية السامية للتخطيط بأن قرابة 3 من كل 10 عاطلين عن العمل بالمغرب هم من فئة الشباب، ويقطن قرابة ثلاثة أرباع من هؤلاء العاطلين بالوسط الحضري ويتوفر 90.1 في المئة منهم على شهادة.

وتؤدي نسبة الشباب الذين لم يستكملوا دورة تدريبية أو من ذوي المهارات الضعيفة، إلى عمالة ناقصة توفر لهم أجرا ضئيلا وفرصا قليلة لاكتساب المهارات المهنية التي يتطلبها سوق الشغل، وهو ما ينتج حلقة مفرغة على مستوى الاقتصاد الكلي.

وأكد مصطفى برهو خبير في سياسات الشباب أن الشباب المغربي ليسوا مجرد كتلة ديموغرافية أو فئة عمرية أو مرحلة انتقالية بل أهميتهم تكمن في كونهم قوة إنسانية ومجتمعية في طور التكوين والتشكل والتبلور، فهم تواقون للتحرر والاستقلال والتميز ومشغولون بالحضور والاعتراف وشديدو الحساسية لعلاقاتهم مع محيطهم، ويحتاجون إلى الاحتضان والدعم والحماية.

ومن هنا يأتي الدور الحاسم للأسرة في ضمان الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي للشباب وتيسير اندماجهم وتماسكهم.

الشباب المغاربة يحتاجون للاحتضان والدعم والحماية، ومن هنا يأتي الدور الحاسم للأسرة في ضمان استقرارهم النفسي

وقال الخبير الاجتماعي في تصريح لـ”العرب”، إن واقع الشباب اليوم يصطدم بتحدي عدم تمتعهم باستقلالهم الذاتي والاقتصادي بحكم تمديد فترة الانتقال من التعليم إلى العمل، واستمرار الأسرة لوحدها في تحمل أعباء مدة هذه الفترة من الانتظار والترقب، موضحا أن هذه العوامل أضحت تشكل تهديدات مؤثرة على الاندماج الاجتماعي للشباب، إذا سلمنا بأن مرحلة الشباب ترتبط بمشاكل الإدماج ومحاولات الانسلاخ من دائرة الأسرة، التي تسعى من جانبها لحماية أبنائها وتحصينهم من الانزلاق نحو سلوكيات غير مرغوب فيها اجتماعيا.

ومكن تحليل مسارات الشباب المغربي في دراسة مشتركة بين المرصد الوطني للتنمية البشرية واليونيسيف من إبراز محددين رئيسيين لوضعية هؤلاء الشباب أولهما الدعم الأسري، وخاصة إمكانية حصول هؤلاء الشباب على الدعم الاقتصادي، والمحدد الثاني هو امتلاكهم للمهارات المهنية المعترف بها من قبل المشغلين سواء شهادة جامعية أو تأهيلية.

وكشف تقرير لمجلس المستشارين نهاية يوليو الماضي، اطلعت “العرب” على نسخة منه، أن التغيرات الهيكلية في البنية الديموغرافية للشباب والسكان بالمغرب أدت بشكل طبيعي إلى تطور ملحوظ في نسبة السكان النشطين، لافتا إلى أن “عالم الشغل لم يستطع استيعاب أو توفير مناصب كافية لهذه الفئة؛ إذ ظلت قدرات إدماجه لهذه الطاقات الشبابية محدودة جدا”.

واقترحت دراسة وضعية الشباب نيت (شباب لا يتابعون دراستهم ولا يستفيدون من تكوين وليسوا في سوق الشغل) في المغرب، مجموعة من التوصيات من شأنها تحسين وضعية هذه الفئة من ذلك ضمان الدعم الآمن لجميع الشباب في مسارهم، وضمان إدماجهم السياسي والاقتصادي؛ وتحسين ولوجهم إلى التكوين المهني في المناطق القروية، والتكفل بالاضطرابات النفسية وصعوبات التعلم لدى الشباب الأكثر احتياجا منهم.

ورصد تقرير تقييم السياسات العمومية للشباب أن “معدل البطالة في صفوف الشباب بالمغرب يظل مرتفعا بـ20 في المئة في المتوسط، بل إن أغلب الشباب المشتغلين يعملون بالقطاع غير المنظم وفي مناصب شغل تتسم بالهشاشة وذات أجور زهيدة، كما أنهم لا يستفيدون من الامتيازات الاجتماعية”.

ويعتبر الشباب من الحاملين لشهادات أنفسهم عالة على أسرهم، ولهذا نبه ذات التقرير الصادر عن مجلس المستشارين، إلى معاناة الشباب المغربي، وأنهم دون علاقات شخصية أو عائلية، لا يكفي دائما التوفر على شهادة أو امتلاك الكفاءة للحصول على منصب شغل لائق، لذلك فإن الشباب يشعرون بأنهم لا يتحكمون إلا بشكل نسبي في مستقبلهم الاقتصادي.

وقال مصطفى برهو رغم أن البطالة هي أبرز مشكلة يعاني منها الشباب وتشكل هاجسا لهم ولأسرهم وللمحيطين بهم، فإن الشباب المغربي تتزايد انتظاراتهم وحاجاتهم وهناك حقوق أخرى أساسية متنوعة ومتعددة (ثقافية واجتماعية وسياسية وصحية وقيمية وإعلامية وفنية) يسعون للحصول عليها، ويحتاجون إلى سياسات وتشريعات ومؤسسات وموارد لتحقيق حرياتهم وضمان مسؤولياتهم، وتوسيع خياراتهم وتقوية قدراتهم وتوسيع فرصهم على المشاركة والاندماج الاجتماعي والثقافي والأخلاقي والاقتصادي والسياسي.

وكإجراء لمساعدة الشباب المغربي على تخفيف الأعباء على الأسرة وتوظيف إمكانياتهم أطلقت الحكومة برنامج “فرصة” الذي يستهدف جميع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما من حاملي الأفكار والمشاريع، بميزانية إجمالية تصل إلى 1.25 مليار درهم (125 مليون دولار) لعام 2022، وتصل أقصى فترة دفع للقرض إلى عشر سنوات مع فترة تأجيل مدتها لسنتين.

وعلى المستوى الرسمي وصف يونس سكوري وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، المستوى الذي وصلت إليه البطالة في بعض مناطق المغرب بـ”الصعبة جدا”، مشيرا إلى أن البطالة “تمس جميع الأسر المغربية دون استثناء ما يزيد الضغط عليها، وأن الحكومة الحالية تنكب على حل هذا الإشكال عبر تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية لهذه الفئة”.

◙ واقع الشباب اليوم يصطدم بتحدي عدم تمتعهم باستقلالهم الذاتي
◙ واقع الشباب اليوم يصطدم بتحدي عدم تمتعهم باستقلالهم الذاتي

وأشار تقرير للبنك الدولي إلى الإمكانات غير المستغلة لمواطني المغرب، حيث أن المملكة تدرك حجم التحدي الهام المتمثل في بناء رأس مالها البشري وأهميته لتحويل المغرب إلى اقتصاد ذي بعد عالمي.

وتم إطلاق عدد ضخم من برامج التدريب والتشغيل، لكن تجزئتها وعدم المواءمة بين الطلب في سوق الشغل والمهارات المتاحة عرقلا الاستفادة الكاملة من الإمكانات الهائلة للمواطنين الشباب.

وتمتد آثار بطالة الشباب إلى جميع أفراد الأسرة، حيث أن تفشّي البطالة داخل الأسرة التي تُعدّ المؤسسة الاجتماعيّة المسؤولة عن تنشئة جيل قائم على المبادئ والقيم، سيكون لها أثر سلبي بسبب عدم القدرة على تأمين أسياسيات الحياة، ووقوع الأسرة تحت ضغط الديون، مما يؤدي إلى زيادة التوتر النفسيّ لعدم القدرة على سدادها.

ولفت مصطفى برهو إلى أن نظام الرعاية والحماية الاجتماعية الذي تقوم به الأسرة المغربية في ظل التحولات القائمة يعتبر صمام أمان ودعامة قوية للشباب في مسار حياته نحو النضج الاجتماعي رغم تكلفتها المادية والمعنوية ووقعها على حياة واستقرار الأسر.

وتفاديا لتفاقم هذه الوضعية وكمحاولة لخلق نوع من الاستقرار الأسري والنفسي لدى الشباب المغربي، تعتزم الحكومة المغربية تقديم الدعم المادي المباشر للفئات المعوزة، وذلك في إطار تعزيز أسس الدولة الاجتماعية، ومنها الدعم المالي مباشر للأسر من أجل اقتناء السكن، ابتداء من السنة المقبلة بدل النفقات الضريبية التي كانت تخصص لهذا الغرض.

17