"الدشاش".. أكشن سينمائي ينتصر للقيم الروحية في مواجهة الطمع والخيانة

محمد سعد يعود إلى السينما متحررا من صورة "اللمبي".
الأربعاء 2025/01/22
فيلم درامي أخرج محمد سعد من تكرار الكوميديا

لا يزال فيلم "الدشاش" الذي تعرضه صالات السينما حديث النقاد والجمهور، حيث يلعب بطولته الممثل المصري الشهير محمد سعد العائد إلى الفن السابع بعد غياب لسنوات، بحثا عن كسر الصورة النمطية التي التصقت به جراء شخصية "اللمبي" الكوميدية التي سجنت موهبته وأوقعته في فخ التكرار.

يحكي فيلم “الدشاش” للمخرج المصري سامح عبدالعزيز والذي يعود من خلاله الممثل محمد سعد إلى السينما بعد غياب، قصة إنسانية عن شخص خارج على القانون يسعى للتغيير وبدء حياة جديدة بعد سلسلة من الصراعات النفسية والعائلية والاجتماعية التي تجبره على مواجهة ماضيه، ينطلق في عيش الأحداث في إطار درامي مليء بالمواقف التي تمزج بين الميلودراما الاجتماعية ذات القيم الإنسانية. العمل من سيناريو جوزيف، وبطولة محمد سعد وزينة وباسم سمرة ونسرين أمين وخالد الصاوي ونسرين طافش.

تبرز قصة الفيلم فكرة مألوفة ومتكررة في الدراما الإنسانية، وهي أن المال الوفير غالبا ما يصبح مصدرا للصراع والفساد، وتأثير الثروة المفرطة على العلاقات الإنسانية، حيث تتفاقم مشاعر الحسد بين الأقارب والأصدقاء وتتحول إلى طمع يؤدي إلى خيانة عائلية واجتماعية مدمرة، وهذا الطرح يظهر أن المال لا يضمن السعادة أو الاستقرار كما في افتتاحية الفيلم التي تبين اعتكاف الدشاش (محمد سعد) في المسجد مستغنيا عن ماله وعائلته وأصدقائه الخونة. هذه الخيانة تصبح سببا رئيسيا لتفكك القيم والروابط الإنسانية، ومعرفة هشاشة العلاقات التي تعتمد على المصالح المادية فقط.

ويعيد السيناريو فيلم “الدشاش” إلى الواجهة فكرة التوبة بوصفها نتيجة للتأمل في الحياة بعد المرض أو مواجهة الموت، فالدشاش كان ينغمس في الإجرام والطمع حتى وجد نفسه في النهاية مضطرا إلى مواجهة عواقب أفعاله، حيث يصبح المرض نقطة تحول في حياته، بينما يدفعه إلى الندم والاعتراف بالخطأ رغم أن فكرة المرض المزيف تكون اختبارا قويا في دفع حركة الفيلم إلى الأمام، فمشهد سقوطه أرضا بسبب فقدانه للوعي المتكرر كان المشهد الذي كسر النمطية في السرد وأحدث بعض التشويق في الأحداث، وهذه الفكرة  تركز على الجانب الإنساني لتغيير  النفوس، حيث يقود الضعف الجسدي والنفسي إلى مراجعة الماضي والبحث عن الخلاص الروحي، ويعيد مفهوم التوبة التي تكون غالبا طريقا لإعادة بناء الذات، حتى بعد حياة مليئة بالأخطاء.

تخلق الأماكن التي جرت فيها أحداث فيلم “الدشاش” صراعا رمزيا بين عالمين متناقضين: الكباريه (الملهى الليلي) الذي يرمز إلى الفساد والانغماس في الملذات مثل استهلاك الخمور وإقامة علاقات متعددة مع النساء، مقابل المسجد البسيط الذي يمثل الهدوء والتوازن الروحي، وهذه التناقضات غالبا تخلق صراعا نفسيا في القصة بين القيم المادية والقيم الروحية، فيصبح الملهى رمزا للحياة الفاسدة التي تقود إلى الهاوية، في حين يرمز المسجد إلى الطهارة والسكينة، كما أن الرجل المسن شيخ المسجد الذي يرضى بالقليل ويركز على أداء الصلاة في وقتها، يقف كصورة مضادة للشخصيات التي تغرق في الطمع والفساد، وهذا أهم ما منح أحداث الفيلم بعدا واقعيا حول الخيارات الأخلاقية وتأثيرها على حياة الإنسان.

♦ المخرج اعتمد على اللقطات التي تركز على ملامح الدشاش ليتيح للمشاهد الشعور بالقرب من الشخصيات

ويعتمد السرد السينمائي على أسلوب الميلودراما، خاصة في مشاهد وضع مادة في الشراب تسبب فقدان الوعي للدشاش، إذ تمت المبالغة في تصوير هذه المشاعر والصراعات لإثارة تعاطف الجمهور وإشراكه عاطفيا في الأحداث كونه معقولا في زمننا هذا، ويظهر ذلك من خلال تصعيد درامي مكثف للصراعات التي تنشب بين الدشاش وعائلته وأصدقائه، والتركيز  على التحولات المفاجئة في حياة البطل وعلاقته بين عائلته القروية وعائلته العصرية، وبين المرض والندم والتوبة من جهة، والطمع والخيانة من جهة أخرى، وهذا يعزز تأثير الرسائل الأخلاقية الشعبية البسيطة التي يحملها الفيلم، ويجعل الأحداث أقرب إلى الجمهور ويتيح للمشاهدين  التواصل مع مشاعرهم وتجاربهم الشخصية، رغم بساطة الفكرة وتكرارها في السياقات الدرامية.

وتميز سيناريو الفيلم بإيقاع زمني مركز ومكثف، حيث تم تقديم الأحداث بشكل سريع ومتلاحق دون ترك مساحة للشعور بالملل، إذ اختصر العمل المقدمات الطويلة وركز على إيصال الصراع الأساسي مباشرة باستعمال تقنية “الفلاش باك” للسرد القريب الذي يجعل المشاهد ينخرط سريعا في تفاصيل القصة، ولم يترك للجمهور وقتا طويلا لانتظار تصاعد الحبكة الدرامية، فتم تقديم خط الانتقام من الخيانة منذ البداية وبشكل واضح، وهذا التوجه الإيقاعي يبرز ذكاء ترتيب اللقطات والمشاهد في السرد، إذ يوازن بين تسارع الأحداث وحبك التفاصيل، وهذا الأمر يحافظ على اهتمام المشاهد طوال مدة الفيلم ويجعله متشوقا لمعرفة ما سيحدث لاحقا.

ويعتبر أداء محمد سعد من أبرز نقاط القوة في الفيلم، فقد جسد شخصية جديدة ومغايرة تماما لما اعتاد الجمهور مشاهدته منه، بعيدا عن النمطية المرتبطة بشخصية “اللمبي”، وهذا التغيير كان بمثابة ولادة فنية جديدة له، كما أظهر قدرات تمثيلية مختلفة أثبتت أنه قادر على تقديم أدوار جدية وعميقة، بينما الشخصيات الأخرى كانت منسجمة ومتعاونة مثل الممثلين زينة وباسم سمرة، إذ قدما أداء متوازنا أضاف خفة على المشاهد القاسية، كما أن نسرين أمين وخالد الصاوي ونسرين طافش ومريم الجندي نجحوا في تقديم شخصيات ثانوية شريرة مكملة لمسار الأحداث، وساهمت أدوارهم في خلق الحدث الأكبر الذي غيّر إيقاع الفيلم.

واعتمد المخرج سامح عبدالعزيز في أسلوبه الإخراجي على اللقطات المتوسطة والقريبة جدا خاصة تلك التي تركز على ملامح شخصية الدشاش وبين ملامح وجوه من خانوه، وهذا عادة أمر مقبول لأنه يتيح للمشاهد الشعور بالقرب من الشخصيات وفهم مشاكلها النفسية، كما استخدم زوايا التصوير العلوية والسفلية سواء في مشاهد الكابريه أو في مشاهد فيلا الدشاش أو في إبراز جمالية المسجد البسيط، وهذه التقنيات استخدمها المخرج ليرسّخ التناقضات الاجتماعية والنفسية التي تشهدها حياة البطل، وهذا التناغم بين اختيار الزوايا واللقطات لا يجعل الصورة النهائية مزدحمة كثيرا، ويخلق تكوينا بصريا مريحا للمشاهد.

وبدأ الممثل المصري محمد سعد مشواره الفني بدور صغير في مسلسل “ومازال النيل يجري”، وفيلم “الطريق إلى إيلات” (1993)، ثم شارك في مسلسل “من الذي لا يحب فاطمة” (1996)، ومسلسل “الشارع الجديد” (1997)، وفيلم “امرأة وخمسة رجال” (1997)، ومسلسل “مرفوع مؤقتًا من الخدمة” (1997). بعدها، قام بأول بطولة له في فوازير “تياترو” (1998)، لكنها لم تحقق نجاحًا. كما شارك في مسرحية “رد قرضي” (1999) ليظهر موهبته الكوميدية وحيويته وتلون صوته وحركاته الجسدية الهزلية.

♦ أداء محمد سعد من أبرز نقاط القوة في الفيلم فقد جسد شخصية جديدة بعيدا عن النمطية المرتبطة بشخصية "اللمبي"

انطلقت مسيرته الحقيقية مع شخصية “اللمبي” عام (2000) في فيلم “الناظر” مع المخرج شريف عرفة، حيث حقق نجاحًا ساحقًا، وحصد الفيلم أعلى إيرادات. بعد ذلك، قام ببطولة فيلم "55 إسعاف" (2001) مع أحمد حلمي، لكن الفيلم حقق نجاحًا متوسطًا. ثم قام بالبطولة المنفردة في فيلم “اللمبي” مع مؤلف فيلم "الناظر" أحمد عبدالله، ليحقق نجاحًا كبيرًا ويتربع على عرش الإيرادات عام (2002).

ثم قدم شخصية “اللمبي” للمرة الثالثة في فيلم “اللي بالي بالك” (2003)، وحقق أيضًا أعلى إيرادات في العام. ثم قدم فيلم “عوكل” (2004)، محققًا أعلى إيرادات سينمائية خلال العام. تبعه فيلم “بوحة” (2005)، الذي حقق أعلى إيرادات للمرة الرابعة على التوالي، ليتربع سعد على صدارة إيرادات السينما المصرية أربعة أعوام متتالية.

في عام 2006 بدأت المنافسة مع تأخر نزول فيلمه الجديد “كتكوت”، جاعلا الفيلم في المركز الثاني بعد فيلم “عمارة يعقوبيان”. ثم قدم فيلم “كركر” (2007) التي تعرض لهجوم نقدي حاد لعدم تحقيقه النجاح الجماهيري المعتاد. بعد ذلك، قدم فيلم “بوشكاش” (2008). في عام 2010، عاد لشخصية “اللمبي” بفيلم “اللمبي 8 جيجا”، تلاه فيلم “تك تك بوم” (2011)، الذي تسببت الثورة المصرية في تقليل إيراداته وأسهمت في فشله جماهيريا.

بعد ذلك، قدم مسلسل “شمس الأنصاري” في عام 2012 تأليف وإخراج جمال عبدالحميد، حيث أدى دورًا دراميًا قويًا، وشاركه البطولة فاروق الفيشاوي وعدد من النجوم. عاد بعدها إلى السينما بفيلم “تتح” (2013)، ثم قدم مسلسل “فيفا أطاطا” بشخصية “اللمبي وأطاطا” (2014).

في عام 2015، قدم فيلم “حياتي مبهدلة” بشخصية “تتح” مرة ثانية، حيث حقق إيرادات تجاوزت 8 مليون جنيه ولكنه لم يحقق نجاحًا جماهيريًا. في عام (2016)، قدم برنامج "وش السعد" بشخصية "بوحة"، ولم يحقق نجاحًا جماهيريًا، كما قدم فيلم "تحت الترابيزة" الذي لم يحقق هو أيضا نجاحًا جماهيريًا.

في عام 2017، قدم فيلم “الكنز” مع المخرج شريف عرفة، وفاجأ الجمهور والنقاد بدور درامي قوي غير متوقع، وفاز بجوائز عديدة في الجزأين الأول والثاني من الفيلم. وفي 2019، قدم فيلم “محمد حسين." والآن يتصدر فيلمه الجديد "الدشاش" شباك تذاكر دور العرض السينمائية، محققا إيرادات ضخمة.

14