الدراما المصرية تواجه تحديات مع صعود المسلسلات السعودية

كلما زاد الانفتاح الفني الخليجي وخاصة السعودي كلما ازدادت مخاوف العاملين في القطاع الفني المصري وخاصة الدراما حيث يهجر العاملون والفنانون السوق المحلية نحو السوق السعودية لما توفره من ميزات وعائدات مالية مهمة.
القاهرة - تمضي خطط الارتقاء بالفنون في السعودية وغيرها من دول الخليج في طريقها، وحققت في غضون سنوات قليلة نجاحات مهمة تمكنها لتصبح حاضرة ضمن المنافسات على جذب المشاهد العربي، ما يضع الدراما المصرية التي ظلت لعقود مهيمنة جماهيريًا في المنطقة العربية، على الرغم من منافسة الدراما السورية قبل اندلاع الحرب في سوريا، بينما كانت المسلسلات الخليجية تنتظر طفرة.
وتنبع قوة الأعمال الخليجية من الإنفاق المادي السخي الذي جعلها قادرة على الاستفادة من خبرات عربية ودولية لتقديم أعمال فنية جيدة، وتوظيف حالة الزخم الذي صاحب المهرجانات، ومكنها من الانفتاح على ألوان فنية مختلفة وأن تسير بجدية في طريق تطوير الكفاءات المحلية لديها وتجهيزها لمنافسة لا تنفصل عن خطط الارتقاء بالقوة الناعمة وتأثيرها الثقافي.
ويمكن القياس على المسلسل السعودي “دكة العبيد” الذي يتم التحضير لعرض جزئه الثاني حاليًا، وتنتجه شركة “إم بي سي مصر أستوديو” للتأكيد على حجم التطور الخليجي بعد أن استعان المسلسل بأكثر من مئتي ممثل وممثلة من ثماني جنسيات، وجرى تصوير العمل في حوالي 104 مواقع، معظمها في مصر ولبنان وتونس، ما يؤكد ضخامة كلفة الإنتاج التي تساعد على تقديم أعمال مماثلة في المستقبل.
مشاركة جماعية
حقق الجزء الأول من المسلسل الذي عرض على منصة “شاهد” السعودية في فبراير الماضي نجاحا جماهيريا، واستطاع منتجوه تحقيق أهداف تشير إلى وجود إستراتيجية واضحة، حيث عملت الجهات المسؤولة على الارتقاء بالترفيه والثقافة والفنون.
وجذبت هذه السياسة فنانين من جنسيات عديدة للمشاركة في عمل عربي، واتسم المسلسل بمرونة عالية جعلته يقدم قضية شائكة تتعلق بالعبودية والمعاناة إلى جانب القدرة على الانتقال إلى دول مختلفة والاستفادة من إمكانياتها الفنية.
وشاركت في المسلسل عناصر مصرية فنية وتم تنفيذه وفقا لمعايير عالمية من حيث الصورة والملابس وكتابة السيناريو وطول الحلقات وأخرجه التونسي الأسعد الوسلاتي، في إشارة إلى أن العناصر الفنية العربية تسهم في الطفرة الفنية الخليجية، ما يطرح تساؤلا حول مدى تأثر الفن المصري بانجذاب صناعه نحو الخليج.
وتعتمد الأعمال الدرامية المصرية على نقاط قوة عديدة كونها الأكثر خبرة وتأثيرا وانتشارا على المستوى العربي، وترسخ حضورها منذ عقود طويلة، وتتمتع بفائض في الخبرات والكفاءات والمواهب القادرة على تقديم أعمال جذابة وإن واجهت مشكلات في البيئة المحيطة بعملها حاليا، لكن الواقع يشير إلى أنها بدأت تستفيد من انتشار المنصات الرقمية وتعمل على تطوير محتواها.
تتمثل أزمة الدراما المصرية في مدى قدرتها على القفز بخطوات سريعة ومنظمة تواكب بها ما يحدث من تطور في أعمال خليجية مازالت تعاني من الاستغراق في المحلية والتركيز بشكل أكبر على الأعمال الاجتماعية والكوميدية، وعليها الحركة في مساحات إبداعية دون أن ينصبّ المحتوى العربي على التفاصيل الاجتماعية الدقيقة، إذ تميزت الدراما السورية بالأعمال التاريخية التي منحتها قوة وبريقا كبيرين سابقا.
تكامل الخبرات
قالت الناقدة الفنية فايزة الهنداوي لـ”العرب” إن الدراما المصرية لديها حضور قوي بفعل التاريخ، والآن أمام تحديات المنافسة، فقد كانت تتسابق مع ذاتها خلال سنوات ماضية، ومع وجود خطط للارتقاء بالفنون في دول الخليج، تحديدا في السعودية، أصبح الوضع في حاجة إلى قرار يحقق أقصى استفادة من الخبرات المحلية في مصر.
وأكدت أن منتجي الدراما في الخليج أكثر استفادة من الكفاءات والخبرات الفنية المصرية، وهناك الكثير من الفنانين والمخرجين والكتاب يشاركون في ورش عمل لتدريب الكوادر المهنية الخليجية، ما يؤدي إلى هجرة الخبرات المصرية وهم يجدون أنفسهم أمام أجواء تساعد على الإبداع بجانب العائد المادي الأكبر.
وأشارت الهنداوي إلى أن الفن المصري يعاني من اتجاه الفنانين والخبرات للعمل بالخارج لأن الأجيال الصاعدة تستفيد من خبرات السابقين، ما يقود إلى إفراز العشرات من المواهب الجديدة بشكل سريع، إلا أن الأزمة تكمن في تأثير ذلك على مستقبل سوف يكون أكثر صعوبة، مع ارتفاع حدة المنافسة مع مجتمعات بدأت تتيح حرية حركة أكبر للفنون.
ولدى العديد من النقاد في القاهرة قناعة بأن التعويل على أن اللهجة المصرية باعتبارها الأكثر شيوعًا في الدول العربية ترجح كفة ميزان، لكن ذلك لن يحقق أهدافه كاملة، فالأجيال الصاعدة تجد نفسها أمام محتويات متنوعة، وانجذابها أكبر مع المسلسلات التي تناقش أوضاعا تتداخل مع اهتماماتها بشكل مباشر، خاصة أن عملية تشكيل الوعي تشهد منافسة بين أعمال عربية قد يتراجع فيها حضور الفن المصري.
وشددت فايزة الهنداوي في تصريحها لـ”العرب” على أن الدراما المصرية في حاجة إلى تحديد بوصلتها والتعرف إذا كانت هناك رغبة حقيقية من جانب المؤسسات الرسمية والقائمين عليها في تطويرها بما يتماشى مع التطورات الراهنة، أم أنها ترتكن إلى الماضي الذي قد يندثر في ظل التراجع مع دخول أطراف جديدة للمنافسة.
البوصلة الفنية
تتجاوز مشكلة الفن المصري مسألة الإنفاق على إنتاج الدراما وأن الميزانيات الكبيرة تنعكس إيجابًا على تطوير الشكل والديكور والتصوير، وتكمن في المحتوى المقدم وتكرار القضايا التي يتم تناولها، وتبدو أحيانا عقيمة بالنسبة إلى الجمهور الخليجي، علاوة على عدم القدرة على توزيع الميزانيات المرصودة على ألوان الفنون بما يؤدي إلى إحداث طفرة واضحة ومؤثرة.
ولعل ما يشير إلى أن الدراما الخليجية عازمة على المنافسة مع نظيرتها المصرية أن موسم رمضان الماضي كان شاهدا على تقديم 28 مسلسلا خليجيًا، وهو عدد يتقارب مع الأعمال المصرية، وبقيت الغلبة في هذا الموسم للدراما المصرية التي سيطرت على جزء معتبر من اهتمامات الجمهور الخليجي، وكانت حاضرة في صدارة تريندات مواقع التواصل الاجتماعي في الكثير من الدول العربية.
وربما يرجح جانب مهم في ذلك إلى الإنتاج السعودي الذي استعان بكوادر فنية مصرية وتونسية ولبنانية وسورية، وإن طغت عليها اللهجة المصرية، وهو ما يجعل التداخل كبيرا، وقد لا يقتصر التصنيف مستقبلا على هوية الممثلين وجنسياتهم، فقد يكون المسلسل العربي هو العنوان العريض الذي يندرج تحته المسمى الأوسع.
وكانت مصر تنتج مسلسلات سابقة ويطلق عليها المسلسل العربي وليس المصري، في إشارة إلى اتساع نطاق انتشاره وأنه يخاطب العرب من المحيط إلى الخليج.
وذكرت الناقدة الفنية ماجدة خيرالله في حديثها لـ”العرب” أن الدراما المصرية لديها قدرة على التواجد في صدارة المشهد الدرامي العربي حتى الآن، ومن الإنصاف التأكيد أنها حققت تطورات السنوات الماضية، واستفادت من زخم المنصات الرقمية، مع ذلك فهي في حاجة إلى المزيد من الجهد لتقديم محتوى أكثر قدرة على مخاطبة عقول المجتمعات العربية، ومن الصعب القول إنها تواجه تهديداً من نظيرتها الخليجية الصاعدة، والتي قد تكون مكملة وليست منافسة لها.
وأوضحت أن الدراما الخليجية طالما استعانت بفنانين مصريين، والعديد من منتجي الدراما ولم تخصم من التاريخ الفني، لكن الواقع يشير إلى أن النجوم الذين شاركوا في أعمال عربية لم يحققوا نفس النجاح الذي حققوه في الدراما المصرية.
وتحقق الدراما المصرية معادلة صعبة تمزج بين الاستغراق في أزمات واقعية محلية وبين قدرتها على إقناع الجمهور العربي بالأزمات التي تبدو شبيهة بما يحدث في المجتمع المصري، ومازالت المسلسلات الخليجية أمام تحديات تتعلق بالخروج من مأزق عدم القدرة على إقناع قطاعات من المواطنين بأنها تعبّر عن واقعهم.
وما يجري العمل على تطويره عبر التوسع في الإنتاج العربي المشترك واختيار قضايا تشكل جذبا للجمهور المحلي وتؤثر في مدارك الشعوب العربية، هو الثيمة الرئيسية القابلة للتطور في المرحلة المقبلة.