الدراما المشتركة وجه من تعاون مستمر بين الفنّين السوري واللبناني

مسلسلات وإنتاجات فنية رسمت تاريخ الفن بين البلدين.
الجمعة 2023/03/31
الأعمال المشتركة أغلبها أعمال ناجحة

لا يمكن للفن أن يعترف بعوائق جغرافية فهو قادر على تجاوزها وتحقيق صيغ إنتاج مشترك ومتنوع، وما قدمه الفن في سوريا ولبنان عبر تاريخ مشترك طويل يثبت أن الفن يحقق هذا النوع من التواصل. والحالة الفنية القائمة على التشارك بين البلدين حديثا، ما هي إلا تأكيد على مشهد فني يتجاوز عمره عشرات السنين وليس حدثا طارئا أو عابرا.

دمشق - عبر سنوات طوال، ظهرت أعمال فنية سورية – لبنانية كثيرة في إطار الدراما التلفزيونية المشتركة التي حققت شهرة كبيرة في البلدين وكذلك في المشهد الفني العربي عموما. من هذه الأعمال: مسلسلات “لو” و”تشيللو” و”عروس بيروت” و”عشرين عشرين” و”350 غرام” و”دقيقة صمت” و”صالون زهرة” و”ستيليتو” وقبلها “الموت القادم من الشرق” و”سقف العالم”.

في الموسم الرمضاني الحالي، يعرض عدد من الأعمال المشتركة بين البلدين منها “الزند” و”أخيرا” و”النار بالنار” الذي تدور كل أحداثه في لبنان.

عقود من التعاون

1956

أطلق في سوريا معرض دمشق الدولي الذي كان حدثا تجاريا صناعيا هاما على مستوى المنطقة كلها

كثيرا ما تم تفسير ظاهرة الأعمال المشتركة على أنها حالة طبيعية بسبب وجود الحرب في سوريا واتجاه الكثير من الفنانين السوريين للعمل في الدراما العربية واللبنانية تحديدا. والحقيقة أن الأمر لا علاقة له بظروف الحرب في سوريا، وخلافا للرأي السائد فإن تاريخ العمل الفني بين البلدين يسجل بدايته مع السينمائي السوري نزيه الشهبندر الذي قدم عام 1948 فيلمه الروائي الطويل والوحيد “نور وظلام” بمشاركة فنانة لبنانية اسمها إيفيت فغالي وهو أول فيلم ناطق في تاريخ السينما السورية.

ولم تكن المشاركة الفنية السينمائية بين سوريا ولبنان منحصرة في إطار التمثيل أو الإخراج فقط، فقد أسس معمل سوري في لبنان مخصص للإنتاج السينمائي عام 1946 تحت اسم الشركة السورية - اللبنانية، وقدمت الشركة إنتاجات في مصر من خلال فيلم “ليلى العامرية” من إخراج نيازي مصطفى وبطولة يحيى شاهين، وأوجدت لنفسها قاعدة تقنية جيدة، فاستقدمت آلات حديثة لكنها لم تستثمر بشكل جيد، فاشترتها منها شركة لبنانية شهيرة عرفت باسم الأستديو العصري، وحققت وجودا سينمائيا مميزا.

سينمائي سوري آخر عمل بين سوريا ولبنان، هو يوسف فهدة الذي قدم عام 1955 فيلما حمل اسم “في ربوع لبنان” وهو المخرج الذي قدم عام 1958 فيلما لبنانيا حمل اسم “لمن تشرق الشمس” وهو آخر أفلام نجمة الغناء اللبنانية نور الهدى وصور تحت الماء وكان أول فيلم يشارك باسم لبنان في مهرجان موسكو السينمائي.

كما قدم المخرج اللبناني يوسف معلوف أول فيلم سوري ملوّن عام 1962 هو “عقد اللولو” من بطولة فهد بلان وصباح التي كانت نجمة الفن في لبنان.

وقدم أيضا من مسرح الرحابنة اللبناني في السينما أربعة أفلام هي “بياع الخواتم” إخراج يوسف شاهين و”سفر برلك” و”بنت الحارس” إخراج هنري بركات و”سيلينا” إخراج حاتم علي. وكلها من إنتاج سوري، وهو المنتج نادر بيك الأتاسي الذي كان صديق الرحابنة.

تألق لافت لفيروز ضمن مسرحية "صح النوم"
تألق لافت لفيروز ضمن مسرحية "صح النوم"

قدم الأتاسي فيلم “بياع الخواتم” عام 1965 ثم “سفر برلك” في العام التالي وثالث الأفلام “بنت الحارس” عام 1968، وكان قد اشترى حقوق تحويل مسرحية “هالة والملك” إلى فيلم سينمائي ووعد صديقه عاصي الرحباني بذلك، لكن ظروفا شتى منعت تنفيذ الفيلم لفترة طويلة. وعندما قام الأتاسي بإعادة تأهيل صالة سينما دمشق التي يمتلكها في قلب المدينة، رفض أن يفتتحها بفيلم ليس من إنتاجه، فقرر تقديم فيلم “هالة والملك” الذي حمل اسم “سيلينا” وكان من إخراج حاتم علي وبطولة دريد لحام ومريام فارس من لبنان.

لكن أبرز وجوه التعاون الفني السوري – اللبناني كانت في مجالي الغناء والموسيقى، والبداية الأوضح كانت من خلال النشيد الوطني السوري، الذي قدم لحنه الأخوان فليفل المعروفان بتلحين الأناشيد الوطنية، وسبق لهما أن قدما نشيد “موطني” و”في سبيل المجد” و”الأوطان” و”بلاد العرب أوطاني”. وهما من لبنان، وقدما نشيد “حماة الديار” في صبيحة السابع عشر من أبريل عام 1946 يوم استقلال سوريا. ثم تم تسجيله في الإذاعة السورية بمشاركة المغنية فيروز التي كانت في فرقة كورال الأخوين فليفل حينها.

كذلك قدم الموسيقي الشهير فيلمون وهبة قصيدة الشاعر السوري الشهير عمر أبوريشة “يا عروس المجد”، التي غنتها سلوى مدحت وقدمت فيها المقطع الشهير: كم لنا من ميسلون نفضت عن جناحيها غبار التعب. وهي الأغنية التي يعرفها كل السوريين، وصولا إلى الأغنية الشهيرة التي قدمها الفنان محمد سلمان أثناء حرب أكتوبر 73 “سوريا يا حبيبتي”. وأداها مع محمد جمال ونجاح سلام وكلاهما من لبنان.

وفي دراما التلفزيون وجدت نماذج مشاركة مبكرة بين سوريا ولبنان، فتم تنفيذ مسلسل “مقالب غوار” الجزء الثاني منه في أستوديو لبنان والمشرق عام 1968 وقام بإخراجه أنطون س. ريمي ومن بعده نقولا أبي سمح. ثم تتابعت الأعمال وتبادل الأدوار الإنتاجية والإبداعية، فظهرت أسماء مثل دارين الجندي وبيير داغر ورفيق علي أحمد وعمار شلق ونادين الراسي وسيرين عبدالنور ومايا يزبك وسالي بسمة وغيرهم في الدراما السورية وكذلك أسماء سورية في دراما لبنانية.

تجربة ناجحة

Thumbnail

كما قدم فنانون في الديكور والموسيقى والأزياء حضورا هاما في الدراما السورية منهم الموسيقي شربل روحانا والتشكيلي غازي قهوجي.

وبعد افتتاح التلفزيون السوري عام 1960 قدمت سهرة تلفزيونية حملت عنوان “عقد اللولو” كتبها نهاد قلعي وأخرجها خلدون المالح عام 1961 وكانت من تمثيل نهاد قلعي ودريد لحام، وبعد نجاحها قرر مبدعوها نقلها إلى السينما، ولدى عرض الموضوع على المنتج تحسين القوادري، رفض خطتهم الإنتاجية ووضع خطة جديدة.

كانت مغامرة إنتاجية لكنها حققت نتائجها المرجوة. في خطته أدخل القوادري مقوم الأسماء الفنية الرائجة من المحيط العربي في لبنان. فكانت المطربة الشهيرة صباح بطلة الفيلم والتي كانت نجمة من نجمات الفن العربي، كذلك المطرب الشعبي السوري فهد بلان الذي كان في قمة مجده العربي، وأسند الإخراج إلى اللبناني يوسف معلوف وقدم الفيلم ملونا، وهو بذلك أول فيلم سوري ملون.

فيروز وسوريا

كثيرا ما تم تفسير الأعمال المشتركة على أنها حالة طبيعية بسبب الحرب واتجاه فنانين سوريين للعمل  في الدراما اللبنانية
كثيرا ما تم تفسير الأعمال المشتركة على أنها حالة طبيعية بسبب الحرب واتجاه فنانين سوريين للعمل في الدراما اللبنانية

كان الفيلم مدعما بمخرج وبطلة من لبنان، وقدم الفيلم عام 1964 وعرض في دمشق وبيروت عاما كاملا، وهو الإنجاز الذي لم يتكرر مع أي فيلم لاحق في العاصمتين.

وأطلق في سوريا عام 1956 معرض دمشق الدولي الذي كان حدثا تجاريا صناعيا هاما على مستوى المنطقة كلها، يأتيه جمهور من كل سوريا وكذلك من الأردن ولبنان والعراق. وكان يقيم على التوازي مع الفعالية الاقتصادية برنامجا فنيا عربيا ضخما يمتد أياما، قدم فيه كبار الفنانين العرب أمثال أم كلثوم وصباح فخري وناظم الغزالي وفيروز ووديع الصافي وآخرون.

وكان حضور الرحابنة وفيروز في المعرض منذ الدورة الأولى، حيث قدمت في مشاركتها الأولى مجموعة من أغنياتها الرحبانية، وبعد ست سنوات من المشاركة انتقل الرحابنة لتقديم مسرحياتهم، فقدموا خلال سنوات تالية مسرحيات “جسر القمر” و”الليل والقنديل” و”بياع الخواتم” و”هالة والملك” و”صح النوم” و”ناطورة المفاتيح” و”لولو” و”ميس الريم” و”بترا”. ثم توقفت مشاركات الرحابنة.

وفي عام 2008 قدمت السيدة فيروز مسرحية “صح النوم” في أوبرا دمشق ضمن فعاليات دمشق عاصمة الثقافة العربية. ومن خلال مشاركاتها في معرض دمشق الدولي قدمت سلسلة من أغنياتها عن سوريا ودمشق والشام. كانت من أشعار سعيد عقل. منها: “سائليني يا شآم” و”نسمت من صوب سوريا الجنوب” و”مر بي” التي لحنها محمد عبدالوهاب ومن شعر الأخوين رحباني قدمت “يا شام عاد الصيف”، وبعد حرب أكتوبر عام 73 قدمت الأغنية الشهيرة “بالغار كللت أم بالنار يا شام”.

15