الدراما البوليسية واحتراف السرقة من القصص والروايات

غياب الروايات البوليسية تؤكده الأعمال الدرامية التي عانت من ضعف سيناريوهاتها.
السبت 2019/06/01
دراما تؤكّد غياب النص الأدبي

الدراما شأنها شأن السينما، لها علاقة وثيقة بالأدب. حيث تنطلق بالضرورة من نص هو السيناريو، الذي ينطلق بدوره من قصة. لذا نجد الكثير من الأعمال الدرامية المقتبسة من الروايات والقصص. وربما لو تتبعنا خيوط العلاقة بين الدراما والأدب سنجد بأن ضعف الدراما ناتج عن تقهقر الأدب، والعكس صحيح.

يبدو أنّ الاتجاه العام لصُنّاع الدراما في العالم العربي، يتغيّر وفقًا لميول وأولويات السُّوق الإنتاجية أولا، وثانيا لأسباب مُتعلِّقة بالجو العام. في السّباق الرمضاني الحالي الذي أوشك أن يصل إلى محطته الأخيرة، اختفت دراما السّيرة الذاتيّة التي كانت سائدة في السنوات الماضية، حيث قُدمت العديد من الأعمال التي تناولت شخصيات متنوعة على اختلاف مواقعها كأم كلثوم، وأسمهان، وحليم، والسندريلا، وإسماعيل ياسين، ونزار قباني، وناصر، وطلعت حرب، وسعد زغلول… وغيرهم.

في الموسم الحالي ثمة ميل إلى اختبار الدراما البوليسية، ومدى تقبل المشاهد لمثل هذه النوعية من الأعمال، وإن ظهرت بحياء شديد، حيث القصص القائمة على الألغاز، وإدخال المشاهد في لُعبة التخمينات لمعرفة القاتل!

أنا البرادعي

في الحقيقة، إن هذه النوعية من الأعمال ليست بجديدة على سوق الدراما، فمع بدايات الإنتاج الدرامي، تم إنتاج العديد من الأعمال التي تدور في إطار بوليسي تشويقي، حيث تبدأ الحلقات بجريمة، وتتوالى حلقات المسلسل في الكشف عنها تباعًا.

ومن أشهر المسلسلات الدراميّة، التي كتب لها النجاح وقت عرضها مسلسل “وتوالت الأحداث عاصفة” الشهير بـ“أنا البرادعي يا رشدي”، من تأليف إبراهيم مسعود، وهو قصة وسيناريو وحوار حسام الدين مصطفى، من إنتاج الإمارات العربية المتحدة عام 1982، وبطولة نخبة من الممثلين، على رأسهم القدير الرّاحل عبدالله غيث، وسهير البابلي وحسن مصطفى، وليلى علوي.

بالمثل نحت الدراما السورية في بداياتها ذات النهج، وإن كانت اعتمدت في قصصها على قصص أجنبيّة، على نحو ما فعل الكاتب ممدوح عدوان في مسلسل “جريمة في الذاكرة” بطولة سمر سامي، سلوم حداد، خالد تاجا، ومي سكاف، والذي عُرض عام 1992. حيث استعار أحداثه من رواية “الجريمة النائمة” للكاتبة أغاثا كريستي، ويُعتبر مِن أوّل المسلسلات السورية التي اعتمدت على حبكة بوليسية، في عرض أحداث جريمة القتل التي بدأ بها المسلسل واستمرت حتى نهاية حلقته الأخيرة.

وقد تميّز ممدوح عدوان في هذه النوعية من المسلسلات، فكتب مسلسلات، “اختفاء رجل” وقد لعب فيه دور البطولة أيمن زيدان وجمال سليمان، وعبدالفتاح المزين وأمانة والي. وكذلك مسلسل “اللوحة الناقصة” الذي عرض في عام 1996، وهو من بطولة جمال سليمان، وواحة الرّاهب، وبسام كوسا ومرح جبر، ومن إخراج محمد عزيزية.

بعد غيبة طويلة، لحساب مسلسلات السيرة الذاتيّة التي طغت في السنوات الماضية، عادت الدراما البوليسية من جديد، بعد غياب الرواية البوليسية على مستوى الواقع العربي، وندرة كتابتها لأسباب تم شرحها وتفصيلها في ملف سابق أنجزته مجلة الجديد.

في السباق الرمضاني الحالي لعام 2019، دارت بعض الأعمال في إطار بوليسي، منها المسلسل المصري”زي الشمس” بطولة دينا الشربيني وأحمد صلاح السعدني وريهام عبدالغفور، وسوسن بدر، وجمال سليمان، وأحمد داوود، وهو المسلسل الذي يأتي في إطار ورشة كتابة تُشرف عليها السيناريست مريم نعوم، وحوار لدينا نجم وسمر عبدالناصر ومجدي أمين، ومحمد هشام عبيّة، ومعالجة درامية لنجلاء الحديني، وإخراج سامح عبدالعزيز، بعد قيام كاملة أبوذكري بإخراج أولى حلقاته.

تدور أحداث المسلسل في إطار تشويقي، حيث تتعرض ريهام عبدالغفور (فريدة) تلعب دور فنانة تشكيلية، تعيش حياة بوهيمية إلى القتل من مجهول، ويبدأ المسلسل في استعراض حياتها الغرائبية وعلاقاتها المتشعبة، وهو ما ينتهي إلى جريمة قتل غامضة، وتبدأ رحلة البحث عن القاتل، من قائمة أصدقاء فريدة، وإن كانت تعود الخيوط لتتشابك حول الدكتور عمر فاروق، زوج فريدة السابق، بالإضافة إلى أحمد مالك الطالب الذي ارتبط بها من خلال علاقة حب وهي معلّمته في المدرسة.

على الرغم من أن الإطار العام للحبكة يدور حول البحث عن القاتل. اللافت أن دينا الشربيني مؤخّرًا اعتمدت على الحبكات البوليسيّة، التي لا تنفصل عن حياتها الشخصية، وما يتناثر عنها من أخبار ومغامرات حول علاقتها بالمطرب عمرو دياب.

ففي سباق رمضان 2018، قدمت دينا مسلسل مليكة، الذي شاركها البطولة فيه مصطفى فهمي، وياسر علي ماهر، وصفاء الطوخي، وندى بسيوني، وعمر السعيد، وهومن تأليف محمد سليمان عبدالملك، وإخراج شريف إسماعيل. وقد غلفت الحكاية حبكة بوليسية وإن كانت في إطار نفسي اجتماعي.

فخ السرقة والانتحال

من المسلسلات ذات الإطار البوليسي المسلسل السوري “الكاتب”، لريم حنا من بطولة باسل خياط، دانييلا رحمة وبولين حداد، ونادي أبوفرحات وهيام أبوشديد، ومن إخراج رامي حنا. والمسلسل الذي بدأت حلقاته الأولى في تقديم صورة نمطيّة متخيّلة لا علاقة لها بالواقع الحياتي، حيث المؤلف أشبه بنجم سوبر ستار، تقع في غرامه القارئات. ومن ثمّ يرتبط بعلاقة مع فتاة تُدعى تمارا، لكن تمارا تتعرض إلى القتل، ويُتهم المؤلف يونس جبران بقتلها، لكن تستطيع إحدى المعجبات بكتاباته وهي محامية تُدعى مجدولين، الدفاع عنه، وتستطيع تبرئته، لكن تأخذ الأحداث منحى بوليسيّا حيث يتعرض كل من يقترب من يونس جبران أو يهدّد مجده إلى القتل.

مع تقدم الحلقات تظهر شخصيات جديدة، تكشف هي الأخرى عن ألغاز في شخصية يونس جبران المُنتحِل، الذي أسس مجده على كتابات آخرين، ومنها صديقه السيد حلمي، الذي ترك له روايته ليعرضها على ناشره، قبل سفره إلى العراق، وما إن تدور الحرب حتى تصل الأخبار بوفاة السيد حلمي، وهنا ينسب الرواية لنفسه، مع أنه لم يكتب مثل هذه النوعية من الكتابات البوليسية.

على الرغم من تشابه الخيط العام لأحداث المسلسليْن، وهو متمثل في البحث عن القاتل المجهول، إلا أن واضعي السيناريو لم يكتفوا بهذا الخيط البوليسي والتشويقي، وإنما تجاوزوا هذا الخيط إلى إطار نفسي اجتماعي.

الشيء الآخر أن السيناريوهات تعاملت مع جرائم القتل والبحث عن القاتل كمشاع عام، وليست خاضعة لجهة تحقيق تتولى البحث والتحري والاستجواب، وإنما قدمت صورة غير حقيقية للواقع، فنجد نور في مسلسل “زي الشمس” تُمارس مهام رجل التحري في البحث والتعقب، وبالمثل في مسلسل “الكاتب”، ثمة جهات أخرى تتولى البحث عن قاتل تمارا، كالصحافي نديم، أو الناشر.

بغض النظر عن الاتهامات الموجهة لدراما رمضان هذا العام، بالسرقة والانتحال، نتساءل عن غياب النصوص المكتوبة للدراما خصيصا
بغض النظر عن الاتهامات الموجهة لدراما رمضان هذا العام، بالسرقة والانتحال، نتساءل عن غياب النصوص المكتوبة للدراما خصيصا

الشيء الآخر المبالغ فيه، هو تقديم صورة فانتازية عن الكاتب وعن الفنان التشكيلي، ففي المسلسليْن صورة الكاتب والفنان التشكيلي صورة على غير حقيقتها، فإما هو نجم يتهافت حوله المعجبون والناشرون، وإما هو شخصية غير مباليّة ولا تهتم إلا بتحقيق نزواتها.

الغريب في هذه الدراما أنها جاءت لتؤكّد غياب النص الأدبي البوليسي. فهذه الأعمال إما مقتبسة من أعمال غربية كما لجأ صُنّاع مسلسل “زي الشمس”، فالقصة مقتبسة من مسلسل إيطالي. وإما منتحلة من أعمال أخرى دون إشارة لهذا الانتحال، على نحو ما حدث مع مسلسل “الكاتب” الذي تلاحقه اتهامات بالسرقة كما فعل الروائي التونسي كمال الرياحي، متهمًّا صناع العمل بسرقة روايته “عشيقات النذل” وهي الرواية التي تدور أحداثها حول شخصية روائي وسيناريست يدعى “كمال اليحياوي”، تصارحه عشيقته السرية “حياة” أنها حامل من زوجها، وتخيّره بين البقاء معها أو تركها.

فالمؤلف وفقًا لبيان فيسبوكي يتهم الكاتبة السورية زوجة المنتج جمال سنان بسرقة نصه، حيث يقول:”أتفاجأ في رمضان بأن قرائي في كل مكان يكتبون عن شبهة سرقة ويؤكدون ذلك ووصلتني المئات من الرسائل، فعدت إلى اليوتيوب لمشاهدة ما فاتني من المسلسل فتفاجأت بالرواية تجسد تقريبا بجميع شخصياتها وحبكتها”.

لم يكن اتهام كمال الرياحي هو الأول، فقد سبقه اتهام الكاتب والسيناريست السوري خلدون قتلان للمخرج رامي حنّا بسرقة نصّ له بعنوان “الخونة” كان قد عرضه عليه قبل سنوات. وأكّد قتلان أنّه سجّل في العام 2013 نصّه “المسروق” في دائرة حماية الملكية الفكرية في سوريا، وأنّه سيُكمل طريقه من أجل إثبات حقّه عبر القانون.

وبغض النظر عن الاتهامات الموجهة لدراما رمضان هذا العام، بالسرقة والانتحال، فالسؤال: لماذا غابت النصوص المكتوبة للدراما خصيصًا على نحو كتابات عميد الدراما العربية أسامة أنور عكاشة، ومحمد جلال عبدالقوي، وغيرهما. والأهم لماذا لا يلجا منتجو الأعمال البوليسيّة إلى روايات ذات طابع بوليسي بدلاً من اللجوء إلى الاقتباس من أعمال أجنبية، أو حتى التحايل على نصوص إبداعية، بتشويه محتواها من أجل الخروج بنص درامي تجاري؟!

14