الدراما الأمازيغية المغربية تنافس ضمن السباق الرمضاني

فاطمة بوبكدي تهتم بالثقافة الأمازيغية في "بنت الذيب".
الاثنين 2025/02/24
حكاية اجتماعية أمازيغية

يحظى الأمازيغ بتمثيل مهم في الدراما المغربية لكنه تمثيل يقتصر على إظهارهم خارج الزمن الراهن ويهتم أكثر بحياتهم داخل القرى وهيئاتهم ولهجاتهم. وهذا العام يحضر "بنت الذيب" للمخرجة فاطمة بوبكدي كواحد من أهم المسلسلات التي ستنافس على المستوى المحلي متناولة المجتمع الأمازيغي، ثقافته وعاداته وتقاليده.

الرباط - تعاني الدراما الأمازيغية المغربية من نقص واضح في كتابة السيناريو والإنتاج، لذلك تظل الصورة النمطية للأمازيغ هي السائدة في العديد من الأعمال، وهذا راجع إلى قلة التقدير للأبعاد الحديثة التي يمكن أن تعرض للأمازيغ في السياقات المعاصرة.

وأشار العديد من النقاد إلى أن هذه الدراما لا تظهر الأمازيغ في أدوار حديثة مثل رؤساء الشركات، المثقفين والفنانين أو السياسيين، وهو ما يكرس الصورة التقليدية التي تقتصر على الأدوار الشعبية أو الريفية، وهذه الملاحظة تفتح المجال لإعادة التفكير في كيفية معالجة هذه القضية في الكتابة الدرامية وتوسيع دائرة تمثيل الأمازيغ في مجالات أكثر تنوعا وتقدما.

وتعتبر المخرجة المغربية فاطمة بوبكدي من المخرجين الذين يسعون نحو إثراء الدراما الأمازيغية وتصوير واقعهم وتراثهم. وهذا العام حجزت المخرجة المغربية موعدا لعرض مسلسلها الجديد "بنت الذيب" في وقت الذروة خلال موسم رمضان الذي ينطلق آخر هذا الأسبوع، على القناة الثامنة الأمازيغية، بينما تولى شقيقها علي بوبكدي كتابة السيناريو الخاص بهذا العمل الذي يأتي بديلا عن الجزء الخامس من مسلسل “بابا علي”، الذي لم يعتمد ضمن طلبات العروض الخاصة بالموسم الجديد.

المخرجة بوبكدي تعرف بكونها من أبرز المخرجات في مجال السينما والتلفزيون سواء لأعمال بالدارجة المغربية أو الأمازيغية، عندما قدمت أعمالا تجمع بين الخيال والمغامرة ومستوحاة من الحكايات الشعبية المغربية، ما أكسبها لقب “سيدة الحكي والتراث”. هي خريجة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط، بدأت مسيرتها الفنية من المسرح، وعملت إلى جانب فريدة بورقية كمساعدة مخرج، ثم كتبت سيناريوهات مع مخرجين بارزين مثل الراحل محمد إسماعيل وحسن بنجلون وعبدالمجيد الرشيش، قبل أن تقدم فيلمها التلفزيوني الأول “باب الأمل” عام 1999.

حح

واختارت بوبكدي الحفاظ على قالب مسلسل “بابا علي” في عملها الجديد، الذي تعتمد فيه على ديكورات البادية وإبراز الحياة القروية الأمازيغية، بينما يواجه هذا النهج بعض الانتقادات، حيث يرى بعض المهتمين بالدراما الأمازيغية أن التركيز المستمر على الصورة النمطية للأمازيغ كأفراد قادمين من الجبال فقط يحد من التنوع الإبداعي، وأن استمرار الأعمال الأمازيغية بالقوالب التقليدية يجعل الأمازيغ يظهرون وكأنهم يعيشون في زمن جامد من حيث الديكورات والملابس والمواضيع.

ويعيد المسلسل الجديد الممثلة نورة الولتيتي إلى الساحة بعد أن اعتزلت إثر تصريحاتها عن ضعف الإنتاج خلال مشاركتها في أحد أجزاء “بابا علي”، كما يشارك في البطولة كل من الحسين برداوز وعبدالله التاجر وعبدالرحمن أكزوم وعمر المنصور وحسن العليوي وغيرهم من الأسماء الأمازيغية البارزة، بينما أعرب جمهور “بابا علي” عن استيائه من رفض القناة الثامنة لعرض الجزء الخامس من المسلسل، خصوصا أنه حظي بشعبية واسعة بين الناطقين بالأمازيغية وغير الناطقين بها، وكان المخرج مصطفى أشاور قد كشف في وقت سابق عن تقديمه رؤيته الخاصة بالجزء الجديد، إلا أن القناة اكتفت بالأجزاء الأربعة السابقة.

المخرجة المغربية فاطمة بوبكدي حجزت موعدا لعرض مسلسلها الجديد "بنت الذيب" في وقت الذروة خلال موسم رمضان

وتدور أحداث المسلسل حول شخصية رجل أمازيغي بسيط يتفاعل مع محيطه العائلي والمجتمعي داخل قرية أمازيغية، مستعرضا التراث المغربي الغني. وتميزت الأجزاء السابقة بمناقشة قضايا دينية واجتماعية، من بينها الجدل بين فقيه متشدد وآخر معتدل حول قضايا الدين والتعايش، كما ركز على مكانة المرأة الأمازيغية عندما ظهرت في أدوار قيادية، مستندة إلى التاريخ الأمازيغي الذي لطالما منح النساء موقعا بارزا في المجتمع.

وتطرق المسلسل في موسمه الرابع إلى فاجعة زلزال الحوز، وهو ما أضاف بعدا إنسانيا وشخصيا، خاصة وأن بعض مناطق التصوير كانت قد تأثرت بالزلزال.

وتبقى فاطمة بوبكدي مخرجة متفردة في المشهد السينمائي المغربي، نجحت في تقديم أعمال سينمائية وتلفزيونية بارزة، وبينما يستمر الجدل حول ضرورة تجديد الدراما الأمازيغية، يترقب الجمهور كيف ستقدم مسلسل "بنت الذيب" في ظل رؤيتها الفنية التي تمزج بين التراث والدراما المعاصرة.

وتستلهم المخرجة الكثير من أعمالها من الحكايات الشعبية المغربية، وتعتبر اللغة الأمازيغية والموروث الفلكلوري والتاريخ المغربي جزءا أساسيا من هويتها الفنية. تتنوع أعمالها بين السينما والتلفزيون، وأخرجت العديد من الأفلام والمسلسلات التي تعود أحداثها إلى فترات زمنية قديمة في المغرب، مستوحاة من الحكايات الشعبية والتراثية.

ومن أبرز أفلامها “باب الأمل” الذي أخرجته في 1999، و”حمو أونامير” الذي فاز بعدد من الجوائز في المهرجان الوطني للسينما الأمازيغية. كما أخرجت فيلم “أناطو” في 2022، وهو أول فيلم سينمائي طويل لها، وأخرجت العديد من الأعمال المميزة الدرامية مثل “الكمين”، “أمود”، و”حديدان”، التي تمزج فيها بين الطابع الشعبي والدرامي لتقديم سرد قصصي يرتبط ارتباطا وثيقا بالتراث المغربي.

حح

وتستمر الدراما الأمازيغية المغربية في محاولة تحقيق تقدم ملحوظ في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت تفرض نفسها في المنافسة الرمضانية من خلال أعمال متميزة تتناول مواضيع اجتماعية وإنسانية تعكس قيمة المرأة، والتسامح بين الأديان والتقاليد الأمازيغية الغنية.

وتساهم القنوات الحكومية في انتشار هذه الأعمال عبر ترجمتها إلى لغات أخرى، ما يتيح للجمهور غير الناطق بالأمازيغية التعرف على التنوع الثقافي واللغوي في المغرب.

وأكد مخرج المسلسل مصطفى أشاور أن هذه النهضة الفنية تعود إلى وجود بيئة ملائمة بعد إطلاق قناة خاصة بالأمازيغ وتخصيص الدعم المادي من أجل تطوير الدراما الأمازيغية بلهجاتها المتنوعة، وأصبحت القناة من بين القنوات الأكثر مشاهدة في المغرب بفضل تعبيرها عن قضايا المجتمع الأمازيغي، مثل العلاقات الاجتماعية والتعايش المشترك بين المغاربة والاحتفاء بالثقافة المحلية.

ويعتقد أن الدراما الأمازيغية بحاجة إلى المزيد من الإنتاجات للتنافس مع الأعمال الأخرى، مؤكدا أن إنتاج ثلاثة مسلسلات سنويا لا يكفي لدعم مكانة الدراما الأمازيغية بين الإنتاجات الدرامية المغربية الأخرى.

الدراما لا تظهر الأمازيغ في أدوار رؤساء الشركات والمثقفين والفنانين أو السياسيين، وهو ما يكرس الصورة النمطية لهم

ويرى الباحث والناقد الفني الأمازيغي جمال أبرنوص أن الإنتاجات الدرامية الأمازيغية لهذا الموسم تتفاوت في قيمتها الفنية بسبب تفاوت الجهود المبذولة في إنتاجها، مشيرا إلى صعوبة العثور على عمل درامي متكامل من جميع الجوانب الفنية، وهو ما يعكس واقع الإنتاج الأمازيغي الذي لم يصل بعد إلى المستوى المأمول، ويؤكد أن البيئة العامة للعمل في هذا المجال، مثل نقص الدعم المؤسسي والتشريعي لا تساعد على تطويره بالشكل المطلوب.

ولفت إلى أن التنميط والمحافظة لا يزالان يطغيان على المسلسلات الأمازيغية، إذ تتم العودة إلى ماض تقليدي ونوستالجي، وهو ما يضعف الإبداع ويحد من تأثير الدراما الأمازيغية في الحاضر.

وأثنى أبرنوص على بعض الأعمال التي تحاول تجديد وتطوير لغة وثقافة الأمازيغيين في سياقات أكثر حيوية وتفاعلا مع القضايا المعاصرة، مشيرا أيضا إلى ضرورة تجاوز “الأرخبيل الإعلامي” الذي يقتصر فيه الإنتاج الأمازيغي على قناة واحدة، داعيا إلى تنفيذ التزامات دفاتر تحملات القنوات الوطنية بتخصيص 30 في المئة من الإنتاجات لهذه اللغة.

ويعتقد الناقد الأمازيغي أن هذا التوجه سيزيد من التراكم الإنتاجي ويحقق الجودة المطلوبة، خاصة إذا كانت الحكومة جادة في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في الإعلام والتعليم.

15