الدبيبة يعول على الاستثمارات النفطية لكسب ود إدارة ترامب

تأمل حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها بليبيا في بناء علاقة متينة مع الإدارة الأميركية الجديدة التي يقودها دونالد ترامب، وسط ترحيب رئيسها عبدالحميد الدبيبة بالاعتماد على النفط كعنصر أساسي لاستثماراتها، مع عدم الاقتصار على المقاربة الأمنية لحل الأزمة في البلاد.
يراقب الليبيون باهتمام بالغ ما سيكون عليه موقف الإدارة الأميركية الجديدة نحو بلادهم، وفي أول موقف رسمي معلن، قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس عبدالحميد الدبيبة إن الدولة الليبية ترحب بالرئيس دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، لافتا إلى أن الدولة الليبية تعتمد على النفط كعنصر أساسي لاستثماراتها وترامب هو الداعم الرئيسي لهذا القطاع.
وخاطب الدبيبة الرئيس الأميركي الجديد بالتأكيد على أن المقاربة الأمنية لا تستطيع وحدها حل مشكلة ليبيا، وأن دعم أي طرف ليبي سيعود بالبلاد إلى القاعد الصفرية، وفق تعبيره.
وردا على ما إذا كانت بلاده متخوفة من سياسات ترامب، أوضح الدبيبة خلال جلسة حوار ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس” 2025، الأربعاء، أن ليبيا ليست وحدها المتخوفة، وإنما الأوروبيون أنفسهم يتدارسون ما هو قادم، وحتى الصين وبقية دول العالم تواجه نفس الحالة، مردفا “أقول لترامب وغيره، المقاربة الأمنية فقط لا تحل المشكلة ولدينا أمثلة كثيرة سواء في أفغانستان أو سوريا”، داعيا إلى ضرورة البحث في الثقافة والتراث وحياة الإنسان وماذا تريد الشعوب، حيث إن “المشكلات في منطقتنا ترجع إلى وجود تفاوت بين متطلبات الشعوب وموقف القوى الحاكمة.”
وتابع الدبيبة “إذا كان السيد ترامب يريد استقرار ليبيا لا بد من البحث عن وسائل حقيقية وليس المقاربة الأمنية”، محذرا من أن “دعم أي طرف سيعود بنا إلى القاعدة الصفرية وعندنا أمثلة من المعالجات الأمنية ونسيان النقاط الأخرى التي يريدها الشعب.”
مراقبون يرجحون أن تسعى الإدارة الأميركية إلى اقتراح مبادرة لحل الأزمة الليبية من دون إقصاء للقوى الميدانية الفاعلة
واعتبر الدبيبة أن بلاده، رغم صغر حجمها وضعف إمكانياتها النسبي، تمتلك إرادة حقيقية للنهوض، مستطردا أن هناك دروسا مستفادة من تجارب دول مثل أفغانستان وسوريا، حيث أظهرت الأزمات، وفق تقديره، أن الحلول تحتاج إلى دعم الثقافة والتراث وحياة الإنسان نفسها.
وخصص الدبيبة جانبا كبيرا من محادثاته مع الشخصيات السياسية التي اجتمع بها في دافوس، للحديث عن مستقبل العلاقات مع واشنطن في ظل الولاية الثانية للرئيس ترامب، حيث حاول البحث عن دواع للطمأنينة وتجنب حالة القلق مما قد تكون عليه مواقف الإدارة الأميركية خلال السنوات الأربع القادمة.
وسعى الدبيبة بوجه مكشوف إلى البحث عن منافذ لكسب ود الإدارة الأميركية الجديدة بالاعتماد على فرص الاستثمار في قطاع النفط والغاز. وقال في محاولة لدغدغة الجانب البراغماتي في ترامب، “نتفاءل بوجود رئيس قوي كالرئيس ترامب في الولايات المتحدة.” وأعلن “بدأنا بالعمل في العديد من المشاريع في مجال إنتاج الغاز، ونريد دخول رأس المال الأميركي في مجال النفط الليبي.. نسعى لإعادة إحياء مسار التنمية في كافة المجالات، وأولويتنا هي الاستقرار في ليبيا”، انطلاقا من الرؤية التي يود تكريسها والتي تصب في اتجاه الإقناع بأن حكومته وحدها القادرة على ضمان الأمن والاستقرار في ليبيا.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن الفترة القادمة ستشهد تغيير فريق العمل الأميركي المكلف بالملف الليبي، كما سيفتح المجال أمام تعيين رئيس جديد للبعثة الأممية بدلا من المبعوث السابق عبدالله باتيلي الذي كان استقال من منصبه في أبريل 2024.
الدبيبة سعى بوجه مكشوف إلى البحث عن منافذ لكسب ود الإدارة الأميركية الجديدة بالاعتماد على فرص الاستثمار في قطاع النفط والغاز
وفي نفس الوقت، تقول أوساط سياسية مطلعة في طرابلس إن السلطات هناك لا تخشى شيئا مثلما تخشى أي تقارب قد يحدث بين واشنطن وموسكو أو التوصل إلى وقف القتال في أوكرانيا، مشيرة إلى أن الدبيبة كان يعتمد بالأساس على تناقضات المصالح بين الأميركان والروس في العمل على استمراره في الحكم، حيث يقدم نفسه على أنه راعي مصالح الغرب في مواجهة تمدد النفوذ الروسي في شرق وجنوب ليبيا وفي منطقة الساحل والصحراء.
ويرجح مراقبون أن تسعى الإدارة الأميركية الجديدة إلى اقتراح مبادرة سياسية لحل الأزمة في ليبيا من دون إقصاء للقوى الميدانية الفاعلة، مشيرين إلى أن اتجاهات السياسة العامة للرئيس ترامب تؤكد إمكانية سعيه للتنسيق مع القوى الإقليمية من أجل جمع الليبيين حول مائدة حوار للخروج من النفق.
ويضيف المراقبون أن ترامب كان قد أكد خلال ولايته الأولى أنه غير مسؤول عن تدخل بلاده في ليبيا في العام 2011 كما أنه لا يعتبر الوضع الليبي من أولوياته، وكان في أبريل 2019 اتصل هاتفيا بالقائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر للإعراب له عن مساندته ودعمه لجهوده في مواجهة التطرف والإرهاب.
اتجاهات السياسة العامة للرئيس ترامب تؤكد إمكانية سعيه للتنسيق مع القوى الإقليمية من أجل جمع الليبيين حول مائدة حوار للخروج من النفق
وفي رسالة تهنئة، خاطب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الرئيس ترامب قائلا “نتطلع إلى مزيد التعاون بين بلدينا الصديقين، ونأمل دعمكم لمواصلة الدور الفعال للولايات المتحدة والدافع دائما في اتجاه حل الأزمة وتحقيق توافق ليبي”، داعيا إيّاه إلى رفع حظر التسليح عن الجيش الليبي الذي يواصل حربه ضد الإرهاب.
إلى ذلك، رجح الباحث الأكاديمي محمد مطريد ألا يتوافق نهج الإدارة الأميركية الجديدة تحت قيادة ترامب مع حكومة الوحدة الوطنية، متوقعا أن تتجه واشنطن بشكل كامل إلى دعم القيادة العامة للجيش الوطني ومشروعها لاستقرار الدولة الليبية، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي ينتظر قرار الرئيس الأميركي بإزالة الأجسام التي تعرقل المشهد في ليبيا.
ويرى محللون ليبيون أن الإدارة الأميركية الجديدة ستتعامل مع الملف الليبي انطلاقا من أمرين مهمين، وهما النفط وصراع النفوذ بين واشنطن وموسكو، كما أن ترامب سيتعامل مع الطرف الأقوى في المعادلة الداخلية الليبية، وسيتولى التنسيق مع الأطراف الإقليمية لقطع الطريق أمام أي إمكانية للعودة إلى مربع العنف والفوضى في البلد العربي الثري في شمال أفريقيا.
وأكد المحلل السياسي إسلام الحاجي أن “ترامب لن يخشى إجراء انتخابات في ليبيا حتى وإن جاءت بالدكتور سيف الإسلام القذافي، على عكس إدارة جو بايدن.”
وتابع الحاجي أن الأمل في إجراء الاستحقاقات الانتخابية الليبية يرتفع في ظل حكم الجمهوريين، حيث إن ترامب سيقف وراء الأقوى في المشهد الليبي من دون النظر إلى هويته، لافتا إلى أن ترامب لن يترك الفرص الاقتصادية الواعدة في ليبيا وسيعمل على تعزيز حضور بلاده، والحصول على حصة كبيرة من مشاريع استكشاف النفط والغاز وكذلك إعادة الإعمار.
وكان حزب التجمع الوطني طالب الإدارة الأميركية الجديدة بوضع مسألة استقرار ليبيا، وإنهاء الأزمة السياسية الليبية، على رأس أولوياتها، ودعاها إلى دعم الجهود الوطنية الصادقة لإنجاز تسوية سياسية متوازنة، مؤكدا على أهمية تنظيم الانتخابات الوطنية الليبية كوسيلة للتداول السلمي على السلطة ترتكز على مبدأ القبول بنتائج الانتخابات، وهو الدرس الذي ينبغي أن يتعلمه الجميع من الانتخابات الأميركية، مشددا على ضرورة إجراء حوار وطني جامع يضم كافة الأطراف الليبية بعيدا عن أي شروط مسبقة لبناء دولة مدنية ديمقراطية تحقق العدل والمساواة وتضمن حقوق جميع المواطنين في ليبيا.