الدبيبة يعمل على إجهاض مبادرة باتيلي عبر الترويج لأولوية صياغة دستور

ليبيون يحذرون: رئيس حكومة الوحدة يسعى لإدامة الوضع الراهن.
الثلاثاء 2023/12/12
الدبيبة حريص على إظهار التعاون للخارج ويتجاهل الداخل

يحرص رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة في كل لقاءاته، لاسيما مع القوى الدولية، على إظهار الدعم لمبادرة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، آخرها اجتماعه مع سفراء الاتحاد الأوروبي. لكن أوساطا ليبية تشكك في نوايا الدبيبة، حيث تقول إن تحركاته الأخيرة تشي بعكس ذلك.

طرابلس- يتبنى رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبدالحميد الدبيبة سياسة مزدوجة في التعامل مع الأزمة الراهنة في البلاد، فهو يحرص على الظهور أمام المجتمع الدولي في ثوب الداعم لمبادرة مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا عبدالله باتيلي، لكنه في الآن ذاته يعمل على الالتفاف عليها عبر طرح أولوية إقرار دستور دائم للبلاد.

وجدد رئيس حكومة الوحدة ترحيبه بالمبادرة المقدمة من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لجمع الأطراف السياسية على طاولة حوار جديدة لحل الخلافات بشأن الانتخابات.

وقال خلال اجتماعه مع سفراء الاتحاد الأوروبي المعتمدين لدى ليبيا إن أفراد الشعب الليبي يرفضون المراحل الانتقالية ويرغبون في الاستقرار من خلال إجراء الانتخابات باعتبارهم أصحاب الكلمة النهائية في كافة النتائج ومشاركتهم أصبحت ضرورة ملحة.

عبدالمنعم العرفي: من الصعب في ليبيا التفاهم على دستور موحد الآن
عبدالمنعم العرفي: من الصعب في ليبيا التفاهم على دستور موحد الآن

وكان الدبيبة أكد قبل ذلك على ضرورة أن يكون هناك دستور دائم لليبيا، وصرح في إحدى المناسبات بأن مشكلة ليبيا تكمن في عدم وجود دستور حقيقي تجرى الانتخابات على أساسه، مشيرا إلى “أننا في أشد الحاجة اليوم إلى دستور يحمي الوطن والمواطن وانتخابات برلمانية ورئاسية وفق هذا الدستور”.

وتؤكد مصادر ليبية من العاصمة طرابلس أن الدبيبة مقتنع بأن لا مستقبل لمبادرة باتيلي، وهو يعتمد أسلوب المجاملات والظهور في صورة الداعم المثالي لجهود المجتمع الدولي، لكنه بالمقابل بدأ في التحرك لإقناع الفعاليات السياسية والاجتماعية بتبني مقترح الدستور أولا.

ويلاقي مقترح الدبيبة رفضا من أغلب الفاعلين الأساسيين في البلاد، الذين يرون في المقترح جزءا من خطة تهدف إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه إلى أجل غير مسمى، وبالتالي حفاظ الدبيبة على مركزه في سلطة القرار.

وقال عضو مجلس النواب عبدالمنعم العرفي إن دعوة الدبيبة لإصدار دستور دائم هي محاولة لإطالة أمد الأزمة فمن الصعب التفاهم على دستور موحد الآن، مردفا “لو كنا سنتفاهم حول ذلك لنجحت لجنة الـ60 في إقرار دستور توافق عليه كل مدن ومناطق ليبيا”.

ويرى مراقبون أن الدبيبة لا يختلف في ذلك عن مجلسيْ النواب والدولة اللذين حرصا طيلة الفترة الماضية على الممالطة في حل القاعدة الدستورية التي بموجبها ستجرى الانتخابات.

واعتبرت نادية عمران، عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، أن الأطراف التي تتصدر المشهد في ليبيا جميعها لا ترغب في الانتخابات.

نادية عمران: الأطراف التي تتصدر المشهد في ليبيا جميعها لا ترغب في الانتخابات
نادية عمران: الأطراف التي تتصدر المشهد في ليبيا جميعها لا ترغب في الانتخابات

وأضافت عمران في تصريح صحفي أن البعثة الأممية تدرك جيدا أن الأطراف التي تسعى للاجتماع بها لا ترغب في أن يكون هناك حل، وهي المعطل الرئيسي للموضوع.

وشددت على أنه “بدون سيطرة فعلية لحكومة واحدة ومسار مستقى من الإرادة الشعبية فلا يمكن لليبيا أن تشهد حلا على المدى البعيد، ولا يمكن انتظار أن يخرج حل من البعثة، لأنها ممثلة عن بعض الأطراف التي تسعى لإدارة الأزمة في ليبيا”.

وفي يناير 2022 دعا رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح إلى تشكيل لجنة صياغة مسودة دستور، بدل الذي أعدته “لجنة الستين” المنتخبة في العام 2017، وشدد على ضرورة العمل على “تشكيل لجنة من 30 شخصا من المفكرين لصياغة دستور توافقي، بدلا من المضي في دستور مرفوض من شرائح عديدة”.

وبحسب متابعين للشأن الليبي يحتاج الحديث عن دستور للبلاد إلى وفاق وطني تام وشامل، وإلى تفاهم على النقاط الأساسية وخاصة المتعلقة بهوية وشكل ورموز الدولة وطبيعة النظام السياسي الذي سيتم اعتماده.

كما أن واضعي الدستور يجب أن تتوفر فيهم جملة من الشروط الأساسية من بينها النزاهة والمصداقية والتعبير عن إرادة الليبيين بمختلف عقائدهم وتوجهاتهم والقدرة على الإقناع والتصدي لجميع العراقيل.

ولا تزال مبادرة باتيلي تواجه المزيد من المواقف الرافضة لمضمونها المعلن عنه في نوفمبر الماضي، حيث دعت لجنة 6+6 مجلسي النواب والدولة في ليبيا إلى الحوار والتوافق لقطع الطريق أمام خطة البعثة الأممية، داعية الشعب الليبي إلى الدفاع عن القوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب مطلع أكتوبر الماضي.

فتحي الشبلي: مبادرة باتيلي ليست إلا إعادة تدوير للأزمة
فتحي الشبلي: مبادرة باتيلي ليست إلا إعادة تدوير للأزمة

واعتبرت اللجنة في بيان أن الهدف من مبادرة باتيلي هو “تكرار نموذج جنيف”، في إشارة إلى اتفاق ملتقى الحوار السياسي السابق في المدينة السويسرية خلال فبراير 2021، والذي نتج عنه المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، كسلطة تنفيذية للإشراف على إجراء الانتخابات نهاية عام 2021.

وأكد الأعضاء الموقعون على البيان أنهم تابعوا الخطة التي أعلنت عنها البعثة الأممية، والتي دعت “الأطراف السياسية للاجتماع بغية التوصل إلى تسوية سياسية حول قضايا تراها البعثة خلافية وتحتاج إلى الحوار”، في إشارة إلى حديث البعثة الأممية عن وجود نقاط خلاف في القوانين الانتخابية التي أنجزتها لجنة 6+6 الليبية.

وتابعوا أن القوانين الانتخابية تم “إنجازها بشكل توافقي وقانوني، وبالتالي فإنه لا يحق لأي جهة دولية أن ترفض عملاً يخضع للسيادة الليبية، ولا يحق لأي جهة محلية الاعتراض إلا عبر الطعن الدستوري أو بطلب للتعديل يقع النظر فيه وفق الإجراءات التشريعية”.

ورأى فتحي الشبلي، رئيس حزب صوت الشعب والناطق باسم “تجمع الأحزاب الليبية”، أن مبادرة باتيلي ليست إلا إعادة تدوير للأزمة.

ووصف الشبلي ما يقوم به باتيلي بأنه مجرد “عبث”، و”لو كان يريد الحل، ما كان ليختزل مشكلة ليبيا في 5 أفراد، فكل الأجسام الحالية فاقدة للشرعية الشعبية والقانونية، ولا تحظى إلا بالغطاء الدولي بالأمم المتحدة وبعثتها”، وأشار إلى أن “هذه الأجسام هي من أفشلت الانتخابات، وأفشلت حلم 2.8 مليون ليبي، ولكن كل ما يقصدونه هو تدوير الأزمة وإعادة بقائهم في السلطة لأطول فترة ممكنة”.

ويجمع أغلب المراقبين على أن مبادرة باتيلي ذهبت إلى غير رجعة، وأن كل محاولات بث الحياة فيها فاشلة، وهي مجرد تسجيل موقف في سياق أجندات العمل اليومي المأجور، بينما هناك مساع واضحة من قبل القوى الداخلية والخارجية لاستبعاد الحل السياسي وعرقلة الجهود المبذولة من أجل تنظيم الانتخابات.

 
4