الدبيبة يعالج فوضى الميليشيات غرب ليبيا بوعود مسكنة

يحاول رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبدالحميد الدبيبة إظهار قدرته على الإمساك بزمام الأمور الأمنية بالقول إن حكومته ماضية في بناء مؤسسات أمنية مهنية قادرة على حماية الدولة والمواطن، في حين إن مظاهر الفوضى تفرض إيقاعها في عدد من مناطق غرب البلاد، وتشير إلى عجز السلطات الحاكمة عن بسط نفوذها بالشكل الكامل وخاصة في مواجهة الجماعات المتشددة وأمراء الحرب النافذين.
وتشير الأحداث المتتالية إلى أن من الصعب على الدبيبة الوفاء بوعوده وفرض الأمن، ويرى متابعون أن تصريحاته مناقضة للواقع، وليست أكثر من حبوب مسكنة كتأكيده على التزام حكومته بدعم المؤسسة الأمنية والعمل على تطوير إمكانياتها لضمان أداء مهامها بفعالية وكفاءة.
ففي مدينة زليتن، قامت مجموعة مسلحة بالهجوم على منارة السبعة الفواتير وترويع المصلين، كما طردت الطلاب بحجة إلقاء بيان باسم مجمع القرآن الكريم. وسعى المسلحون إلى استباق إعادة افتتاح المنارة ليلة السابع والعشرين من رمضان من العام الحالي بالسيطرة عليها تنفيذا لمخطط الجماعات السلفية المتشددة التي تواصل تمددها في مختلف مناطق البلاد.
وكان قد تم تأسيس منارة السبعة منذ أكثر من 900 عام، وهي تتولى منذ ذلك التاريخ تحفيظ القرآن وتدريس علومه وتخريج طلاب من جميع أنحاء العالم.
استياء شعبي في غرب ليبيا جراء استمرار فوضى السلاح وتحرك الميليشيات وتراجع سيادة الدولة وتراخي قبضتها
وأعلن عدد من الأهالي وقوفهم إلى جانب اللجنة المشرفة على المنارة برئاسة عبدالهادي عبدالله أبوكيل وساهموا في التصدي للمجموعة المسلحة، فيما أكدت اللجنة الجديدة المكلفة بمجمع القرآن الكريم برئاسة محمد المغربي من مصراتة أنها اختارت منارة السبعة مقرا للمجمع بدعم من رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك.
وقالت مصادر محلية إن هناك حالة احتقان تعم مدينة زليتن الواقعة على مسافة 150 كم تقريبا شرق العاصمة طرابلس، وتخضع في جانب منها لسيطرة ميليشيات مصراتة، وذلك بسبب جماعات سلفية متشددة لمحاصرة الجماعات الصوفية العريقة في المدينة المرتبطة بمدرسة عبدالسلام الأسمر الفيتوري.
ويذكر السكان المحليون كيف قام سلفيون مسلحون في الثالث والعشرين من أغسطس 2012 بهدم وتفجير ضريح ومسجد الشيخ عبدالسلام الأسمر وزاويته، وحرق الآلاف من الكتب التاريخية في مكتبته، مستخدمين القنابل والجرافات، باعتبارها مزارات وثنية وفق وصفهم.
ويرى مراقبون أن التيار السلفي لا يزال ينشط بقوة في ليبيا ويعمل على إقصاء الجماعات الصوفية في غرب وشرق البلاد، وهو يستمد قوته من الأجهزة الحكومية التي تعمل على استرضائه في ظل تنامي سلطة رجال الدين المتشددين على المجتمع.
مصادر محلية قالت إن هناك حالة احتقان تعم مدينة زليتن الواقعة على مسافة 150 كم تقريبا شرق العاصمة طرابلس
ويضيف المراقبون أن السكان في غرب ليبيا مستاؤون جراء استمرار فوضى السلاح وتحرك الميليشيات وتراجع سيادة الدولة وتراخي قبضتها عن تنفيذ القوانين بالشكل الذي يسمح بتجاوز حالة الانفلات الأمني والإفلات من العقاب.
وفي ديسمبر الماضي، عبّر المجلس الأعلى للتصوف الإسلامي عن قلقه البالغ إزاء استمرار حملة الاعتقالات التي تستهدف أتباع الطريقة الصوفية في مدينة بنغازي، وأكد أن المعتقلين يتعرضون للتعذيب لإجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، مطالبا السلطات في بنغازي بالتدخل العاجل لوقف هذه الانتهاكات التي تقع ضمن نطاق مسؤوليتها.
وطالب مجلس التصوف الإسلامي بإحالة المعتقلين فورا إلى النيابة العامة، مشيرا إلى تواصله مع المنظمات الحقوقية الدولية لإطلاعها على ما وصفه بـ”الممارسات العنصرية” بحق الصوفية في شرق ليبيا، محذرا من أن استمرار الانتهاكات قد يؤدي إلى ثورة شعبية عارمة، مشيرا إلى تشكيل لجنة للتواصل مع مشايخ التصوف وعائلاتهم الذين نزحوا مؤخرا إلى المنطقة الغربية، بهدف تقديم الدعم والمساندة لهم.
وفي مدينة الزاوية، قالت وسائل إعلام محلية إن اللواء حاتم الغايب آمر جهاز البحث الجنائي في فرع الغربية نجا من محاولة اغتيال استهدفت سيارته في منطقة أبوصرة، في حادث يشتبه بتورط عناصر أمنية فيه، مشيرة إلى أن سيارة الغائب تعرضت لإطلاق نار كثيف عند خروجه من منطقة أبوصرة.
واندلعت اشتباكات مسلحة عند إشارة الضمان في مدينة الزاوية مساء الاثنين تخللها تبادل كثيف لإطلاق النار تزامنا مع سماع دوي انفجار قوي في المنطقة، كرد فعل على محاولة الاغتيال.
الأحداث المتتالية تشير إلى أن من الصعب على الدبيبة الوفاء بوعوده وفرض الأمن
وبحسب المعلومات الأولية، فإن المنفذين ينتمون إلى قوة الإسناد الأولى بالزاوية التي يترأسها محمد بحرون الملقب بـ”الفأر”، المطلوب قضائيا في ملف اغتيال المهرب عبدالرحمن ميلاد “البيدجا”، وصدر في سبتمبر الماضي أمر بالقبض عليه، قبل أن يتم تهريبه.
ولاحظ ناشطون محليون أن بحرون حضر، إلى جانب وزير الداخلية عماد الطرابلسي وعدد من قادة الميليشيات في المنطقة الغربية، مأدبة إفطار نظمها إبراهيم الدبيبة المستشار السياسي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في إطار تجديد الولاءات وتوزيع المهام للمرحلة القادمة على الفاعلين الميدانيين.
وتعتبر أوساط ليبية أن ظهور أمير حرب متهم رسميا بجريمة قتل وملاحق قضائيا في إفطار رمضاني مع مسؤول حكومي بارز، يضع مكتب النائب العام في حالة من الحرج البالغ ويكشف عن تفاقم ظاهرة الإفلات من العقاب التي تواجهها ليبيا برعاية من السلطات الحاكمة التي من المفترض أن تشرف على تفعيل القانون وتنفيذ الأحكام ودعم القضاء بدل التورط في تحصين الميليشيات وتأمين أمراء الحرب.
وذكرت تقارير محلية أن إبراهيم الدبيبة دعا أعيان ووجهاء قبيلة الزنتان إلى التواصل مع آمر المنطقة العسكرية الغربية أسامة الجبيلي، لحثه على فك ارتباطه مع قائد الجيش المشير خليفة حفتر، والسماح لقوات وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوحدة بالسيطرة على غدامس والقاطع الحدودي مع الجزائر.
وبالتوازي مع هذه الأحداث، عادت حركة المرور إلى معبر ذهيبة/ وازن الحدودي مع تونس بعد أن تولى محتجون الاثنين إغلاقه بدعوى إقدام السلطات التونسية على إيقاف إحدى الشخصيات التي تنتمي إلى مدينة نالوت في تأكيد على إخضاع المعابر الحدودية مع تونس للمزاج الشعبي العام من خلال فسح المجال أمام سكان محليين للضغط من أجل إجبار السلطات التونسية على الإفراج عن موقوفين ليبيين لديها كما حدث قبل أيام في معبر رأس جدير.
وفي ما يتصل بالوضع الأمني، أمر النائب العام بحبس 4 أفراد منتمين إلى شبكة تهريب مهاجرين في زلة تسببوا بوفاة 10 مهاجرين نتيجة تعذيب 164 مهاجرا من دول السودان والصومال وأرتيريا.
وقالت النيابة العامة إن المهاجرين تعرضوا للتعذيب والمعاملة القاسية لغرض إجبار ذويهم على دفع مبالغ مالية، وأوضحت أنه “توجد مشاهد وتسجيلات مرئية توثق مشاهد تعذيب الضحايا”، مشيرة إلى أن المسلحين أرغموا 71 مهاجرا على أن يدفع كل واحد منهم 10 آلاف دولار نظير إطلاق سراحه.