الدبيبة يرفض التنازل عن منصبه وباريس تسعى للجمع بين صالح وتكالة

رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها يرفض دخول البلاد مرحلة انتقالية جديدة.
الأربعاء 2024/02/14
الدبيبة باق في منصبه حتى اجراء الانتخابات

تونس - أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبدالحميد الدبيبة أنه غير مستعد للتخلي عن منصبه إلا بعد تنظيم انتخابات تفرز سلطات جديدة تحظى بالشرعية الشعبية، فيما تسعى باريس لعقد اجتماع أواخر الشهر الجاري بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة محمد تكالة لمناقشة دوافع الخلاف بين الطرفين والبحث عن جسور مشتركة للانطلاق نحو مرحلة الحل السياسي.

ودعا الدبيبة في مقابلة تلفزيونية الثلاثاء، مجلسي النواب والدولة بالتوافق على قانون الانتخابات، مشددا على ضرورة إقرار قوانين عادلة لإجراء الانتخابات المقبلة. كما جدد رفضه دخول البلاد في مرحلة انتقالية جديدة.

وأكد على أهمية الوصول إلى توافق على القاعدة الدستورية، ثم إجراء انتخابات، داعيا إلى استغلال المرحلة لاستعادة الحياة في جميع مناحيها، معتبرا أن حكومته أطلقت برنامج عودة الحياة في كافة أرجاء البلاد.

وجاءت تصريحات الدبيبة في ظل تسريبات عن اجتماع مرتقب بين رئيسي مجلسي النواب والدولة في باريس برعاية الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وذلك بهدف تقريب وجهات النظر بينهما وتمهيد الطريق إلى توافق على أجندة انتخابية تصل بالبلاد إلى تجاوز معضلة التداول على السلطة وتوحيد مؤسسات الدولة.

وتسعى فرنسا إلى ضمان استمرارية عمل لجنة 6+6 التي تضم ستة أعضاء من كل هيئة لصياغة القوانين الانتخابية وإلى إقناع مختلف الأطراف على تقديم تنازلات متبادلة تساعد على التوصل إلى حل وسط.

وشهدت باريس في أوائل الشهر الجاري اجتماعا بين عدد مهم من الشخصيات السياسية الليبية من مختلف المرجعيات الحزبية والفكرية والثقافية، فيما عقد المستشار والمبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى ليبيا بول سولير المعروف باسم "رجل ليبيا"، اجتماعات مع كبار المسؤولين في طرابلس من بينهم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي وعضو المجلس موسى الكوني ورئيس مجلس الدولة محمد تكالة.

وكان سفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا نيكولا أورلاندو قد قام السبت الماضي بزيارة إلى مدينة مصراتة حيث بحث جملة القضايا المطروحة على الساحة الليبية في لقاءات جمعته مع أعيان ووجهاء المدينة وعدد من الفاعلين الأساسيين في المشهدين السياسي والاقتصادي.

وقال أورلاندو في منشور عبر حسابه بمنصة إكس "في زيارتي الأولى خارج طرابلس وصلت إلى مصراتة وقدمت كامل احترامي لمجلس الحكماء والأعيان"، مضيفا "ناقشنا التطورات الحالية والعملية السياسية التي تقودها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وهدفنا المشترك المتمثل في الاستقرار والوحدة الليبية"، مبديا عزمه لقاء مختلف المحاورين والاستماع إلى أصوات مدينة مصراتة في الأيام المقبلة.

وعقد أورلاندو اجتماعا مع رجل الأعمال محمد الطاهر عيسى المقرب من محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير والقيادي في حراك مصراتة المعروف بتزعمه جهودا واسعة للإطاحة بحكومة الدبيبة.

 وفيما أشارت المصادر الرسمية إلى أن الاجتماع كان لمناقشة تأثير برنامج دعم تنمية القطاع الخاص في ليبيا الممول من الاتحاد الأوروبي، أكدت أوساط محلية أن الموضوع الأصلي تعلق بالخلافات الحادة بين جناحي المعارضة والموالاة لحكومة الدبيبة في داخل مدينة مصراتة.

كما كان لأورلاندو لقاء مهم على طاولة عشاء مع الحاج علي الدبيبة رجل الأعمال الكبير والمعروف برجل الظل الذي كان وراء مجيء ابن عمه وصهره عبدالحميد إلى السلطة ولا يزال يقود جهود الإبقاء على حكومته إلى أجل غير مسمى والذي يعتبر الحاكم الفعلي بالمنطقة الغربية، حيث تناول النقاش مختلف جوانب الأزمة ودور الاتحاد الأوروبي في حلحلة الملفات العالقة مع تأكيد الدبيبة على أهمية استمرار الحكومة في إدارة شؤون البلاد إلى حين تنظيم انتخابات جديدة بعد الاتفاق على مرجعيتها القانونية والدستورية بين مختلف الفرقاء.

وتطرق الحاج الدبيبة إلى علاقته الوطيدة مع الاتحاد الأوروبي التي تمتد لمدة 40 عاما واستعداده لعقد اجتماعات مع كبار المسؤولين الأوروبيين  ولرعاية اجتماع قمة بين ليبيا والاتحاد الأوروبي خلال شهر أكتوبر القادم لتحديد معالم العلاقات المستقبلية بين الطرفين وخاصة في علاقة بالمصالح المشتركة والتي تشمل ملفات الأمن والدفاع والهجرة غير النظامية والطاقة والاستثمارات.

وبحسب مراقبين، فإن السفير أورلاندو حاول قيادة وساطة بين طرفي النزاع داخل المدينة وتوصل إلى نتيجة تفيد بأنه من الصعب رتق الفتق وترميم الشرخ في العلاقة بين مساندي حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها ومعارضيها.

ومن المنتظر أن يتجه أورلاندو الأسبوع القادم إلى مدينة بنغازي لملاقاة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والقائد العام للجيش المشير خليفة حفتر وذلك بهدف مناقشة عدد من القضايا العالقة التي يحاول الاتحاد الأوروبي الاطلاع على كامل حيثياتها، لاسيما في سياق التحولات الإستراتيجية التي تعرفها المنطقة والمتصلة بالصراع على النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية الرئيسية.

وكان عقيلة صالح أكد تمسكه بتشكيل حكومة جديدة مصغرة، تشرف على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة، مؤكدا أن مجلس النواب "هو الجسم التشريعي الوحيد المنتخب من الشعب الليبي ويملك دون غيره صلاحيات إصدار القوانين ومنح الثقة للحكومة وسحبها والتصديق على المعاهدات والاتفاقيات الدولية".

واعتبر أن أية محاولة للقفز على هذه الصلاحيات والاختصاصات أو تعطيل عمل مجلس النواب هو "اعتداء على صلاحيات واختصاصات أي برلمان منتخب"، لافتا إلى أن الأمر يتطلب موقفا موحدا من البرلمان الأفريقي بمساندة مجلس النواب واحترام ما يصدر عنه من تشريعات واعتماد أي حكومة تنال ثقة المجلس.

وشدد على أن مجلس النواب الذي أصدر مختلف القوانين المهمة هو "أساس شرعية السلطات وتحقيق الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، عن طريق صناديق الاقتراع، وأن يقرر الشعب الليبي من يحكمه في انتخابات نزيهة".

وأبرز أن الاستحقاق الانتخابي "يتطلب أن تكون هناك حكومة موحدة مصغرة، مهمتها الأساسية إجراء الانتخابات وفقا للقوانين"، مؤكدا أنه "لا مفر من احترام الشعب الليبي ورغبته في اختيار من يحكمه عبر صناديق الاقتراع، في بلد يحاول ألا يكون تحت سيطرة ميليشيات مسلحة" وأن التوافق الليبي-الليبي "تأسس على ضرورة وحق كل الليبيين في الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية".

ولا يزال مجلس النواب الليبي متمسكا بضرورة الإطاحة بحكومة الدبيبة وتشكيل حكومة بديلة تشرف على تنظيم على الاستحقاقين الرئاسي والبرلماني. واعتبر النائب جبريل أوحيدة أن أي حكومة سيكون على رأسها الدبيبة المسحوبة منه الثقة، غير مؤهلة للذهاب بالبلاد إلى الانتخابات.

وتابع "لو تم اختيار الدبيبة لأي حكومة مقبلة سيكون الهدف من ذلك استمرار الوضع على ما هو عليه دون انتخابات"، مضيفا "إجراء الانتخابات مرهون بتشكيل حكومة موحدة تقوم بمهامها التي تتطلبها العملية الانتخابية".

وكان مجلس النواب الليبي قرر في 21 سبتمبر 2021 حجب الثقة عن حكومة الدبيبة التي تم انتخابها من قبل ملتقى الحوار السياسي في جنيف في الخامس من فبراير من العام ذاته لتشرف على تنظيم الانتخابات التي كانت مقررة في 24 ديسمبر 2021 وتم تحديد مدة تكليفها بـ18 شهرا في أقصى الظروف.

وفي المقابل لا يزال الدبيبة يرفض الاعتراف بقرارات مجلس النواب والقوانين الانتخابية المنبثقة عنه ويؤكد تمسكه بالحكم إلى حين التوصل إلى اتفاق على قوانين جديدة وتنظيم انتخابات تفرز سلطات يعترف بها ويسلمها مقاليد الحكم وهو ما يبدو مستبعدا في ظل استمرار الصراع بين الطرفين.