الدبيبة يراهن على الإسلام السياسي في معركة البقاء في السلطة

حفتر: القوات المسلحة ستكون لها الكلمة الفصل في اللحظة الحاسمة.
الثلاثاء 2025/05/27
احتجاجات في الشارع والدبيبة يتمسك بمنصبه

لا يزال عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا يراهن على تيار الإسلام السياسي الممثل خصوصا في شخص رئيس دار الافتاء، الصادق الغرياني للبقاء في منصبه، وسط تلويح سلطات شرق ليبيا بالتحرك في الوقت المناسب.

يواصل رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة دعم تحالفاته مع تيار الإسلام السياسي فيما أكد القائد العام للجيش الوطني المشير حفتر أن القوات المسلحة ستكون لها الكلمة الفاصلة في اللحظة الحاسمة.

وقالت مصادر من مدينة مصراتة، إن الدبيبة قرر تعيين رئيس الحكومة الأسبق عمر الحاسي مستشارا خاصا له، وأعرب سليمان بن صالح، عضو المجلس البلدي مصراتة السابق، عن سعادته بهذا التعيين.

وأفادت: “أبارك للحكومة تعيين هذا الرجل في وظيفة مستشار لرئاسة الوزراء واعتبره مكسباً لها لما يتمتع به من وطنية صادقة وخبرة كبيرة.”

والحاسي من مواليد عام 1949 بالجبل الأخضر، يتحدر من قبيلة الحاسة المنتشرة في مدينة سوسة وشحات في الشرق الليبي. يعتبر من أبرز قيادات الجماعة الإسلامية المقاتلة (الجناح الليبي لتنظيم القاعدة) التي تأسست عام 1990 على يد ليبيين قاتلوا ضد القوات السوفييتية في أفغانستان، لكنها لم تكشف عن وجودها علنًا إلا عام 1995، وكان تهدف إلى إقامة دولة إسلامية في ليبيا بالاعتماد على العمليات الإرهابية، وقد نفذت أول عمل مسلح للجماعة في بنغازي يومي 6 و7 سبتمبر 1995، مما أسفر عن مقتل حوالي 30 فردا، وأعلنت  مسؤوليتها عن محاولة اغتيال فاشلة ضد معمر القذافي في فبراير 1996، والتي تم تمويلها جزئيا من قبل جهاز المخابرات البريطاني (MI6) وفقا لديفيد شايلر، واشتبكت مع قوات الأمن الليبية في اشتباكات مسلحة خلال منتصف إلى أواخر التسعينيات، واستمر أعضاؤها في استهداف المصالح الليبية وانخرطوا في اشتباكات متفرقة مع قوات الأمن الليبية وخاصة في المنطقة الشرقية.

مراقبون يقولون إن عبدالحميد الدبيبة عرض على الرئيس السابق للجماعة المقاتلة عبد الحكيم بالحاج العودة إلى طرابلس

وثبت تورط الحاسي في العمليات الإرهابية وكان من بين الإرهابيين المعتقلين في سجن أبو سليم بطرابلس، وعرف بعد أحداث 17 فبراير 2011 من خلال ظهوره على القنوات الفضائية، وعمل أستاذا لمادة العلوم السياسية في جامعة بنغازي، وقد اختارته منظومة فجر ليبيا لتولي منصب رئيس حكومة الإنقاذ في طرابلس خلال الفترة من 6 سبتمبر 2014 حتى 31 مارس 2015، حيث عرف بدعمه القوي لمجلس شورى ثوار بنغازي، وقاداته، وعلى رأسهم وسام بن حميد، وحربهم ضد الجيش الوطني الليبي، وذلك على الرغم من مبايعتهم لتنظيم داعش الإرهابي.

وفي 1 ديسمبر 2016، أعلن الحاسي عن تشكيل المجلس الأعلى للثورة، الذي ادعى البعض أنه هيئة تنفيذية موازية، وكانت له أهداف عدة، إلى أن جاء تعيينه مستشارا للدبيبة ليشير إلى طبيعة التحالفات بين رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها وبين تيار الإسلام السياسي، ومحاولته الاستقواء بالجماعات الدينية في مواجهة غضب الشارع وفي ضمان البقاء في سدة الحكم سنوات أخرى.

ورغم محاولة نفي الخبر، إلا أن هناك من المراقبين، من يرى أن قرار الدبيبة تعيين الحاسي مستشارا له، يأتي في سياق التحالفات والتوازنات السياسية الجديدة ومحاولة اللعب علي الاستقطاب القبلي والجهوي والمناطقي، ومحاولة استغلال تيار الإسلام السياسي المتشدد في السيطرة على الشارع المنتفض والتحريض على مؤسسات المنطقة الشرقية.

ويضيف المراقبون، أن الدبيبة على اتصال بقيادات تيار الإسلام السياسي، وهو الذي عرض مؤخرا على الرئيس السابق للجماعة المقاتلة عبدالحكيم بالحاج العودة إلى طرابلس بعد سنوات إقامته في تركيا حيث يدير استثماراته الضخمة الموزعة على أكثر من دولة أوروبية وأفريقية وآسيوية.

وفي وقت سابق، اعتبر رئيس دار الإفتاء في طرابلس الصادق الغرياني أن حكومة الدبيبة “أقل الأجسام السياسية في ليبيا ضررا،” وأن مخرجات اللجنة الاستشارية التي شكلتها بعثة الأمم المتحدة لتقديم مقترحات لمعالجة القضايا العالقة في الإطار الانتخابي «هراء وفساد» سبق أن حذر منه حين إنشاء اللجنة المكونة من 20 خبيرا وطنيا.

هناك من المراقبين من يرى أن قرار الدبيبة تعيين الحاسي مستشارا له، يأتي في سياق التحالفات والتوازنات السياسية الجديدة

وقال الغرياني “ثمة قواعد تستند إلى آيات الله، وصحيح السنة، واتفقت الأمة عليها إنه في حال إذا كان أمامك شران ولا بد أن تختار أحدهما فعليك شرعا أن تختار أقلهما، ولا تصر على اختيار أكثرهما شرا انتصارا لعصبية أو حزب كي لا تموت موتة الجاهلية.”

ويعد الغرياني المعزول من قبل مجلس النواب منذ نوفمبر 2014 ويحظى بشرعية سلطات طرابلس، من أبرز الداعين للضغط على جهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي والمتخصص في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة من أجل الإفراج عن عناصر الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي يتحدر عدد كبير منها من المنطقة الشرقية، وذلك بهدف تجييشهم من جديد للحرب ضد قوات الجيش الوطني.

ورأى مراقبون، أن من بين أبرز دوافع الحرب المعلنة على جهاز الردع العمل على السيطرة على سجن معيتيقة للاستقواء لاحقا بالسجناء من المتشددين داخله.

واعتبر عضو دار الإفتاء عبدالله الجعيدي، أن المطلب بسيط وواضح وهو تسليم كارة لسجن الردع، بحسب تعبيره، وقال: “ما سر تمسك عبدالرؤوف كارة بإدارة سجن يضم أكثر من خمسة آلاف سجين بحسب تقرير المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية؟، ويتحمل في سبيل ذلك كل هذه الانتقادات والضغوطات مع أن المطالب واضحة وبسيطة تسليم السجن للدولة بإشراف النائب العام.”

وأضاف: “لو كان حريصا إلى هذه الدرجة على عدم إفلات المجرمين من العقاب فليتم تسليمه بإشراف دولي أو أي طريقة آمنة، ويبقى سر التمسك بإدارة السجن مع شهادات الانتهاكات الإنسانية وجرائم القتل خارج القانون والابتزاز والإخفاء القسري جرائم يلاحقها القانون الدولي قبل المحلي ولا تسقط بالتقادم،” وفقا لحديثه.

وفي السياق ذاته، قام مسلحون من القوة المشتركة بمصراتة ومجلس شورى ثوار بنغازي الأسبوع الماضي باقتحام مقر جهاز المخابرات العامة بطرابلس الخاضع لحماية جهاز الردع، وقد طالبت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي، بمحاسبة المتورطين في الهجوم، واصفة المشهد بـ”المهين والمدان والمرفوض.”

وأكدت اللجنة، في بيان، أنها تتابع هذا الاقتحام بقلق بالغ، معتبرة إياه اعتداء على منظومة معلوماتية وسيادية وأمنية، ويعكس حالة من الانفلات الأمني والانكشاف الخطير، كما يثبت – بحسب البيان – أن العاصمة “مختطفة بالكامل وأن القرار لا تصنعه مؤسسات رسمية بل يُفرض بقوة السلاح والبلطجة.”

من بين أبرز دوافع الحرب المعلنة على جهاز الردع العمل على السيطرة على سجن معيتيقة للاستقواء لاحقا بالسجناء من المتشددين داخله

وحمّلت اللجنة المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية “مسؤولية السكوت عن هذه الجريمة،” معتبرة أن هذا الصمت يرقى إلى درجة التواطؤ، ويمثل تخلياً عن السيادة الليبية وتفريطاً بالأمن القومي، ما يستوجب المساءلة القانونية، حسب البيان.

وشددت على أن “جهاز المخابرات العامة الليبي ليس ملكًا لأي حكومة أو جهة مسلحة، بل هو مؤسسة وطنية يجب أن تظل بمنأى عن العبث والتسييس،” محذرة من أن “استمرار هذا النهج يعني التوجه نحو احتراق شامل وانهيار الدولة الليبية.”

وأصدرت اللجنة أمرا بفتح تحقيق فوري عبر المحامي العام والنيابات المختصة لمحاسبة جميع المتورطين في هذا العمل، فيما أكدت أوساط مطلعة أن عناصر مجالس الشورى الفارة من ضربات الجيش في المنطقة الشرقية، تعتبر جزءا من تحالف الميليشيات الموالي لحكومة الدبيبة والساعي للسيطرة على العاصمة طرابلس والمدن الأخرى المجاورة بعد استهداف جهازي دعم الاستقرار والردع.

في الأثناء، أكد القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة بلقاسم حفتر حرص القيادة العامة على وحدة ليبيا وسلامة أراضيها، مضيفا أن القوات المسلحة ستكون لها الكلمة الفاصلة في اللحظة الحاسمة.

وأشاد حفتر في كلمة بعد الاستعراض العسكري الضخم الذي تم تنظيمه بالمدينة العسكرية في بنغازي، بدور قوات القيادة العامة في دحر قوى الإرهاب والتطرف، مؤكدا أنها قاتلت بالنيابة عن العالم بأسره.

وخاطب حفتر القوات المشاركة في الاستعراض العسكري: “أنتم الدرع والسيف على الحدود للدفاع عن هذا الوطن العزيز.. نحن كلنا فداء لليبيا وعزتها ووحدة ترابها وستكون لقواتكم المسلحة الكلمة الفاصلة في اللحظة الحاسمة،” مشددا على أن “الهدف الأساسي لقواتكم المسلحة هو استعادة الدولة الليبية وهيبتها وتعزيز الأمن والاستقرار وأن تكون ليبيا آمنة مستقرة موحدة” و”نحن مع إرادة الشعب الليبي ورهن إشارته.”

من جانبه، أكد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، أن الشعب الليبي قال كلمته بوضوح ضد الإرهاب والتطرف، معبرًا عن دعمه الكامل للقوات المسلحة التي حققت الأمن والاستقرار وحمت السيادة الوطنية.

وأوضح صالح أن الشعب الليبي توحد بشجاعة عسكريين ومدنيين، وأعلن رفضه لكل أشكال التطرف الذي يشوه قيم الإسلام والمبادئ الإنسانية، مؤكدًا أن الكرامة والأمن والسلام حقوق طبيعية يجب الدفاع عنها.

4