الدبيبة يحشد ميليشيات مصراتة لتثبيت حكمه في طرابلس

أمراء الحرب تبنوا خيارات الدبيبة وقطعوا الطريق أمام جهود مجلس النواب ومجلس الدولة والبعثة الأممية لحلحلة الأزمة.
الأربعاء 2025/06/11
الدبيبة يواجه رفضا شعبيا واسعا

تتجه الأوضاع في غرب ليبيا إلى المزيد من التردي بعد لجوء رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة إلى الاستقواء بميليشيات مسقط رأسه مصراتة ضد العاصمة طرابلس من أجل تشديد الخناق عليها بتصفية معارضيه وبسط نفوذ الجماعات المسلحة الموالية له بما يساعده على تثبيت حكمه إلى أجل غير مسمى. ويشهد الشارع الليبي حاليا جدلا واسعا حول مخرجات لقاء الدبيبة مع عدد كبير من أمراء الحرب وقادة الميليشيات الموالين لسلطته في مصراتة الاثنين الماضي، في ظل تفاقم حالة الاحتقان في طرابلس.

وأفادت تقارير إعلامية بأن أمراء الحرب الذين اجتمع بهم الدبيبة أكدوا أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب وقت، وأعلنوا رفضهم القاطع لأي مرحلة انتقالية جديدة أو تشكيل حكومة بديلة خارج إطار صناديق الاقتراع، وهو ما يعني تبني خيارات رئيس الحكومة وقطع الطريق أمام جهود مجلس النواب ومجلس الدولة والبعثة الأممية والقوى السياسية الوطنية لحلحلة الأزمة الحالية وكسر الجمود عبر تشكيل حكومة موحدة قادرة على تهيئة الظروف الملائمة لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية المعطلة منذ وصول الدبيبة وفريقه إلى الحكم.

وأشارت التقارير إلى أن اجتماع الدبيبة بأمراء الحرب في مصراتة توصل إلى اتفاق على تفكيك ودمج التشكيلات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة ضمن مؤسسات الأمن والجيش، وتأمين المنشآت السيادية والمرافق الحيوية ومنع أي اعتداءات أو تهديدات مسلحة، وتنسيق الجهود الأمنية بين وزارتي الدفاع والداخلية لتوحيد القرار الميداني، ودعم اللجنة المؤقتة للترتيبات العسكرية في تنفيذ قراراتها وتعزيز الاستقرار، وتثبيت الحضور الأمني الشرعي في الشارع، وطمأنة المواطنين بمنع أي انزلاق للمواجهات.

وحمّل علي الصول، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، حكومة الدبيبة ووزارة الدفاع التابعة لها المسؤولية الكاملة عمّا يجري. وقال إن ما يقوم به الدبيبة يشكل تهديدًا مباشرا لأمن وسلامة المواطنين بالعاصمة، ولذلك عليه الرحيل فورًا، معتبرا أن المجموعات الموالية له هي التي اخترقت الهدنة.

وأكدت أوساط ليبية مطلعة أن اجتماع الدبيبة مع قادة الميليشيات وأمراء الحرب في مصراتة أكد بما لا يدع مجالا للشك أن الوضع في غرب ليبيا يتجه بسرعة نحو العودة إلى مربع العنف والفوضى، وأن هناك حربا فاصلة خلال الأيام القادمة، بهدف تثبيت السلطة القائمة والتي أكدت بوضوح أنها غير مستعدة للتخلي عن السلطة، وأن ما يهمها هو خدمة مصالحها الأسرية والفئوية والجهوية على حساب مصالح الشعب الليبي.

وتشير الأوساط ذاتها إلى أن الدبيبة يخطط للدفع بميليشيات مصراتة للسيطرة على طرابلس بعد اغتيال رئيس جهاز دعم الاستقرار عبدالغني الككلي (المعروف بـ”غنيوة”) في مايو الماضي، مضيفة أن الهدف الحالي هو جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ورئيسه عبدالرؤوف كارة الذي يحظى بشعبية واسعة في المنطقة الغربية.

◙ الشارع الليبي يشهد جدلا واسعا حول مخرجات لقاء الدبيبة مع عدد كبير من أمراء الحرب وقادة الميليشيات الموالين لسلطته في ظل تفاقم حالة الاحتقان في طرابلس

وأكد الناشط السياسي حسن الصغير أن الاشتباكات المتكررة بين التشكيلات المسلحة في طرابلس تكشف عن صراع داخلي على النفوذ داخل العاصمة، في وقت تعمل فيه ميليشيات مصراتة على تعزيز موقعها كلاعب محايد يهيئ الطريق لتولي شخصية من المدينة رئاسة الحكومة المقبلة. وأوضح الصغير أن المواجهات الأخيرة بدأت باغتيال غنيوة على يد محمود حمزة، تلاه هجوم على ميليشيات الردع، لتتدخل ميليشيات من مصراتة لفض الاشتباك. وأضاف أن الأمر تكرر مع اندلاع اشتباكات بين ميليشيات الردع ومجموعات تابعة لعماد الطرابلسي، حيث تدخلت أيضًا ميليشيات مصراتة في محاولة للتهدئة.

واعتبر أن هذه التحركات تظهر ميليشيات مصراتة بمظهر الوسيط الحريص على الاستقرار، في حين أن الهدف الحقيقي هو تمهيد الطريق لشخصية مصراتية تخلف الدبيبة، مستفيدة من إضعاف باقي التشكيلات المسلحة نتيجة الصراع المحتدم بينها، مؤكدا أن هذا السيناريو قد يُفضي إلى تهميش بقية الفصائل، وفرض واقع جديد يكون فيه القرار السياسي والعسكري في قبضة طرف واحد يُقدَّم على أنه الأقدر على ضبط الأمن وقيادة المرحلة القادمة.

وتشهد طرابلس وضواحيها المزيد من التحشيدات الميليشياوية والتعزيزات الأمنية، فيما حذر عميد بلدية تاجوراء السابق حسين بن عطية من حرب داخل قلب العاصمة، مشيرا إلى أنها ستكون بداية أزمة إنسانية غير مسبوقة، يتبعها انقطاع وتوقف فوري وتام للخدمات والحاجيات الأساسية.

وأشار بن عطية إلى أن الحرب هذه المرة ستكون حول مؤسسات الدولة، المصرف المركزي ومؤسسة النفط ومقر الحكومة والوزارات والهيئات والمصارف وشركة الخدمات وغيرها، لافتا إلى أن خطورة أي عدوان على طرابلس عاصمة كل الليبيين مهما كانت مبرراته تكمن في إمكانية تهجير سكان العاصمة وإقفال تام أو تدمير لكل مؤسسات الدولة، وأردف أن الحرب حين تبدأ لن تكون محصورة في منطقة محددة بل ستنتشر المقاومة في كل مكان، مؤكدًا أن حرب المدن لا تحسمها دبابات ولا مدافع.

 وكانت وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية، والتي يدير حقيبتها الدبيبة نفسه، أكدت أنها تابعت عن كثب تحركات ميدانية مفاجئة في طرابلس، ووصفتها بأنها خرق واضح للترتيبات الأمنية والتفاهمات المعتمدة، مشيرة إلى أنها تدخلت عبر قنواتها الرسمية ونجحت في ضبط الموقف وفرض احترام الهدنة. وأضافت الوزارة أن العناصر المخالفة انسحبت من المواقع التي تمركزت فيها، وعادت إلى مواقعها السابقة، مؤكدة التزام الوزارة بقرارات القائد الأعلى للجيش الليبي (المجلس الرئاسي) واستعدادها لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية السيادة الأمنية للعاصمة.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن الدبيبة يخطط للقضاء على جهاز الردع وهو يعمل على توفير تحالفات ميدانية تساعده على ذلك، انطلاقا من أن القضاء على القوتين الأبرز في طرابلس (دعم الاستقرار والردع) يشكل بالنسبة إليه غطاء شرعيا للبقاء في الحكم، وهو الذي قدم وعودا لواشنطن وعواصم أوروبية عدة بأنه قادر على تحرير طرابلس من سيطرة الميليشيات، ولكن دون أن يوضح الطريقة التي سيعتمدها في القضاء على ميليشيات مصراتة بعد أن يمكنها من بسط نفوذها على مؤسسات الدولة الحيوية في العاصمة.

وكان المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية أعلنا الاتفاق على تشكيل لجنتين، أمنية وحقوقية، تتوليان الإشراف على خطة ترتيبات أمنية جديدة ومراجعة أوضاع السجون، وسط ترحيب لافت من وزارتي الداخلية والدفاع، لكن تبين أن الهدف الحقيقي منها هو إخراج بعض القوى الميدانية في طرابلس من المعادلة مقابل فتح المجال أمام الميليشيات الوافدة من مصراتة والعناصر التي سيتم إطلاقها من السجون وفق ما نادت به جماعات الإسلام السياسي وفي مقدمتها تيار دار الإفتاء بزعامة صادق الغرياني.

4