الدبيبة يحاول تلافي الحرج مع الخارج في ظل تفاقم أزمة تطوير حقل "الحمادة"

هل ينجح رئيس حكومة الوحدة الليبية في تجاوز المعترضين.
الجمعة 2024/01/19
ماض في مشاريعه رغم الاعتراضات

تتفاعل أزمة تطوير حقل الحمادة النفطي الواقع في جنوب العاصمة الليبية طرابلس،  مع اقتراب موعد توقيع حكومة الوحدة لاتفاقية مع تحالف لعدد من الشركات الدولية الكبرى، والتي تلقى معارضة من قبل عدد من الجهات الليبية لدواع لا تخلو من حسابات سياسية. 

طرابلس- يصرّ رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة على المضي قدما في إجراءات تطوير حقل الحمادة، رغم الجدل الذي يثيره الملف، حيث ترى مكونات سياسية أن المشروع المطروح هو تفريط في المقدرات العامة.

ودعا رئيس حكومة الوحدة خلال اجتماع مع رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، ووزيري المواصلات والدولة لشؤون رئيس الحكومة ومجلس الوزراء، إلى الاستمرار في إجراءات تطوير الحقل بعد معالجة أية ملاحظات فنية أو قانونية، وضمان شفافية الإجراءات وسلامتها.

 وشدّد خلال الاجتماع الذي هدف إلى بحث ملف الاستثمار في النفط والغاز، على ضرورة الالتزام بكافة الملاحظات الواردة من الجهات الرقابية بشأن المشاريع الإستراتيجية، ومواصلة تنفيذ المشروعات الاستثمارية، والاستفادة من كافة الخبرات العالمية وخلق شراكات مع الشركات الوطنية المحلية لرفع كفاءتها.

فرحات بن قدارة: مشروعات القطاع النفطي تحتاج لمستثمرين أجانب
فرحات بن قدارة: مشروعات القطاع النفطي تحتاج لمستثمرين أجانب

ويرى مراقبون، أن موقف الدبيبة يمثّل تحديا لمعارضي اتفاقية تطوير حقل الحمادة، التي تعتزم حكومة الوحدة الوطنية توقيعها أواخر يناير 2024، والتي أعلنت عدة جهات ليبية عن معارضتها لها على غرار مجلس النواب والنيابة العامة وديوان المحاسبة.

ويشير المراقبون إلى أن الدبيبة يواجه موقفا داخليا صعبا لاعتبارات سياسية أو نتيجة شبهات فساد قد تلاحق حكومته، كما يجد نفسه في حرج مع الأطراف الخارجية ذات العلاقة بالاتفاقية والتي تدعم موقفه السياسي وتدافع عن وجهة نظره من موضوع الانتخابات ورغبته في البقاء على كرسي الحكم إلى أجل غير مسمى.

وينتظر أن تتولى لجنة مكونة من ممثلين عن وزارة النفط ومجلسي النواب والدولة وديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية والمؤسسة الوطنية للنفط، مراجعة الاتفاقية للتأكد من ضمان حقوق ليبيا المالية والاقتصادية من المشروع، إلى جانب دراسة إمكانية تنفيذه عبر شركات محلية بتمويل وطني بدلا من الشركة الأجنبية.

وفي الرابع من يناير الجاري، عرض فريق المؤسسة الوطنية للنفط تاريخ القطعة المراد تطويرها بحقل الحمادة، ومراحل تطور المفاوضات، والعروض المقدمة من ائتلاف شركات هي: “إيني” الإيطالية و”توتال” الفرنسية ومؤسسة الطاقة التركية و”أدنوك” الإماراتية لتطوير الحقل النفطي الواقع بمنطقة الحمادة الحمراء وسط جنوب حوض غدامس على بعد نحو 500 كم جنوب مدينة طرابلس.

من جهته أكد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، أن المؤسسة عكفت على تفعيل مشاريع التطوير والاستكشاف المتوقفة منذ سنوات دون مبرر لذلك، وخلق شراكات عالمية بهدف زيادة إنتاج النفط والغاز، موضحاً أن مشروعات القطاع تتطلب تدفقات مالية كبيرة وتحتاج لمستثمرين أجانب لضمان تنفيذها وفق الجداول الزمنية المعتمدة.

محمد عون: نحو 30 بالمئة إلى 40 بالمئة من مساحة ليبيا لم تُستكشف بعد
محمد عون: نحو 30 بالمئة إلى 40 بالمئة من مساحة ليبيا لم تُستكشف بعد

والإثنين الماضي، أشار رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك إلى ضرورة التحقق من ملاءمة وجدوى المشروعات ومدى إمكانية واستعداد المؤسسة لإنجازها بتمويل ذاتي، وهو ما يتطلب المزيد من الشفافية والإفصاح وأخذ الوقت الكافي للدراسة من أجل الوصول إلى فهم مشترك حولها.

 وأوضح بن قدارة خلال الاجتماع مع الدبيبة  الخلفيات التي قادت إلى البحث عن مستثمر خارجي لإنجاز بعض المشروعات الإستراتيجية، موضحا أن الاستثمار في هذا المجال يحتاج إلى تمويل ضخم وانسياب ملائم في التدفقات المالية قد تعجز المؤسسة عن الإيفاء به في ظل الظروف الاقتصادية القائمة، وهو ما حدا بالمؤسسة إلى البحث عن مستثمر أجنبي مستقر، لقناعتها بالحاجة الضرورية والملحة للدخول في مشروعات جديدة في مجال النفط والغاز، مؤكداً التزام المؤسسة بملاحظات الديوان وحرصها على العمل بتوصياته.

وبحسب وزير النفط والغاز بحكومة الوحدة، محمد عون، فإن ليبيا تملك احتياطيا كبيرا من النفط والغاز، وهي تشهد استقرارا واضحا يجعل المناخ الاستثماري واعدا للشركات النفطية العالمية لاستئناف نشاطها المتوقف أو الدخول في شراكات جديدة.

ورحب عون خلال قمة الطاقة والاقتصاد التي انعقدت في طرابلس السبت والأحد الماضيين، بأي تعاون مشترك مع أي من الجهات المشاركة في القمة، ما بين شخصيات وزارية دولية أو شركات عالمية بارزة في عالم النفط والطاقات المتجددة، مشيرا إلى أن نحو 30 بالمئة إلى 40 بالمئة من مساحة ليبيا لم تُستكشف بعد.

لكن وزارة النفط والغاز في حكومة الوحدة، دعت أصحاب القرار إلى إعادة النظر في المفاوضات الممهدة لإبرام عقد تطوير حقل الحمادة النفطي الواقع جنوب طرابلس، والعمل بتوجيهات الجهات الرقابية والقضائية والأخذ بما قدمته الوزارة في هذا الشأن من رأي فني، ورحبت  في بيان، بما وصفتها بالمواقف الوطنية، موضحة أنها خاطبت مجلس النواب وحكومة الوحدة الوطنية وديوان المحاسبة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والنائب العام من أجل تنبيههم بالأخطار والمساوئ والمضار الناجمة عن إبرام هذا الاتفاق.

خالد شكشك: هناك العديد من المخالفات والإخلالات في الإجراءات التي اتبعتها المؤسسة الوطنية للنفط بشأن مفاوضات مشروع تطوير حقل الحمادة
خالد شكشك: هناك العديد من المخالفات والإخلالات في الإجراءات التي اتبعتها المؤسسة الوطنية للنفط بشأن مفاوضات مشروع تطوير حقل الحمادة

وترى أوساط ليبية أن الأزمة المتعلقة باتفاقية تطوير حقل الحمادة آخذة في التفاقم، وأن هناك أطرافا مثل مجلس النواب، تعتبر حكومة الدبيبة غير مؤهلة لعقد اتفاقيات كبرى في ظل الجدل الواسع حول شرعيتها القانونية والدستورية والسياسية، وبسبب شبهات الفساد التي تلاحقها، كما أن تيار الإسلام السياسي وحلفاءه يعارضون الاتفاقية نتيجة مواقف مسبقة من بعض الدول الممثلة في ائتلاف الشركات المتقدمة للصفقة.

وكان رئيس ديوان المحاسبة وجه كتابا إلى الدبيبة، أشار في مقدمته إلى خطابه المؤرخ في 15 نوفمبر الماضي المرسل إلى رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط بشأن طلب إيقاف إجراءات التفاوض على مشروع تطوير الاكتشافات النفطية والغازية في حوض الحمادة مع شركات “أيني” و”توتال” و”أدنوك”، وذكر أنه طلب من بن قدارة، وقف التفاوض على مشروع تطوير حقل الحمادة إلى حين استكمال الديوان لأعمال المتابعة والاطلاع على الدراسات والتقارير الفنية والتحقق من صحة وسلامة الإجراءات التي قامت بها المؤسسة بخصوص هذا المشروع.

وفي بيان لاحق، أشار شكشك إلى وجود العديد من المخالفات والإخلالات في الإجراءات التي اتبعتها المؤسسة الوطنية للنفط بشأن مفاوضات مشروع تطوير حقل الحمادة، ووجه انتقادات لاذعة لإدارة المؤسسة، متهما إياها بالإصرار غير المبرر على التوقيع على الاتفاقية والمضي قدما في المشروع بالرغم من الملاحظات العديدة من بينها عدم الشفافية في اختيار الشركاء، ومنح الشركاء حصص إنتاج عالية جدا، وعدم الاستفادة المثلى من المزايا والظروف المواتية في المنطقة، إلى جانب ضعف دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، حسب تعبيره.

وطالب بدوره المجلس الأعلى للدولة من حكومة الوحدة، والمؤسسة الوطنية للنفط، بالوقف الفوري للمفاوضات الجارية لإبرام عقد تطوير الحقل وأكد رفضه التام، لما اتخذته المؤسسة الوطنية للنفط من خطوات في هذا المقام، وقال إن ذلك يعد من قبيل التفريط في المقدرات العامة، ومثالا صارخا على مخالفة التشريعات الوطنية النافذة، وخرقا واضحا لنصوص الاتفاق السياسي الليبي بالصخيرات والوثائق الدولية ذات الصلة.

وربطت مصادر ليبية بين موقف مجلس الدولة الذي يجمع تيارات الإسلام السياسي، وبين موقف رئيس دار الإفتاء الصادق الغرياني الذي سبق وأن دعا الليبيين إلى الخروج على المؤسسة الوطنية للنفط، وحرض ضد بعض الدول التي يراها مناوئة لمشروعه، وهو ما يشير إلى تسييس واضح للاتفاقية وخروج بها عن طابعها التقني والاقتصادي، واستعمالها في تصفية حسابات سياسية مع قوى إقليمية كان لها موقف واضح من جماعة الإخوان وقوى التطرف التي حاولت بسط نفوذها على ما سميت بدول الربيع العربي ومنها ليبيا بعد العام 2011.

وبدوره، اتهم مجلس النواب في بيان، الحكومة بأنها تعتزم التنازل عن 40 بالمئة من الحقل لصالح ائتلاف الإيطالية والفرنسية والتركية والإماراتية، وحذّر الدول المعنية من التورط في استغلال الظروف التي تمر بها البلاد لأجل نهب ثرواتها وإتمام صفقات فاسدة، وفق تعبيره.

وفي ديسمبر الماضي،أعلن النائب العام الليبي، الصديق الصور، إيقاف تنفيذ اتفاقية تطوير حقل الحمادة الحمراء النفطي.

وينتظر أن يشهد الملف تطورات مهمة خلال الأيام القادمة، لاسيما في ظل إصرار الدبيبة على إبرام الاتفاقية وقدرته على ضمان صمت الصادق الغرياني كما فعل في مناسبات عدة خلال العامين الماضيين، وكذلك في ظل صمت القيادة العامة للجيش الوطني الذي يفسره محللون بالموافقة على الاتفاقية أو على الأقل بعدم الاعتراض عليها.

4