الدبيبة وميلوني يفعّلان معاهدة القذافي وبرلسكوني

رئيسة الحكومة الإيطالية: سنضع الأسس لمرحلة جديدة في علاقاتنا الاقتصادية والتجارية.
الخميس 2024/10/31
إيطاليا تسعى لاسترجاع موقع مؤثر في ليبيا

أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبدالحميد الدبيبة ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تفعيل عدد من اتفاقيات شراكة بين البلدين، وهو ما يمهد لعودة إيطاليا لتسجيل حضور قوي في ليبيا والتأسيس لمرحلة تعاون اقتصادي جديد.

عادت إيطاليا بقوة لتسجيل حضورها المتميز في ليبيا مع الإعلان رسميا عن الانطلاق في تفعيل معاهدة الصداقة والشراكة والتعاون المبرمة بين روما وطرابلس في العام 2008. وعبّر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة عن سعادته بـ”التقدم الإيجابي في مسار إعادة تفعيل اتفاقية الصداقة والتعاون المتوقفة منذ 14 عاما”، فيما اعتبرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أن العلاقات مع ليبيا تعد أولوية لحكومتها.

وبمناسبة الاحتفاء بعودة منتدى الأعمال الإيطالي – الليبي إلى الانعقاد مجددا الثلاثاء في العاصمة طرابلس بعد غياب دام 10 سنوات، قالت ميلوني “إننا نضع الأسس لمرحلة جديدة تماما في علاقاتنا الاقتصادية والتجارية”، وخاطبت مسؤولي البلدين “نحن نفعل ذلك مع إدراكنا بأن إيطاليا وليبيا هما دولتان صديقتان، تربطهما قرون من التاريخ المشترك، وأن مصائرنا متشابكة ونحن أقرب بكثير إلى بعضنا البعض مما نتذكره في الكثير من الأحيان".

ويرى مراقبون أن إيطاليا استطاعت أن تسترجع نفوذها التاريخي في مستعمرتها السابقة، وأن تتفوق على الدول الأوروبية الأخرى من حيث خطواتها الجدية ومواقفها البراغماتية والتي تستند بالأساس إلى دعم سلطة الأمر الواقع وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ويشيرون إلى أن المصالح هي التي تحكم العلاقات بين ليبيا وإيطاليا، وأن ميلوني تحترم هذا المبدأ، كما أن الدبيبة يتعامل معه بجدية كاملة في سياق الانسجام التلقائي مع متطلبات المرحلة ومع سياسة البحث عن حلفاء يدعمون استمرار الوضع الليبي على ما هو عليه.

وأعلن الدبيبة عودة الخطوط الجوية الإيطالية إلى العمل من المطارات الليبية بشكل رسمي، وقال خلال افتتاح المنتدى الاقتصادي الليبي – الإيطالي في طرابلس “علاقات ليبيا وإيطاليا تشهد تطورا كبيرا في الفترة الأخيرة، ووجود رئيسة الوزراء ميلوني يؤكد حرصها على تعزيز التعاون مع بلدنا”، مشيرا إلى أن “الحضور الكبير للمسؤولين ورجال الأعمال الإيطاليين يؤكد حالة التعافي التي تشهدها ليبيا في الآونة الأخيرة". وتابع الدبيبة "سنطلق قريبا مشروع الطريق الساحلي إمساعد – رأس جدير"، ولفت إلى قيام حكومته بتفعيل الاتفاقية المتعلقة بالمنح الدراسية والتعاون الثقافي بين ليبيا وإيطاليا.

◙ محمد الشهوبي وزير المواصلات في حكومة تصريف الأعمال أعلن بدء تفعيل اتفاقية الصداقة والتعاون الليبية - الإيطالية
◙ محمد الشهوبي وزير المواصلات في حكومة تصريف الأعمال أعلن بدء تفعيل اتفاقية الصداقة والتعاون الليبية - الإيطالية

من جانبه، أعلن وزير المواصلات في حكومة تصريف الأعمال محمد الشهوبي بدء تفعيل اتفاقية الصداقة والتعاون الليبية – الإيطالية، وقال إن “مجلس الوزراء أذن بالتعاقد مع شركة توديني الإيطالية لتنفيذ مشروعات بنية تحتية في قطاع الطرق، إذ تضمنت الاتفاقية تطوير القطاعين الفرعيين الخمس – العزيزية بطول 134 كيلومترا والعزيزية – رأس جدير بطول 160 كيلومترا".

وبحسب الوزير، فإنه من المقرر أن يجري خلال المنتدى منح خطاب القبول للعرض المقدم من الشركة الإيطالية، وذلك للبدء في التحضيرات واستكمال إجراءات التعاقد، معتبرا أن "هذه الخطوة تأتي تمهيدا لتوقيع العقد النهائي لمشروع تنفيذ طريق العزيزية – رأس جدير، بهدف تعزيز البنية التحتية وتطوير شبكات الطرق بالتعاون مع شركاء دوليين".

وأوضح وزير الأعمال والصناعة في إيطاليا دولفو أورسو أن "منتدى الأعمال الليبي الإيطالي يعد إشارة للدول الأوروبية الأخرى: نأمل في تعاون جديد ومتساو بين إيطاليا وليبيا وأيضا بين أوروبا وليبيا”، وتابع أن “هذا المنتدى الاقتصادي مطلوب بشدة من قبل ميلوني، وهو يمثل نقطة تحول مهمة وهامة مقارنة بما حدث للأسف في السنوات الأخيرة في ليبيا".

وحول الاتفاقيات الثماني الموقعة في منتدى الأعمال الإيطالي – الليبي، قال أورسو في تصريحات صحفية إنها “تفتح آفاقا جديدة، أولا وقبل كل شيء في ما يتعلق بالتعاون، ولكن أيضا في ما يتعلق بالتبادل التجاري، فضلا عن الاستثمارات الإنتاجية في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا". وأضاف أن الاتفاقيات “تفتح مسارات جديدة أيضا في ما يتعلق بالأدوية والتكنولوجيا الحيوية وعلوم الحياة والطاقة المتجددة والمواد الخام المهمة التي تخدم التحول المزدوج الذي تريد أوروبا تحقيقه بالتكنولوجيا الخضراء والتكنولوجيا الرقمية".

ووقّع البلدان مذكرة تفاهم بشأن تعاون مصلحتي الطيران المدني في البلدين، وأخرى في مجال التعاون الصحي بين جهاز دعم وتطوير الخدمات العلاجية ومؤسسة “جي.كي.أس.دي” للاستثمار، ومذكرة بين اتحاد غرف التجارة الليبي ونظيره الإيطالي. كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين مركز تنمية الصادرات الليبية ووكالة التجارة الخارجية الإيطالية، وأخرى بين وزارة الحكم المحلي الليبية والغرفة التجارية الليبية الإيطالية، ومذكرة بين حكومة الوحدة والوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي.

وفي يوليو 2018 اتفقت إيطاليا وليبيا على إحياء معاهدة الصداقة التي وقّعت بينهما في 2008 لمعالجة ملف المهاجرين، وذلك خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الإيطالي آنذاك إينزو ميلانيسي لطرابلس، حيث أكد أن “كل الظروف متوافرة للعمل يدا بيد بهدف دعم عملية إرساء الاستقرار والأمن والوحدة في ليبيا”، وأضاف أن ليبيا “تتقاسم مع الاتحاد الأوروبي مسؤولية وواجب مواجهة تدفق المهاجرين”، معتبرا أن “التعاون بين ليبيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي أساسي لحل قضية الهجرة وتجنب (حصول) مآس إنسانية” في البحر المتوسط.

وقال وزير الخارجية الليبي آنذاك محمد سيالة “توافقنا على إحياء معاهدة الصداقة الإيطالية الليبية التي تعود إلى 2008” في إشارة إلى معاهدة الصداقة والشراكة والتعاون التي جرى التوقيع عليها في الثلاثين من أغسطس 2008 من قبل العقيد معمر القذافي وسلفيو برلسكوني رئيس مجلس الوزراء الإيطالي، وتم اعتبارها آنذاك حدثا تاريخيا باعتبارها تضمن اعتذار روما عن سنوات احتلالها للأراضي الليبية.

◙ في يوليو 2018 اتفقت إيطاليا وليبيا على إحياء معاهدة الصداقة التي وقعت بينهما في 2008 لمعالجة ملف المهاجرين

وبحسب المعاهدة، تلتزم إيطاليا بناء على المقترحات المقدمة من القيادة الليبية والمناقشات التي جرت لاحقا، بتوفير الأرصدة المالية اللازمة لتنفيذ مشروعات البنية الأساسية التي يتم الاتفاق عليها بين البلدين في حدود مبلغ خمسة مليارات دولار أميركي، بمعدل ربع مليار دولار أميركي سنويا على مدى عشرين عاما. وتقوم الشركات الإيطالية بتنفيذ هذه المشروعات بعد الاتفاق المشترك على قيمة كل مشروع ويتم تنفيذ هذه المشروعات على مدى 20 عاما وفقا للجدول الزمني الذي يتم الاتفاق عليه بين الطرفين الإيطالي والليبي، على أن تدار الموارد المالية المخصصة مباشرة من قبل الجانب الإيطالي، وتوفر ليبيا كافة الأراضي اللازمة لتنفيذ الأعمال بدون أي أعباء على الجانب الإيطالي والشركات المنفذة.

كما تنص المعاهدة على أن يتم تشكيل لجنة مشتركة متكافئة تتكون من عناصر معينة من الدولتين، وتتولى اللجنة المشتركة تحديد المواصفات الفنية للمشاريع الواردة بالمادة السابقة، وتحدد المدى الزمني الإجمالي وآجال تنفيذ المشاريع، في إطار التدفقات النقدية الواردة في نفس المادة، وعلى أن تلتزم ليبيا على أساس تفاهمات خاصة بالتعامل المباشر مع الشركات الإيطالية، بضمان تنفيذ هذه الشركات لأعمال البنى التحتية الهامة ومشاريع صناعية واستثمارات داخل أراضيها، ويتم تنفيذ المشروعات بالأسعار التي يتم الاتفاق عليها بين الطرفين.

وبحسب المعاهدة، تتولى الحكومة الإيطالية بناء مئتي وحدة سكنية في ليبيا، وستحدد مواقع ومواصفات تلك الوحدات بالاتفاق المشترك، وتخصيص منح دراسية جامعية ولما بعد الجامعة لطيلة مدة الدراسة، لعدد مئة طالب ليبي، تجدد عند نهاية مدة الدراسة لفائدة طلبة آخرين، ويتم تحديد معنى هذا التجدد برسائل متبادلة بين الطرفين لضمان الاستمرارية، وتخصيص برنامج علاج لدى مؤسسات علاجية تخصصية إيطالية، لفائدة بعض المصابين من جراء انفجار ألغام بليبيا، ممن لا يمكن علاجهم بطريقة مناسبة لدى مركز بنغازي للعظام والتأهيل الذي تم إنشاؤه بأرصدة (إدارة) التعاون الإيطالي، بالإضافة إلى استئناف دفع معاشات التقاعد للمستحقين الليبيين من مدنيين وعسكريين ولورثتهم المستحقين لها بموجب اللوائح الإيطالية النافذة، وإرجاع المخطوطات والقطع الأثرية إلى ليبيا المنقولة إلى إيطاليا من الأراضي الليبية إبان الحقبة الاستعمارية.

وأكدت رئيسة الوزراء الإيطالية في خطابها الافتتاحي للمنتدى الاقتصادي الإيطالي – الليبي، التزام حكومتها بدعم ليبيا وشعبها في مرحلة إعادة الإعمار والتنمية. وقالت ميلوني التي زارت طرابلس الثلاثاء للمرة الرابعة منذ توليها مقاليد الحكم في روما، إنها تعمدت الحضور شخصيا لتجديد التزام إيطاليا بالوقوف إلى جانب ليبيا وشعبها، مشيرة إلى وجود العديد من القضايا التي يجب على مجتمعات الأعمال في ليبيا وإيطاليا أن تناقشها، مبينة أن مهمة المؤسسات الحكومية في البلدين هي تشجيع هذا الحوار.

ويرى محللون أن المرحلة القادمة ستشهد حراكا قويا للشركات الإيطالية في ليبيا، وهو ما عبّر عنه رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة محمد الرعيض، عندما أكد أنه تم السماح لرجال الأعمال الإيطاليين بدخول ليبيا دون قيود، بعد إزالة الشروط التي كانت تفرضها الحكومة الإيطالية على دخولهم إلى البلاد.

4