الدبلوماسية الأردنية تبحث عن دور التقريب بين الإمارات ومصر وتركيا

دبلوماسيون يرون أن التوجّه الأردني الجديد قد تنظر إليه مصر والإمارات والسعودية بعين الارتياح في ظل الوضع الإقليمي الملتهب.
الأربعاء 2021/02/10
سرعة في إدراك أهمية التحولات في المنطقة

تميزت السياسة الخارجية الأردنية منذ عقود بالالتزام بالواقعية في التفكير والتخطيط وتجنب الوقوع في أي توتر مع أي طرف إقليمي، مع القدرة على إعادة إنتاج دور عمّان في الشرق الأوسط في عدد من المراحل التي مرت بها المنطقة تاريخيا، وهو ما يؤهل البلد بحسب المراقبين لأن يلعب دورا في التقريب بين الإمارات ومصر من جهة وتركيا من جهة أخرى.

عمان - أثبت الأردن في ظل حكم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني خلال العشرية الأخيرة قدرة على التعامل مع التحولات والتهديدات، وذلك بالنظر إلى موقعه على الخارطة الجيوسياسية التي تحول دون تحقق مخططات تهميش دوره في قضايا المنطقة.

ولذلك وجه المراقبون السياسيون الأنظار إلى هذا البلد وما يمكن أن تقوم به الدبلوماسية الأردنية في لحظة مفصلية تعيشها المنطقة، بعد أن كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن احتمال عودة العلاقات إلى طبيعتها بين كل من دولة الإمارات ومصر وتركيا.

واستطاعت العلاقات بين الأردن وكل من الإمارات ومصر الحفاظ على حالة الاستقرار على الرغم من الأجواء العاصفة التي تشهدها المنطقة والتي أثرت سلبا على العلاقات العربية – العربية في وقت من الأوقات.

وفي مقابل ذلك لعب الأردن دورا متوازنا في علاقته مع المحور التركي – القطري في خضم الأزمة الخليجية التي انتهت بالمصالحة في الشهر الماضي. وقد يشكل التوازن الإقليمي منعطفا مهما حتى يكون البلد نقطة التقاء لتسهيل العلاقات بين جميع الأطراف في المنطقة دون خسارة أي منهم.

وتسعى قوى إقليمية على غرار تركيا وإيران إلى اللّعب على وتر التوترات العربية لتحقيق مكاسب إستراتيجية وتعزيز نفوذها في المنطقة، وهذا ما يجعل من الضروري تكاتف الجهود للحيلولة دون تحقق مثل هذه المطامع.

ويقول دبلوماسيون إن التوجّه الأردني الجديد قد تنظر إليه مصر والإمارات وأيضا السعودية بعين الارتياح، في ظل الوضع الإقليمي الملتهب الذي تتحمل كل من تركيا وإيران المسؤولية الأكبر عنه جرّاء سياساتهما وما خلّفته من توترات باتت تهدد بهزّات عنيفة في المنطقة.

وتربط الأردن بكل من الإمارات ومصر وتركيا علاقات احترام متبادل وتنسيق مستمر بشأن أهم القضايا وزيارات متبادلة رفيعة المستوى، وهو ما يؤهله، بحسب محللين، للعب دور الوسيط في تحقيق المصالحة.

ورغم الاختلاف في وجهات النظر بين أنقرة وأبوظبي والقاهرة إلا أن ذلك لم يصل إلى حد القطيعة الدبلوماسية، ما يعني إبقاء الباب مفتوحا لتحسين العلاقات. ويرى محللون أن تصريحات وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، التي قال فيها الشهر الماضي إن على تركيا ألا تكون الداعم الأساسي للإخوان المسلمين وتعديل البوصلة في علاقاتها العربية، هي المدخل لنجاح أي وساطة محتملة.

خالد شنيكات: المتغيرات تدفع الدبلوماسية الأردنية إلى القيام بأدوار أكبر
خالد شنيكات: المتغيرات تدفع الدبلوماسية الأردنية إلى القيام بأدوار أكبر

ومن الناحية السياسية يحتاج تجاوز الخلافات بين الإمارات ومصر من جهة وتركيا من جهة أخرى إلى دولة تجمعها علاقات مميزة بالدول الثلاث على حد سواء، ويبدو أن الأردن يمكنه لعب دور الوسيط لرأب الصدع وتحقيق المصالحة.

وكان الملك عبدالله الثاني قد أكد في مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا) أواخر يناير الماضي حرص بلاده على تجاوز أي خلافات من شأنها التأثير على استقرار المنطقة. وقال “تستهدف سياساتنا بناء وتعزيز علاقات إقليمية ودولية قائمة على التعاون ومبدأ حسن الجوار، ولا نتدخل في شؤون الآخرين ولا نسمح بالتدخل في شؤوننا”.

وأضاف “نقوم بدورنا كاملا في جهود حل الأزمات الإقليمية والدولية أحيانا، وتجاوز التحديات المشتركة وتحقيق السلام العادل خيارا إستراتيجيا”. وتابع “نقدم الأفكار والطروحات والمبادرات التي تتفق مع ثوابتنا ومصالحنا ونتفاعل مع طروحات الآخرين، فنقبل ما ينسجم مع ثوابتنا ونرفض ما يتناقض معها”.

ولدى الأوساط السياسية الأردنية اقتناع بأن مواقف الأردن ودعواته الدائمة إلى الحلول السلمية تجاه مختلف القضايا تؤهله بالتأكيد لأن يلعب دورا مقبولا لدى جميع الأطراف، فالدولة حريصة على وحدة الصف وتوافق الجميع للوصول إلى منطقة خالية من الأزمات والخلافات.

ويؤكد محمد المومني، الوزير الأردني الأسبق وعضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان)، أن “الدبلوماسية الأردنية بقيادة الملك عبدالله تسعى دائما لتحقيق المصالحة والتوفيق في مختلف القضايا، إيمانا برؤية المملكة في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، بعيدا عن أي خلافات”.

أما خالد شنيكات الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية فيعتبر أن متغيرات البيئة الخارجية مع متغيرات البيئة الداخلية تساهم إلى حد كبير في الدفع بالدبلوماسية الأردنية لإعادة العلاقات بين الإمارات ومصر وتركيا.

ومن أبرز تلك المتغيرات، وفق شنيكات، تسلّم الرئيس الأميركي جو بايدن السلطة ووجود العديد من الملفات العالقة بين أنقرة وواشنطن رغم ما يجمعهما من مصالح إستراتيجية.

كما أن الأزمة الخليجية تعتبر متغيرا آخر، وقد انتهت بالتسوية في القمة الخليجية الحادية والأربعين التي انعقدت في الخامس من الشهر الماضي بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

ولم تخف تركيا رضاها عن مسار التهدئة الذي يجري ترتيبه بين السعودية وقطر كونه يوفر للأتراك فرصة لتجسيد حضورهم الإستراتيجي في المنطقة، حيث تعتبر أنقرة أن الموقف السعودي – الإماراتي منها والمقاطعة الرباعية لقطر ساهما في تعثر هذا الحضور وفي عدم التمكن من فرضه كواقع على الأرض.

وأعاد الرئيس رجب طيب أردوغان رسم أولويات بلاده لتكون المنطقة المجال الحيوي لإعادة بعث روح إمبراطورية لا يخفيها، تعتمد بالدرجة الأولى على تمكن أيديولوجي يوفره الإخوان وعلى قدرة مالية وإعلامية تتكفل بها قطر.

ومن هنا يعتقد البعض أن مسألة الوساطة ربما قد لا تجد لها طريقا، حيث يقول شنيكات إن إرث السياسة الخارجية التركية في اتباع سياسة صفر مشاكل لا يزال موجودا ومؤثرا في السياسة التركية.

ومنذ عام 2013 سمحت تركيا لمعارضين مصريين بالإقامة فيها بدافع الدعم الإنساني للمظلومين، عقب تولي عبدالفتاح السيسي السلطة وتصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، ما أجبر عددا من قياداتها وكوادرها على الهجرة إلى دول أخرى خشية الملاحقة.

وأبدت تركيا ليونة تجاه بعض دول المنطقة على غير العادة بسبب الضغوط التي تعيشها بعد قدوم بايدن، حينما أكدت على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو في وقت سابق أن الطريقة الأكثر عقلانية لعودة العلاقات التركية المصرية تكون عبر الحوار والتعاون مع أنقرة بدلا من تجاهلها.

7