الخير شوار: الرواية العربية فن من لا فن له والفيسبوك صوت الحمقى

مع أنه يعد من أهم الأصوات الروائية في الجزائر إلا أن تواضعه وخجله يدفعانه بعيدا عن مركز الضوء، وهو كما يقول في هذا اللقاء “يشعر أنه دخيل على عالم الأدب والأدباء”، ومع ذلك كتب نصا روائيا جد متميز استثمر فيه الحكايا الشعبية والفولكلور وغيرها من التنوعات الثقافية التي يزخر بها عمق الجزائر.
في هذا الحوار ينقلنا الروائي الخير شوار إلى عالمه الأدبي، ويجيب عن أسئلة تتعلق بمساره في الكتابة، الرواية، المركزية الثقافية، والحراك المجتمعي، وغيرها من القضايا.
أن يكون بسيطا وصامتا حالما بهموم أخرى غير همّ الكتابة، ذلك ما كان يراود الروائي الخير شوار منذ الصغر، يقول “بداياتي الأدبية كانت متأخرة، عندما تجاوزت سن العشرين لم أكن أتصوّر نفسي كاتبا، درست الرياضيات وكنت أحلم بأن أكون مصمما معماريا على طريقة ‘لوسيو كوستا’ و’زهاء حديد’ وغيرهما، لكن الحلم توقف عندما أصبت بوعكة صحية جرّتني إلى أزمة وجودية خطيرة، وجدت نفسي بعدها أمارس الرسم الكاريكاتيري، قبل أن أتحوّل إلى الكتابة الأدبية والصحافية في سن السادسة والعشرين”.. فوجدت نفسي أكتب القصة القصيرة والرواية والمقال الأدبي، ولي تجربة في شعر ‘الهايكو’ أصدرتها قبل سنة، ورغم ذلك أجد نفسي لا أنتمي إلى الوسط الأدبي، وأحيانا أشعر بيني وبين نفسي أني ‘دخيل’ على عالم الأدب والأدباء”.
الشهرة الوهمية
يقول الروائي الخير شوار مسترجعا مساره في كتابة القصة إلى ولوج عالم الرواية الصعب “أقصى ما كنت أحلم به حيث كان البلد غارقا في حرب دموية، سبقتها أزمة اقتصادية خانقة أتت على دور النشر العمومية تقريبا، وعلى المجلات والدوريات التي كانت موجودة قبل ذلك، هو أن أنشر نصوصي في الصفحات المتخصصة للصحف اليومية والمشاركة في بعض الملتقيات الأدبية المحلية التي كانت تقام هنا وهناك”، من هنا اتجهت إلى كتابة “نصوص قصيرة في القصة والشعر لسهولة نشرها في الصحف وقراءتها في الملتقيات. كان ذلك في زمن مضى”.
أما اليوم -يضيف- “فقد تحوّلت الرواية إلى ‘فن من لا فن له’، الكل يكتبها أو يحلم بكتابتها، نجد العشرات من العناوين الجديدة في الرواية، أغلبها لشباب غير معروفين إطلاقا، كثير منهم ينشرون نصوصهم الأولى على حسابهم الخاص، طمعا في شهرة سحرية مفاجئة، وسرعان ما يتبدد الوهم، فلا يصمد أمام ذلك الكم المتراكم إلا بعض الأسماء القليلة جدا”.
زمن الكتابة
أما عن روايته الأولى “حروف الضباب” فيقول إنها جاءت “قبل أوانها، كنت ساعتها أكتب القصة القصيرة بغزارة، وأنوي تأجيل مشروع الرواية إلى غاية نضج التجربة، وفجأة جاءت الفكرة التي ولدت قصة قصيرة ووجدت أحداثها وشخصياتها تتشعب في كل الاتجاهات. كانت تجربة غاية في القسوة، خاصة مع الظرف الاجتماعي الذي كنت أعانيه، كانت تحتاج إلى تفرغ لم أكن مهيئا له، إلى أن أنهيتها. والمفاجأة أنها كانت مختلفة عن السياق ‘الحداثي’ الذي كنت متجها إليه في القصة. لقد كشفت ‘حروف الضباب’ جانبي المتكئ على التاريخ والأسطورة، وكان يمكن أن تتطور إلى أجزاء أخرى أو إلى “ملحمة” مثلما صرخ في وجهي الراحل الطاهر وطار الذي قال إن العمل مجهض بذلك الشكل”.
ويقول “اعتقد الجميع أن إصداراتي الروائية ستتوالى، كانت خيبتهم كبيرة عندما طال الأمر، إلى أن جاءت رواية ‘ثقوب زرقاء’ بعد سنين من ذلك، وكانت خيبة بعضهم أكبر عندما كانوا يبحثون عن أسلوب وروح ‘حروف الضباب’ في ‘ثقوب زرقاء’، لكنها كانت مختلفة جذريا. بطل الرواية الثانية جاء فاقدا للذاكرة وأحداثها في مدينة كبيرة ‘متوحشة’ وهي الجزائر العاصمة، وبنيتها جاءت ‘كابوسية’ على حد تعبير الصديقة نوّارة لحرش، لكن ما يجمع العملين مثلما ذهب إليه البعض هو الغرائبية التي تجاوزت الأسطورة بمفهومها الكلاسيكي إلى البنية الداخلية”.
متون الرواية
يبدو سؤال حضور المتن الروائي الجزائري شائكا ومركبا بحسب رأي الخير شوار في مشهد ما يكتب في العالم العربي، حيث أن “عبارة ‘المتن الروائي الجزائري’ تحيل إلى الرواية المكتوبة بالعربية فقط كما ينصرف إلى ذلك ذهن البعض أم أنها تشمل الرواية الجزائرية بمختلف اللغات التي كُتبت بها؟”.. فالرواية الجزائرية خاصة المكتوبة بالفرنسية -يقول- “ولدت ناضجة في خمسينات القرن العشرين على يد مالك حداد ومحمد ديب وكاتب ياسين وغيرهم، ولم تظهر الرواية بالعربية ناضجة إلا في سبعينات القرن نفسه على يدي الراحلين عبدالحميد بن هدوقة والطاهر وطار”..
وأضاف “كان يمكن أن تستفيد الرواية العربية في الجزائر من تراث الكتّاب المغاربة بالفرنسية وخصوصا الرواية الجزائرية، لتجد خصوصيتها، لكن الكتّاب المعربين منذ سبعينات القرن العشرين، في معظمهم راحوا يقتفون أثر الرواية المشرقية، وبعد كل تلك السنين، بدأت الرواية عندنا تقترب إلى حد ما من ‘الروح الجزائرية’ التي كتبها بها الرواد المفرنسون الذين لم نستفد من تجاربهم ولو فعلنا لربحنا نصف قرن من الزمن”.
أدب العشرية السوداء
يقول الروائي الخير شوار، لم تظهر في بدايات العنف الدموي ضمن ما عرف بـ”العشرية الحمراء” أو “السوداء” كتابات قوية عن منجز تلك الحقبة؛ فقد غلب عليها “طابع الريبورتاج الصحافي الذي يتناول تلك المجازر والمآسي، وسرعان ما انفجر جدل حول ‘أدبيتها’، وهنا ظهر مصطلح ‘أدب الاستعجال’ المستعار من تجربة الأدب الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية على غرار رواية ‘صمت البحر’ للكاتب جان برولي الذي نشرها باسم مستعار وهو ‘فركور’ عام 1942 إبان الاحتلال النازي لفرنسا”، وأدى هذا إلى انتشار معنى هذا “المصطلح في الجزائر، وأصبح يطلق على كل الكتابات الجديدة الخارجة عن السياق الرسمي، وأصبح كل من يتناول تلك التيمة المثيرة للجدل يوصف بـ’المستعجل’. ورغم المسافة التي تفصلنا الآن عن تلك الأحداث، ورغم بعض التجارب المهمة التي تناولت الموضوع إلا أنه لم يأخذ حقه من الدراسة والتناول الروائي، خصوصا من قبل الكتّاب الذين عاشوا تلك المرحلة، وقد برز جيل جديد لا يكاد يعرف شيئا عن تلك الأحداث”.
بين مركزيتين
ينظر الروائي الخير شوار إلى مفهوم المركزية الثقافية على النحو التالي: “كثيرا ما يقحم الجزائري -والمغاربي عموما- نفسه في هامش لمركزيتين متجاذبتين، مركزية مشرقية ينجذب إليها ‘المتمشرقون’، وأخرى غربية هي بمثابة بوصلة ‘المستغربين’، وبين هاتين المركزيتين تضيع الجهود وتضيع الذات، ونغرق في معارك أيديولوجية لا علاقة لها بالأدب أو الفن”.
ومع ذلك “انتبه المؤسسون الأوائل للرواية المغاربية المكتوبة بالفرنسية إلى الأمر، وكتبوا أدبا بلغة فرنسية لكن بكثير من العبارات والمصطلحات والروح المحلية، ولو ترجم ذلك التراث في حينه وقرئ باهتمام من قبل المعربين من أحادي اللغة، لاختصرنا الكثير من الوقت. وللأسف بعد تلك السنين لا نزال نطرح الأسئلة نفسها، وكأن قدرنا أن يبتلعنا ‘الثقب الأسود’ لهذه المركزية أو تلك”.
فتنة وخيبة
كان الروائي الخير شوار من أوائل من أسسوا لأنفسهم حضورا افتراضيا على النت، وهي تجربة يقول عنها “أفادتني كثيرا، وقد كنت نشطا جدا في وقت سابق، لكن نشاطي تحوّل إلى غياب طويل، ولولا حاجتي إليه في عملي الصحافي، لأغلقته دون تردد”، وكنت “مفتونا بشبكات التواصل الاجتماعي منذ بدايتها الأولى، أسست عددا من المدونات، وحسابات في تويتر وإنستغرام و’ماي سبايس’ وفيسبوك وغيرها كثير، لكن خيبتي كانت كبيرة، مثل خيبة أمبرتو إيكو، الذي صرخ قبيل وفاته أن تلك الوسائل أصبحت فيها أصوات ‘الحمقى’ أعلى من أصوات العقلاء وأصحاب الفكر”.
مشهد القطائع
لا يفاجئ المشهد الثقافي الجزائري الراهن الخير شوار، فبروزه كـ”ظاهرة ملفتة للانتباه، في شكل عبقرية، لا يعبّر عن تطور المشهد بقدر ما يعبّر عن الاستثناءات المكررة”، ويستطرد قائلا “المشهد الثقافي الجزائري -والمغاربي عموما- يتسم بالقطائع المتكررة، وهو ما عبّر عنه أحد الكتّاب المغاربة بأنه يفتقر إلى ثقافة ‘السند’ المعروفة بسلسلة الرواة، ولئن كان ‘السند’ يمتد في ثقافات أخرى في شكل تطور من جيل إلى آخر، إلا أنه يقطع عندنا بشكل مفاجئ، فلا نجد من ‘يروي’ حديث شيخه ويطوره، وإنما يلجأ كل مريد عندما يتمكن إلى قطع صلته تماما بشيخه في حالة ‘فرويدية’ متطرفة جدا”… وهو أمر ازداد “سوءا مع تعدد المركزيات المتجاذبة. وفي عصر الإنترنت هذا، اكتشفنا جيلا جديدا لا علاقة له تماما بالمشهد المعروف، وهو نفسه لا يعرف شيئا عن الكتّاب المعروفين في الجزائر، وهو يكتب أي شيء وينشر ما يشاء ويروج لنفسه عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، فلا عجب أن اكتشفنا مثلا أحد كتّاب الخواطر يطبع آلاف النسخ ويتحوّل إلى نجم في وقت لا يكاد فيه الكاتب الحقيقي يبيع شيئا”.
صورة جديدة
أما عن رأيه كروائي في الحراك الشعبي الجزائري فيشدد على أن “أجمل ما فيه هو سلميته، ومساهمة كل أطياف المجتمع فيه. ومن أهم إنجازاته بعيدا عن السياسة، أنه أزال فكرة مسبقة عن الجزائري بأنه عنيف وعدواني، وأعطى صورة جديدة عن الجزائري الضاحك، في مشهد أدهش الجزائري نفسه قبل غيره”، وقد انفجر “الحراك في وقت عجزت فيه النخب الثقافية والسياسية عن تجديد نفسها، ومع مرور الأيام نكتشف أن جزائر جديدة ستولد بعد مخاض عسير. والعجيب أن هذا الحراك لم يكن للنخب السياسية والثقافية المعروفة دور في انفجاره، وعبثا حاول بعضهم تبنّيه وركوبه”.
بطاقة أدبية
أصدر الكاتب الأعمال التالية: “زمن الماء” قصص/ “حروف الضباب” رواية، (ترجمت إلى اللغة الفرنسية)، “مات العشق بعده” قصص، “حكاية بني لسان”، قصة (ترجمت إلى الإنكليزية وصدرت في نيويورك)، “علامات” مقالات ثقافية، “الأوهام الشهية” مقالات ثقافية، “الجزائر EARTH” في أدب الرحلة، “عرائس العنكبوت” مقالات، “ثقوب زرقاء” رواية، “ملامح جزائرية” بورتريهات، “مغلق أو خارج نطاق التغطية” قصص، “إخوة النار” حوارات، “مثل صائد عصافير في منام” شعر هايكو.