الخيبات تطغى على الآمال في تقييم إصلاحات قطاع الإعلام في الجزائر

لم يسفر الحديث عن إصلاح قطاع الإعلام في الجزائر طوال السنوات الماضية عن تطور مهم. فرغم صدور قانون الإعلام إلا أن التعليمات التنفيذية مازالت لم تصدر وبقيت مشاكل الصحافة متأزمة مع تلويح السلطات بالعقوبات للمخالفين واستمرار الأوضاع الاقتصادية على ما هي عليه.
الجزائر - أبدى صحافيون وإعلاميون انطباعات سلبية عن واقع الإعلام الجزائري خلال تقييمهم لإصلاحات القطاع منذ 1990، في الندوة الوطنية الأولى لنقابة ناشري الإعلام تحت عنوان “الخيبات والآمال” خصصت لمناقشة انشغالات مهنيي قطاع الصحافة والوضعية التي تعيشها مختلف المؤسسات الإعلامية الوطنية.
وأكد رئيس المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين عمار شريتي أن وضع الصحافيين في الجزائر صعب ومحزن، حيث وجد صحافيون أنفسهم مشردين بعد غلق بعض القنوات التلفزيونية.
وشدد شريتي على أنه من غير المعقول أن يتمكن الصحافي في الجزائر الذي يعيش وضعية اجتماعية كارثية، من مواجهة الاختراق الخارجي الذي يهاجم الوعي الجزائري من قبل وسائل الإعلام الخارجية.
وأثار قرار السلطات الجزائرية غلق ثلاث قنوات تلفزيونية خلال أسبوع واحد في شهر أغسطس الماضي، بين تعليق جزئي ونهائي، بسبب ما سمته “تجاوزات مهنية”، الكثير من النقاشات وفتح باب التساؤلات عن مصير قطاع السمعي البصري الذي يتسم بالغموض والضبابية منذ نشأته قبل أكثر من تسع سنوات.
كما عايش صحافيون في العامين الماضيين تجربة مماثلة في أعقاب إغلاق قنوات تلفزيونية كان يديرها رجال أعمال في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، أودعوا السجن لتورطهم في قضايا فساد مالي، ليتم تسريح العشرات من العمال من إعلاميين ومهنيين وتقنيين وجدوا أنفسهم من دون عمل.
وتأخر صدور تعليمات تنفيذية توضح كيفية تنفيذ مواد قانون الإعلام الصادر سنة 2012، الذي تم تقديمه على أنه “بداية عهد الإصلاحات الطارئة على السلطة الرابعة”، في حين أن الحكومة لم تصدر حتى الآن دفتر الشروط الذي سيعتمد الفضائيات كقنوات جزائرية، حيث أن مجملها لا تخضع للقانون المحلي، لكونها تبث انطلاقا من أقمار صناعية أجنبية، ومسجلة في دول عربية أو غربية بينها مصر والأردن وسويسرا وفرنسا، على الرغم من أن مالكيها جزائريون ولها مكاتب بالبلاد فقط.
عمار شريتي: من غير المعقول أن يتمكن صحافي في الجزائر يعيش وضعية اجتماعية كارثية، من مواجهة الاختراق الخارجي
ورغم انتظار الصحافيين والعاملين في قطاع الإعلام لإصدار الإجراءات، والتفاؤل بتصريحات وزير الاتصال عمار بلحيمر التي لا يكاد يمضي أسبوع منذ سنوات دون أن يدلي بها واعدا بقرب إصدارها، إلا أنه حتى اليوم لم يتم حل هذه المعضلة.
وطالب شريتي بضرورة تفعيل قرارات رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون بخصوص قطاع الصحافة الإلكترونية التي صدرت منذ ما يقارب السنة، والتي تتمثل في معاملتها كالصحافة المكتوبة والاستفادة من الإشهار العمومي في حدود ما يسمح به القانون.
ويبدي صحافيون جزائريون استغرابهم من عدم تفعيل القرارات المتعلقة بالصحافة الإلكترونية في الوقت الذي تصر فيه الحكومة على أهمية التحول الرقمي، وتتباهى بخطتها لدعم الصحافة الإلكترونية.
وكشف بلحيمر الاثنين عن تسليم أزيد من 140 وصل استلام للتصريح بمواقع إلكترونية خلال السداسي الأول لسنة 2021 من أجل منح شهادة إعادة تسجيل.
وقال إنه سيتم في إطار دعم ومرافقة الآليات التي تستفيد منها الصحف الإلكترونية تحديد معايير خاصة تتعلق بالإشهار الإلكتروني.
واعتبر أنه يجب وضع نموذج جديد يحكم الرعاية والإعلانات لاسيما عبر تعديل الأمر 247 – 15 المتعلق بالصفقات العمومية، مؤكدا منع التمويل الخارجي لوسائل الإعلام المحلية.
وتركز السلطات على تحميل وسائل الإعلام المحلية مسؤولية مخالفة الضوابط المهنية، وتهديدها بالعقوبات في حال مخالفة القانون، دون أن تتحدث الجهات المعنية المسؤولة عن القطاع عن الأزمات المالية الصعبة التي يواجهها وأوضاع الصحافيين الهشة وضرورة استشارة الصحافيين لوضع مقترحات وإيجاد حلول.

فقد اختصر وزير الاتصال التحديات الرئيسية لظهور صحافة مهنية في الجزائر، بجانب واحد وهو الاستجابة للمعايير الدولية من حيث التطور التكنولوجي واحترام أخلاقيات وآداب مهنة الصحافة.
وأشار إلى أن المهمة التي كلفت بها وزارة الاتصال هي إعطاء إعادة صياغة قانون الإعلام طابعا مبتكرا يضمن مطابقته للدستور ولواقع المشهد الإعلامي الوطني والمعايير الدولية، وقال إنه للقيام بذلك يجب تسجيل المبادئ العامة التي تم الاتفاق عليها لتنظيم قطاع الاتصال والأمر يتعلق بنص يتناول الجوانب الأساسية فقط المتعلقة بالأحكام الرئيسية التي ستؤطر القطاع، مضيفا أنه سيكون قانونا قياسيا يتوافق مع التطورات الحالية ومع احتياجات المجتمع والمهنة.
وعبر رئيس المنظمة الوطنية الصحافيين الرياضيين يوسف تازيز خلال مداخلته في الندوة عن أسفه الشديد لوضعية الصحافيين الذين يعيشون حالة مزرية ومعاناتهم، وأكد على دعمه لنقابة ناشري الإعلام من أجل الدفاع عن الصحافيين والحفاظ على كرامة الصحافي ومنتسبي الإعلام.
ويذكر أن نقابة ناشري الإعلام في الجزائر تأسست حديثا مطلع العام الحالي، وتضم مجموعة من الناشرين وممثلي المؤسسات الإعلامية الوطنية والجهوية والمحلية، الورقية والرقمية، وتهدف إلى تنظيم المهنة وتأطيرها مهنيا واقتصاديا.
ومن ضمن الاقتراحات الأساسية لأعضاء النقابة من أجل تغيير الوضع، تعديل قانون الإعلام بما يضمن استقلالا حقيقيا لمهنة الصحافة بالتشاور الواسع مع أبناء المهنة والقانونيين المختصين، وإطلاق ترتيبات عاجلة لإعداد قانون الإعلان لإنهاء احتكار الحكومة للإعلانات وما يمثله من ذلك سلاح يهدد أرزاق العاملين في قطاع الإعلام.
وحثت النقابة في أول اجتماع لها في سبتمبر الماضي، نواب البرلمان، على الاستعانة بأعضائها وبالخبراء وقدماء الصحافيين لدراسة مشروعي قانوني الإعلام والسمعي البصري بعمق، باعتبارهما حجر الزاوية في المشروع الإصلاحي والديمقراطي ويهمان المجتمع برمته وليس الأسرة الإعلامية فحسب.
كما سجّلت النقابة، التي يرأسها رياض هويلي، أسفها للوضعية الصعبة التي تعيشها أغلب المؤسسات الإعلامية ماديا، جراء الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد والتي أثّرت بشكل مباشر على الموارد المالية للمؤسسات الإعلامية، فضلا عن التوزيع غير العادل للإشهار العمومي، خاصة في ظل غياب قانون الإشهار.
وقال هويلي إن وسائل الإعلام تعيش في مرحلة مقاومة نظرا لتعطل تجسيد نصوص قانونية من جهة وتأخر صدور أخرى لتنظيم المهنة، وحث في هذا السياق الحكومة على تطبيق القانون وإشراك الناشرين في النقاش حول مشروع قانون الإعلام الجديد.