"الخنفساء" التي دفعت ثمن تمسكها بالجودة

عندما يُذكر اسم فولكس فاغن، أول ما يقفز إلى الذهن كلمة الجودة؛ السيارة التي تتخلى عنها فقط لأنك مللت منها، فهي مثل أي منتج ألماني صُممت لتعيش إلى الأبد.
ورغم اكتساب الصناعة الألمانية ثقة الجميع، دفعت ثمن تمسكها بمبدأ الجودة. تخيل أن لديك جهازًا منزليًا غير قابل للعطب، يعمّر طويلًا ليرثه أبناؤك من بعدك؛ ماذا سيحل بالمصنع؟ بعد عام أو عامين أو ثلاثة سيقفل المصنع أبوابه، ويبحث صاحبه عن حبل متين يعلقه بسقف المنزل لينهي حياته!
حدث أن فكر الألمان مرةً في تقديم سلعة شعبية يمكن أن يقتنيها الفقراء. كان ذلك عام 1938، بتوجيه من أدولف هتلر، الذي أراد تطوير سيارة رخيصة الثمن وعملية لتكون في متناول عامة الناس.
خرجت ألمانيا على العالم بأيقونة هي سيارة فولكس فاغن بيتلز، المعروفة باسم “الخنفساء”، لتصبح واحدة من أكثر السيارات شهرة في تاريخ صناعة السيارات.
تم تصميم السيارة من قبل المهندس فرديناند بورشه، وهي أول سيارة تم إنتاجها تحت علامة فولكس فاغن، التي تعني “سيارة الشعب”.
في العام نفسه بدأت الحرب العالمية الثانية، وتم تحويل المصنع إلى إنتاج معدات عسكرية طيلة فترة الحرب.
بعد أن وضعت الحرب أوزارها أُعيد تنشيط مصنع فولكس فاغن، ليبدأ إنتاج سيارة بيتلز بكميات كبيرة. ويُقال إنها أنعشت الاقتصاد الألماني.
بفضل تصميمها البسيط وكفاءتها الاقتصادية، سرعان ما أصبحت الخنفساء واحدة من أكثر السيارات شعبية في العالم، خاصة في الخمسينات والستينات. بيعت بأعداد هائلة، ووصلت إلى جميع القارات.
ليس هذا فقط، بل أصبحت بيتلز رمزًا للثقافة الشبابية والحرية في الستينات، وارتبطت بحركات السلام والموسيقى.
وبمرور الوقت نسي القائمون على تصنيع الخنفساء الهدف الأساسي من وراء تصنيعها. وأُعلن عن إغلاق آخر مصنع لها في المكسيك عام 2019.
ورغم توقف الإنتاج، حافظت السيارة على مكانتها كسيارة كلاسيكية محبوبة، يتم ترميمها وتداولها بين عشاق السيارات.
فولكس فاغن، التي بدأت لتكون “سيارة الشعب”، لم تعد اليوم على علاقة وثيقة بالشعب.
متاعب فولكس فاغن لم تنتهِ. فبعد مرور ست سنوات على إطلاق رصاصة الرحمة على الخنفساء، صارت الشركة تعاني من صعوبات أجبرتها على الإعلان عن خطط لإغلاق بعض مصانعها، وتقليص الإنتاج بنسبة تصل إلى 25 في المئة، ما أدى إلى فقدان أكثر من 35000 وظيفة. يُعد هذا سابقة في تاريخ الشركة.
خبراء الاقتصاد يعزون ذلك إلى صعوبات تواجهها الشركات الألمانية في التحول إلى السيارات الكهربائية، وتأخرها في تبني هذه التكنولوجيا مقارنة بمنافسين مثل تسلا والشركات الصينية.
الصين، التي كانت سوقًا رئيسيًا للسيارات الألمانية، أصبحت الآن منافسًا قويًا يهيمن على سوق السيارات الكهربائية.
خبراء آخرون يشيرون إلى أن الشركات الألمانية ارتكبت أخطاء إدارية، حيث تأخرت في تبني تقنيات جديدة مثل البرمجيات والقيادة الذاتية، ما جعلها تتراجع خلف منافسيها.
برأيي، وأنا لست خبيرًا، فإن الصناعة الألمانية تدفع ثمن تمسكها بمبدأ الجودة.
لطالما سخر المصنعون في ألمانيا وسخرنا معهم من الصناعة الصينية، واستُخدم شعار “صنع في الصين” لوصف المنتجات الرديئة.
واليوم، بالكاد نجد في الأسواق منتجات كتب عليها “صنع في ألمانيا”، بينما المنتجات التي كتب عليها “صنع في الصين” تُغرق العالم.