الخلافات الزوجية تتحول إلى عنف يهدد تماسك الأسر في مصر

تتالت حوادث قتل الزوجات على أيدي أزواجهن في مصر في الفترة الأخيرة نتيجة للخلافات الزوجية التي تبدو في ظاهرها بسيطة لكنها تفسر حجم عدم الاتفاق بين الزوجين. ويرى خبراء علم الاجتماع أن الاتجاه نحو ارتكاب الجرائم دليل على انعدام المساواة والعدل وتكافؤ الفرص في المجتمع، مشيرين إلى أن المرأة عادة ما تكون الطرف الأضعف في هذه المنظومة، ما يشي باختلال نفسي لدى الجاني والضحية أحياناً.
القاهرة - أخذت الخلافات الزوجية المتصاعدة في المجتمع المصري حيزا واسعا من النقاش بعد أن تسببت في زيادة ملحوظة في نسب الطلاق، وتحولت بعض الخلافات إلى سلوك عنيف وجرائم قتل تحصل بشكل شبه يومي وتتناولها وسائل إعلام مختلفة.
وأثارت واقعة إقدام شاب على طعن زوجته حتى الموت قبيل نهاية شهر رمضان جدلا واسعا بعد أن تخلص من شريكة حياته لسبب غريب يتمثل في عدم شراء أهل زوجته مكسرات مجففة تتواجد على مائدة رمضان، بعد نحو ستة أشهر على الزواج.
ووقعت حادثة شبيهة قبلها بأيام قليلة، حيث قام رجل بطعن زوجته لطلبها شراء ثياب العيد لأطفالهما، ولا تزال بين الحياة والموت، ووثق مقطع فيديو جريمة قتل أخرى بعدما أنهى شخص حياة زوجته طعنا بسبب خلافات بينهما وشرع في قتل ابنتهما موجها عدة طعنات لها عندما حاولت الدفاع عن أمها، وحاول شقيق المجني عليها الانتقام من الجاني بطريقة مماثلة وسدد له عدة طعنات بسلاح أبيض.
هزت جريمة أخرى الرأي العام المصري مؤخرا عندما قتل أمين شرطة في الإسكندرية (شمال) سبعة أشخاص، هم: ثلاثة من أبنائه وزوجته ووالديها وشقيقها وأقاربها بعدما أطلق عليهم الرصاص أثناء جلسة صلح بينه وبين زوجته في منزل والدها، وأمرت محكمة جنايات الإسكندرية بإحالة أوراق المتهم إلى مفتي مصر لبيان الرأي الشرعي في إعدامه، وهو قرار يسبق عادة الحكم النهائي بالإعدام.
يتفق خبراء الاجتماع على أن منظومة الزواج تعاني خللا، ما يدفع نحو زيادة وتيرة الانفصال بعد فترة وجيزة، غير أن استخدام العنف يحمل دلالات عديدة بشأن التركيبة المجتمعية التي أضحت أكثر تقبلا لارتكاب الجرائم للتعامل مع المشكلات الأسرية.
يعبر الاتجاه نحو ارتكاب الجرائم أحد أدلة انعدام المساواة والعدل وتكافؤ الفرص في المجتمع، ويعبر عن انعدام القيمة والإحساس بالذات لدى الجناة الذين يبحثون عن ضحايا يفرغون فيهم غلهم، وعادة ما تكون الفتاة الطرف الأضعف في هذه المنظومة، ما يشي باختلال نفسي لدى الجاني والضحية أحيانا.
يشكل الضغط الاقتصادي أحد أبرز مسببات العنف بوجه عام التي تأخذ أبعادا عديدة داخل الأسرة الواحدة، وأن فئات جديدة دخلت في دائرة الفقر مع تراجع قيمة العملة المحلية وزيادة معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة، ما يضاعف الضغوط على أرباب الأسر الذين يجدون أنفسهم أمام مستجدات معيشية صعبة وظروف اجتماعية قد لا يكون لديهم التماسك النفسي المطلوب للتعامل معها.
قالت الخبيرة في العلاقات الأسرية هبة علي إن الظروف المادية الصعبة تؤثر بشكل مباشر على سلوكيات الزوجين، لكن وصولها إلى حد القتل يشير إلى وجود اضطرابات نفسية تدعم مسألة النفخ في طاقات الغضب الداخلية ليحدث ما يشبه الانفجار الذي يظهر عبر سلوكيات عنف، والأمر يتعلق بالسمات الشخصية للجاني وأن الأزواج الذين يتسمون بالعصبية السريعة أكثر تورطا في ارتكاب جرائم القتل.
يشير تقرير صدر حديثا عن البنك الدولي إلى أن 65.8 في المئة من الأسر تأثر إنفاقها على السلع الغذائية وغيرها، وانخفض استهلاك نحو 74 في المئة من الأسر من السلع الغذائية فارتفعت نسبة من انخفض استهلاكهم من البروتينات إلى 90 في المئة.
وأوضحت هبة علي لـ”العرب” أن تزايد معدلات القتل بين الأزواج تطور طبيعي لانتشار العنف الزوجي الناجم عن الإهانة والضرب المبرح، ويتأثر الزوج بموروثات اجتماعية يكون فيها الأب مرتكبا لنفس السلوك ويقوم بتكراره، لكن الوضع آخذ في التطور وصولا إلى القتل تأثرا بتمادي المشاكل الناتجة عن هذا العنف، بجانب مؤثرات اجتماعية أخرى يحضر فيها القتل بشكل مستمر.
وشددت على أن الكثير من الجناة يرتكبون جرائم دون أن تكون لديهم رغبة حقيقية في إنهاء حياة المجني عليهم، وأن صعوبات الأوضاع المعيشية، وعدم قدرة العديد من أبناء الطبقة المتوسطة على تلبية احتياجاتهم، تؤدي مباشرة إلى خلل نفسي وسلوكي قابل للتطور إذا لم يتم علاجه بصورة سليمة.
يعد الاكتشاف المتأخر للاضطرابات النفسية أو عدم اكتشافها أصلا أحد الأسباب التي تدعم انتشار جرائم العنف الأسري، وأن اضطرابات التفكير التي يتعرض لها عدد كبير من الأشخاص جراء تضاعف الضغوطات التي يمرون بها، لا تجد حيزا من التحليل في المجتمع الذي تغيب عن قطاعات منه ثقافة الذهاب إلى الطبيب النفسي.
ويعبر الوصول إلى جريمة القتل عن تراكم الضغوط والمشكلات، ما يدفع الجاني إلى الإقدام على سلوكيات انفعالية لحظية، تساعد على ذلك زيادة معدلات إدمان المخدرات التي يكون تعاطيها في البيت أو من خلال تجمعات الأصدقاء في المقاهي وغيرها، وفي النهاية تكون تصرفات الزوج مع زوجته أو العكس تحت تأثير شديد للمخدر.
◙ الأسر المصرية تحافظ على قدر مهم من التماسك بين أفرادها غير أن الظروف الاقتصادية الصعبة تخلق دوافع للسلوك المنحرف
تمثل الجوانب الشخصية عوامل مهمة تساعد على ارتكاب الجرائم، فلا تسمح الشخصية النرجسية للطرف الآخر بأن يكون ندا لها، وفي حال شعر الزوج بالضعف فاحتمالات إقدامه على ارتكاب الجرائم أكبر، وأن ارتكاب جرائم في الشارع أو أمام أعين أشخاص آخرين يكون بدوافع تحركها السمات الشخصية للجاني.
وتساهم الزوجة التي تتحمل الكثير من المشكلات منذ بداية العلاقة من دون أن تقصد في أن تتطور الأمور إلى حد ارتكاب الجريمة، والارتكان إلى تحمل ما يصدر من الزوج لتهدئة الأوضاع في المنزل لا يحقق الهدف المرجو، لأنه يدفع إلى ارتكاب العنف بأشكال مختلفة تصل إلى حد الطعن والقتل في بعض الأحيان.
أكد أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر (حكومي) فتحي قناوي أن تعدد حالات القتل الزوجي ترجع لأسباب عديدة ومعقدة، بعضها نفسي والجزء الآخر مجتمعي جراء الظروف الراهنة التي يبدو فيها العنف ظاهرا بشكل كبير، وأن سلوكيات الجناة تتأثر بما تتعرض له من مواقف يكون فيها القتل والطعن حاضرا بقوة.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن أرقام حوادث القتل الزوجي لا تعبر عن أن مصر أمام ظاهرة متفشية، لكن الواقع يؤكد وجود حوادث متفرقة الأسرة.
وأضاف أن الحوادث ناتجة عن متغيرات وضغوط يمر بها المجتمع برمته، والتغيرات التي طرأت على مجمل القيم المحورية التي تتحكم في سلوك الفرد، وتراجع سمات الصبر والتسامح جعل الأزواج أكثر قابلية لاستخدام العنف، وأن المصلحة الشخصية للجاني تطغى على أي اعتبارات أسرية أخرى.
يتفق خبراء الاجتماع على أن الأسر المصرية تحافظ على قدر مهم من التماسك غير أن الظروف الضاغطة والمتغيرات الداخلية والخارجية العديدة، ، تخلق دوافع للسلوك المنحرف، ما يعد جرس إنذار للمؤسسات التي تقوم بمهام التعامل مع المشكلات الأسرية.
أوضحت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية نيفين القباج خلال مناقشة تقرير عن ظاهرة العنف الأسري وأسبابه وآثاره وسبل مواجهته داخل مجلس الشيوخ، أن الفقر والمخدرات سببان رئيسيان في ملف العنف الأسري.