الخلافات الحدودية تنغص العلاقات السودانية الإثيوبية

عبدالفتاح البرهان يتوجه إلى الحدود الشرقية في ظل توتر عسكري.
الجمعة 2020/12/18
الجيش السوداني أمام تحدي ضبط الحدود

حالة من التوتر تسود المنطقة الحدودية بين السودان وإثيوبيا، وسط مخاوف من تدحرج الأمور، لاسيما في ظل التعزيزات العسكرية، ويرى مراقبون أن استمرار بقاء ملف ترسيم الحدود مفتوحا بمثابة خنجر في جنبات الطرفين.

الخرطوم – أصبح التذبذب عنوانا رئيسيا في العلاقات بين الخرطوم وأديس أبابا، فما إن يتم احتواء مشكلة إلا وتتفجر أخرى، آخرها تعرض أفراد من الجيش السوداني لكمين من بعض القوات والميليشيات الإثيوبية، ما أسفر عن سقوط قتلى ومصابين.

وتوالت ردود الفعل في السودان منددة بتصرف بدا متكررا في الآونة الأخيرة، ومنح فرصة للمكونين العسكري والمدني في البلاد للالتفاف حول أجندة وطنية واحدة، بعد تباعد كاد يؤثر على التفاهمات التي تضمنتها الوثيقة الدستورية بينهما.

محمد خليفة صديق: بقاء ملف ترسيم الحدود مفتوحا يؤجج الوضع العسكري
محمد خليفة صديق: بقاء ملف ترسيم الحدود مفتوحا يؤجج الوضع العسكري

وأكد رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك، الخميس، “دعمه ووقوفه مع القوات المسلحة التي تسد الثغور وتحرس البلاد.. وثقته في قدرتها على حماية حدود البلاد ورد أي عدوان”، في إشارة حاول فيها تضييق الفجوة مع الشق العسكري في مجلس السيادة.

وكشف التوتر العسكري على الحدود عمق الأزمة بين البلدين، التي حاولت زيارة حمدوك لأديس أبابا، الأحد، تطويقها وتبديد التداعيات الناجمة عنها، حيث راجت معلومات محلية بشأن توغل قوات الجيش في منطقة الشفقة لأول مرة منذ 25 عاما، والتي تقع تحت السيطرة الإثيوبية.

وفُهم التقدم باتجاه الشفقة على أنه رسالة قوية من الجيش السوداني، أنه لن يتنازل عن هذه المنطقة أو غيرها من المناطق المتنازع عليها مع الجيران، حيث كان البعض يتعمد عند حديثه عن الشفقة ذكر مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه مع مصر.

وأصبحت التوافقات الهشة بين السودان وإثيوبيا في ملف الحدود قابلة للانهيار، لأن تدفق الآلاف من اللاجئين من إثيوبيا خلق أزمة بدأت تدخل عليها عناصر فرت من إقليم تيغراي، وتطالب أديس أبابا من الخرطوم بضرورة القبض عليهم وتسليمهم.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية، محمد خليفة صديق، إن الرغبة الإثيوبية لجعل ملف ترسيم الحدود بين البلدين مفتوحا تدفع باتجاه تصاعد المناوشات العسكرية.

وذكر لـ”العرب”، أن إثيوبيا تنظر بريبة إلى تحركات ضبط الحدود من قبل الجيش السوداني مع تزايد أعداد النازحين، فقد يكون بينهم مسلحون يشكلون تهديداً إضافياً في ولاية القطارف الحدودية، ذات صلة بالصراع الحاصل في إقليم تيغراي.

والأخطر أن دوائر في أديس أبابا لديها هواجس من وجود تقارب بين أفراد نافذين في الجيش السوداني، وبين قومية تيغراي ارتكاناً على علاقات قوية نسجت بينهما في الماضي، ما جعل نزوح بعض المسلحين للسودان يثير قلق الحكومة الإثيوبية لتعتقد أن الخرطوم توفر لهم ملاذا آمنا.

ونفى خليفة، لـ”العرب”، صواب هذا التقدير، في ظل العلاقات الوطيدة بين الحكومتين في البلدين، وحرص الجيش السوداني على التواجد في مناطق تابعة لنفوذه، ونأيه الدائم عما يجري من أحداث داخلية في إثيوبيا.

وشدد على أن السيولة الأمنية في مناطق حدودية متاخمة تفتح على المزيد من التوترات على مستوى الجيش السوداني والميليشيات الإثيوبية التي لا تحظى بدعم علني من حكومتها، لكن غض الطرف عنها يثير الشكوك.

وأوحى تفجر ملف الحدود بعد أيام قليلة من زيارة حمدوك لأديس أبابا، بأن الأزمة بحاجة إلى حلول عاجلة، ولا تتحمل تركها لعناصر من الطرفين تجد فيها وسيلة لتعزيز نفوذها، فعصابات الشفتة التي تسيطر على منطقة الشفقة السودانية مسنودة من قوات إثيوبية رسمية، وقوات الجيش السوداني ترى فيها مدخلا لتأكيد النفوذ في قلب السلطة.

الفريق صديق إسماعيل: الحرب في إثيوبيا أثرت على قدرة الخرطوم في ضبط الحدود
الفريق صديق إسماعيل: الحرب في إثيوبيا أثرت على قدرة الخرطوم في ضبط الحدود

ولفت الخبير الأمني السوداني، الفريق صديق إسماعيل، إلى أن ما تشهده الحدود نتيجة مباشرة لإهمال السودان التعامل معها طيلة ثلاثة عقود، ومن الطبيعي أن تتعرض المصالح الوطنية لتهديدات عديدة من دون أن تجد وسيلة مناسبة للحل، وسط الأوضاع الرخوة التي يعاني منها السودان وإثيوبيا، بما يسمح بتمدد الصراع.

وأضاف لـ”العرب”، أن الحرب في إثيوبيا أثرت سلباً على قدرة الخرطوم ضبط الانفلات الحدودي، لأن هناك عشرات الآلاف فروا منها باتجاه الأراضي السودانية، في وقت لا توجد قدرات اقتصادية وعسكرية لاحتواء تلك العناصر التي قد تتورط في ارتكاب ممارسات غير منضبطة بحثاً عن فرصة لاستيعابهم داخل السودان.

وأشار إلى أن القوات المسلحة تسعى إلى احتواء الانفلات بحكمة وهدوء من غير أن تكون هناك خسائر بشرية تؤدي إلى تفاقم الأمور، لكن المشكلة أن هناك أطرافا داخل البلدين لديها مصالح في تصعيد الأزمة والوصول بها إلى مستوى المواجهة المسلحة.

وليس أمام الحكومتين من فرصة سوى الجلوس على طاولة التفاوض في أسرع وقت لحسم مصير استقرار العلاقة بينهما من عدمه، والتوصل إلى أطر سياسية واضحة لتحجيم المناورات التي تلجأ إليها أجنحة تجد في التصعيد فائدة لها.

وتوقع متابعون، أن تتكرر وقائع الاعتداء على الجيش السوداني، بل إمكانية تفاقم النزاع الحدودي بين البلدين ما لم تكن هناك إرادة قوية لمنع توسيع الفوضى، فاستمرار الاضطراب في العلاقات يفتح الطريق لمواجهة عسكرية قريبة بينهما.

وتبدو العلاقات الرسمية جيدة حاليا، ولا تملك أديس أبابا أو الخرطوم رفاهية الدخول في مناوشات يمكن أن تقود إلى فتح أبواب لنزاعات يصعب التحكم فيها لاحقا، فالأولى منخرطة في صراع داخلي مرير في تيغراي يمكن أن يفتح جروحا في أقاليم أخرى، والثانية (الخرطوم) تعاني من وطأة استحقاقات المرحلة الانتقالية.

ويقول متابعون، إن حدة الأزمات التي يعاني منها كل طرف قلصت مساحة الدفء بين الجانبين وتقلل من إقامة شراكة استراتيجية، فلم يعد هناك تركيز على تطوير العلاقات، وزاد من الصعوبة المنحنى الذي بدأت تدخله بسبب تصاعد الخلافات في ملفي الحدود وسد النهضة، وانعكاسات اللاجئين، ليصبح الموقف مخيبا للآمال.

وعوّلت حكومة الخرطوم على العلاقات مع أديس أبابا لتكون صمام أمان لها، بعد أن قامت بدور وساطة مهم بين القوى السودانية عقب سقوط نظام عمر البشير، وبدت الأمور تسير في إطار انفراج تغير في جزء معتبر من توازنات المنطقة.

ومع توالي المشكلات وصعوبة التحكم في مكوناتها، بدأ الفتور يظهر في بعض المواقف السودانية، لكن سرعان ما يتم علاجه عبر دبلوماسية الزيارات المتبادلة التي اكتفت بتسكين الأزمات وأخفقت في معالجتها، ما وضع العلاقات على جمرة تذبذب فتاك.

2