الخروج عن المألوف في فيديوهات الواقع يضع صناعها في مواجهة القانون

القاهرة - تنتشر فيديوهات الواقع أو “الروتين اليومي” على نطاق واسع بين صُناع المحتوى في مصر على المنصات الرقمية وعلى رأسها يوتيوب، ما قاد إلى زيادة المشكلات القانونية التي وقعوا فيها بسبب عدم التزامهم بقوانين البث ومواثيق الإعلام التي تتطرق إلى ما يتم تقديمه من إبداع تغيب عنه المهنية لتتحول إلى محتوى ضار بالمجتمع، ما يدفع إلى تدخل جهات أمنية وقضائية لضبط الأمور من وقت إلى آخر.
وانتشر فيديو مثير بين المصريين على مواقع التواصل، أظهر خطف عريس يوم زفافه في محافظة الدقهلية، شمال البلاد، وأثار موجة من الغضب والخوف والرعب، وظهر في الفيديو شاب يرتدي بدلة سوداء أمام قاعة أفراح مع أسرته وأصدقائه، قبل أن تقف سيارة بيضاء ويترجل منها شخص ليخطف العريس ويفر هاربًا.
وثق المقطع ردود فعل الحاضرين الذين صدموا، وتعالى صراخ وبكاء المعازيم، وحاول أقارب العريس وأصدقاؤه اللحاق بالسيارة لإنقاذه، لكن السائق لاذ بالفرار.
حقق المقطع معدلات مشاهدة عالية، ما دفع إلى تدخل الأجهزة الأمنية وقامت بضبط وإحضار من شاركوا في بثه لتتبين أنه تمثيلية ممن ادعى أنه عريس، وهو يوتيوبر شهير يُدعى أحمد جمال، يمتلك قناة تسمى “جمهورية أحمد وأمل”، وقام بعمل الفيديو لجذب المزيد من المشاهدات.
وقال أحمد جمال في تصريحات بثها عبر صفحته إن الواقعة كانت كوميدية ومشهدا تمثيليا لجذب المشاهدات ليس أكثر، مبديا تعجبه مما آلت إليه الأوضاع، وأنه ظل يتدرب على هذا المقطع أسابيع حتى يظهر بشكل لافت وجذاب، ولم يكن يعلم أنه سيثير جدلا بهذه الطريقة ويتحول إلى أزمة، فقد حقق نجاحا كبيرا، وهذا ما كان يتمناه.
وحسب رجال قانون في مصر، يواجه المدعو ثلاثة اتهامات، أولها نشر الذعر وتكدير السلم العام، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بصفته وحساباته الشخصية. وتصل عقوبة الجرائم إلى الحبس ثلاث سنوات، وغرامة مالية.
وتعرض البعض من صناع محتوى “الروتين اليومي” لعقوبات الحبس وغلق المنصات الخاصة بهم على موقع يوتيوب، آخرهم اليوتيوبر حمدي وزوجته وفاء، وجرت إحالتهما إلى المحاكمة الجنائية بتهمة التعدي على القيم الأسرية في المجتمع، والاتجار في عملة بيتكوين دون ترخيص، وأصدرت المحكمة الاقتصادية قرار تغريمهما بمليون و200 ألف جنيه (الدولار= 48 جنيها)، مع إغلاق منصاتهما على يوتيوب.
وتمت إحالة اليوتيوبر أحمد حسن وزوجته زينب إلى القضاء بتهمة ترهيب طفلتهما الصغيرة في مقطع فيديو عبر يوتيوب، بعد نشرهما على قناتهما فيديو جديد تحت عنوان “عملنا مقلب في بنتنا”، وظهرت زينب بالفيديو بعد أن صبغت وجهها باللون الأسود، واقتربت من ابنتها النائمة التي استيقظت على ملامح مخيفة لوالدتها، ما تسبب في دخولها في نوبة بكاء شديدة وسط ضحكات الأم.
ويتفق خبراء الإعلام على أن غالبية مقدمي فيديوهات الواقع عُرضة لمواجهة اتهامات تتعلق بانتهاكات مواثيق الإعلام التي تهدف إلى وضع إطار أخلاقي وقانوني للمحتوى المعروض أمام الجمهور، بما في ذلك فيديوهات منشورة على الإنترنت، تخترق أول مبادئ تلك المواثيق والمتمثلة في احترام الخصوصية، وتتعارض مع معيار الالتزام بالدقة والنزاهة، إذ أن نشر معلومات مضللة أو غير صحيحة يؤدي إلى المساءلة القانونية إذا كان المحتوى يؤثر على الرأي العام أو يشكل خطرًا على المجتمع.
ويمكن التعامل مع هذه النوعية من الفيديوهات من منظورين متعارضين لأن التضييق عليها يشكل أحد أوجه محاربة الأعمال الإبداعية وهي لا تتعلق ببث أخبار كاذبة أو تضليل الرأي العام. وفي المقابل يستوجب غيابُ المسؤولية الاجتماعية لمن يقومون ببثها، ووجود انتهاكات عدة على مستوى خلط المحتوى الإعلامي بالإعلان والتسويق لجهات مجهولة، التعاملَ معها وتصويب خطابها.
البعض من صناع محتوى "الروتين اليومي" تعرضوا لعقوبات الحبس وغلق المنصات الخاصة بهم على موقع يوتيوب، آخرهم اليوتيوبر حمدي وزوجته وفاء
وتوظف فيديوهات الواقع عدم قدرة الإعلام التقليدي على مجاراة اهتمامات الأجيال الصاعدة من الأطفال والمراهقين الذين يشكلون النسبة الأكبر من المتابعين، بالتالي فإن التوسع فيها يجذب المزيد من الجمهور، خاصة أن بعض الفضائيات المصرية لا يعرفها هؤلاء الصغار ونشأوا على يد محتويات تناسب ما يرونه على المنصات.
ويرجع انتشار فيديوهات الواقع إلى أنها سهلة الإنتاج، حيث لا يتطلب تصوير الحياة اليومية معدات معقدة أو إعدادات خاصة، وتعد نافذة للمشاهدين على حياة منشئ المحتوى، ما يعزز الشعور بالاتصال الشخصي والتقارب ويحقق ذلك جذبا واسعا للجمهور الذي يحرص على متابعة المزيد من المحتوى.
وقال خبير الإعلام الرقمي خالد برماوي إن فيديو “عريس الدقهلية” ارتكب عدة جرائم، من بينها نشر واقعة مزيفة أثارت الرأي العام وطرح شكوكا حول إمكانية حدوث ذلك بالفعل، وإن الجهات الأمنية اتخذت إجراءات سريعة عبر ضبط وإحضار المتهم من مسكنه والتحقيق معه، غير أن الإجراء التقني من جانب المجلس الأعلى للإعلام أو جهات تنظيم الاتصالات لم يحدث حتى الآن، ما يشير إلى وجود تقصير في التعامل مع المخالفات الموجودة على المنصات الرقمية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن مشكلات إعلام الواقع لا تنتشر فقط في مصر لكن الكثير من دول العالم تعاني من مثل هذه الانتهاكات مع غياب تواجد المنصات الرقمية التي تتجاهل إقامة فروع لها حول العالم لضمان التعامل مع أي محتويات ضارة، على الرغم من أنها تتحكم في عقول الملايين من البشر، ما يتطلب إعادة صياغة بين المنصات العالمية وأجهزة تنظيم الإعلام في الدول المختلفة بما يوجد مواثيق تتماشى مع طبيعة النشر الرقمي.
وأشار إلى أن فيديوهات الواقع تحقق مشاهدات مرتفعة، لكن لا يحدث ذلك في كل القنوات، وأن الهوس بها يرتبط بتحقيق فوائد لم تكن محققة في السابق بالنسبة إلى المواطنين العاديين، في مقدمتها الشهرة والمال، وكلما كان المحتوى مستهجنا وغير طبيعي زادت قدرته على جذب المشاهدات، ويتطلب تكرار انتهاكات الفيديوهات تغليظ العقوبات على صناع المحتوى والتوعية من قبل وسائل الإعلام التقليدية بما تقدمه هذه المقاطع من أعمال مشينة، وتقديم محتويات بديلة أكثر جذبَا للجمهور.
ويعاقب قانون العقوبات المصري بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين كل من “نشر بسوء قصد أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة”.