الخرطوم تطارد القيمة المتلاشية للجنيه لمجاراة التقلبات الاقتصادية

السودان تحتاج بشدة الحصول على دعم مالي لإعادة تنظيم اقتصادها، بعد أن بلغت نسبة التضخم نحو 130 في المئة.
الخميس 2020/07/23
محاولة لتحدي الدولار

رضخت الحكومة السودانية للأمر الواقع في مطاردتها للقيمة المتلاشية للعملة المحلية بعد أن أعلنت إدخال تعديلات في ميزانية 2020 تشمل سعر الصرف والدولار الجمركي، في محاولة يرى المحللون أنها تأتي في سياق مجاراة التقلبات الاقتصادية المتسارعة.

الخرطوم - أكدت تحركات السودان لإنقاذ العملة المحلية توقعات المحللين حول أنّ الخرطوم قد تصبح مجبرة على تحرير أسعار الصرف رغم إصرارها لأشهر وربما لسنوات على رفض اللجوء إلى تلك الخطوة.

وأعلنت الحكومة الأربعاء تعديلات في ميزانية العام الجاري، تشمل التعديل التدريجي لأسعار الصرف والدولار الجمركي على مدى عامين، بجانب رفع الدعم عن الوقود تدريجيا وصولا إلى سعره الحقيقي.

وقالت وزيرة المالية والتخطيط الاقتصادي المكلفة هبة محمد علي في بيان إن “تعديل ميزانية العام الجاري جاء لأسباب تتعلق بتخفيف الأثر السلبي لجائحة كورونا على الوضع الاقتصادي”.

هبة محمد علي: العجز المالي الكبير استدعى مراجعة ميزانية 2020
هبة محمد علي: العجز المالي الكبير استدعى مراجعة ميزانية 2020

وأوضحت أن العجز المالي كبير وهو ما استدعى مراجعة الميزانية واتخاذ إجراءات طوارئ لتفادي أي مشاكل محتملة أخرى أو تفاقم المشاكل الراهنة.

ويرى خبراء الاقتصاد أن قيمة الربط التي قدرتها وزارة المالية تعد مرتفعة نسبيا بالنظر إلى أسعار النفط الحالية، بيد أنهم قالوا إنه لا حرج في اعتماد تلك الخطوة ما دامت هذه التقديرات الموضوعة تطرأ عليها تغيرات طيلة السنة المالية.

ويعني المقترح أن الحكومة ستتجه بشكل مباشر نحو تخفيض سعر الصرف الرسمي للعملة عن مستواه الحالي في خطوة قد تجذب لها الاستثمارات الأجنبية.

ومن بين إجراءات الطوارئ الأخرى، التعديل التدريجي لأسعار الصرف في السوق الرسمية بعيدا عن السوداء، والدولار الجمركي، على مدى عامين للوصول إلى السعر الحقيقي.

والدولار الجمركي، هو ما يدفعه المستورد من رسوم بالعملة المحلية بما يوازي الرسوم الدولارية المفروضة عليه، نظير الإفراج عن البضاعة المستوردة والمحتجزة في الجمارك. وخلال العامين الماضيين اتسع قلق الأوساط المالية السودانية من تراجع قيمة الجنيه إلى مستويات قياسية أمام العملات الأجنبية.

كما تزايدت تحذيرات وكالات التصنيف الائتماني العالمية والمؤسسات المالية الدولية من الانعكاسات الخطيرة لهذا الانحدار، الذي يعكس خللا في التوازنات المالية، في ظل ارتفاع مستوى التضخم وشلل معظم محركات النمو.

وسجل سعر صرف الدولار مع قرار الحكومة تراجعا في السوق الموازية بنحو جنيه واحد ليصل إلى 145 جينها، بينما بقي سعر العملة الأميركية ثابتا على شاشة بنك السودان المركزي عند 55 جنيها للشراء و55.27 جنيها للبيع.

وكان الجنيه قد تعرض لضغوط شديدة في الأشهر الماضية جعله يفقد أكثر من 80 في المئة من قيمته، تزامنا مع أزمة حادة في توفر السيولة النقدية من العملة المحلية.

وتوقعت وزارة المالية أن تساعد الإجراءات الأخيرة في إحداث نمو اقتصادي متدرج خلال ثلاث سنوات، “بحيث يحقق الاقتصاد نموا متدرجا بثماني نقاط مئوية تخرجه من منطقة الانكماش، وخفض التضخم”.

وتحتاج الخرطوم بشدة الحصول على دعم مالي لإعادة تنظيم اقتصادها، بعد أن بلغت نسبة التضخم نحو 130 في المئة في الوقت الذي تطبع فيه الحكومة أموالا لدعم الخبز والوقود والكهرباء.

أزمة خبز
أزمة خبز

وزادت الوزيرة “سيتم ترشيد سعر الوقود عن طريق السماح للقطاع الخاص باستيراد كميات غير محدودة من البنزين”. وتطرقت إلى المالية العامة خلال جائحة كورونا، وقالت إن “الإيرادات العامة في الميزانية انخفضت بنسبة 40 في المئة، بسبب جائحة كورونا“.

وفي ديسمبر الماضي، أجازت الحكومة الانتقالية ميزانية العام الحالي بإيرادات 568.3 مليار جنيه (12.59 مليار دولار)، ومصروفات 584.4 مليار جنيه (12.95 مليار دولار)، والعجز 16.1 مليار جنيه (360 مليون دولار).

ويرى متابعون للشأن السوداني أن تراكم الأزمات المنجرة عن سنوات حكم الرئيس المخلوع عمر حسن البشير، وتداعيات أزمة كورونا يشطبان بوادر انتعاش الاقتصاد سريعا، التي تسعى إليها الحكومة في خططها لإصلاح الاقتصاد.

وتطالب معظم الشركات الحكومة بالإسراع في تنفيذ وعودها وبالمزيد من المرونة في تحسين القدرة التنافسية للمنتجات المحلية والسعي إلى فتح أسواق جديدة لها في الخارج لتقليص الواردات وبالتالي تضييق الفجوة الكبيرة في العجز التجاري. وتشير بعض التقديرات إلى أن العجز التجاري للسودان يبلغ قرابة المليار دولار، وهو مبلغ كبير قياسا بدولة تعيش أزمات لا حصر لها.

10