الحياة التفاعلية

الخميس 2016/09/01

منذ العام 2003 وحتى اليوم دخل العراق مداخل حرجة في سياسته العامة أثبتت أنها مداخل بلا خبرات ميدانية ولا حتى نظرية وأن الموكلين بشأن إدارة البلاد سياسيا وثقافيا واقتصاديا؛ من أقل الدرجات حتى أعلاها؛ عبارة عن مجموعات هامشية طفيلية اختارتها المصادفات السياسية لتكون في صدارة المشهد العراقي العام؛ ولذلك لا يمكن التكهن بما سيؤول إليه حظ العراق من الثقافة والعلوم والتكنولوجيا في عالم يتطور بشكل مذهل في عصر الاتصالات والحوسبة والثورة الرقمية وعصر المعلومات فائقة السرعة.

واقع الحال يشير إلى أن الحياة البدائية التي ترافق البلاد من النواحي كلها تسببت في تعطيلها كليا وطوّقت خبراتها البشرية والروحية والنفسية ووطّنت فيها روح اليأس وقتلت أملها بأن تستعيد موضعها وموقعها كقوة إقليمية ثقافية وحضارية وبشرية، لذلك عبرت حداثة التكنولوجيا بشتى مسمياتها قوس البلاد التي كان يمكن أن تكون نقطة فجر متألق في المنطقة بعد زوال كوابيس الدكتاتورية وأن تخطّ لها أفقا جديدا يُدخلها إلى عصر المعلوماتية الجديدة بأمل اللحاق بمعطيات العصر وما أنتجه من علوم تكنولوجية وثورات برامجية اختصرت رؤى وتطلعات أجيال متلاحقة في سعيها الحثيث لتكون في مشهد الحياة.

يبدو أن الشعوب التي اعتادت على أن تمسك البندقية في نومها وصحوها تبقى شعوبا متخلفة مهما أطال الزمن في بقائها ولن تلتحق بركب العالم؛ فالأصابع المدمنة على مسك زناد البندقية لا يمكن مقارنتها بالأصابع التي تمسك أزرار التكنولوجيا والعقل الذي يدير ثقافة المعلومات العصرية بتجلياتها الكبيرة ليس هو العقل الذي يفكر بثقافة الخنادق والمتاريس والخرائط الجوية والطلعات القتالية، فلكل رأس امتلاؤه الفكري والعلمي وتجاربه التي تغنيه وتثريه وتضعه على عتبة الحياة العظيمة لا على باب الحروب العبثية والموت المجاني كما يحصل في العراق من أربعين سنة تقريبا من ذلك العصر الذي اكتظ بالحروب حتى هذا الخراب الذي يسمونه “داعش”.

العالم صار قرية صغيرة بحجم الموبايل وربما أصغر من ذلك، وسيكون في الغد القريب بحجم الزر وهذا ليس من باب الخيال العلمي ولا من أفلام الرسوم المتحركة ولا من شطحات الفنانين السورياليين، فكل مُحال سيكون واقعا نعيشه ونتلمسه ونتفاعل معه وبالتالي نصدقه ونحن نستهلكه.

ليس الأمر غريبا في عالم يتحضّر كل دقيقة؛ فالحياة التفاعلية أخذت مدياتها إلى التطبيق الفعلي والعملي وعلماء الغد يعيشون في حاضرنا ويستقرؤون المقبل من المقاربات التكنولوجية والرقمية والوسائط الإعلامية والإلكترونيات المعقدة في سبيل الارتقاء بواقع العلم إلى مصافات متقدمة لإدخال البشرية إلى ميدان التحضر التفاعلي الشامل بواقعيته التي أصبحت ممكنة جدا.

عالم الحوسبة وتكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصالات ورؤية المستقبل على نحو واضح، وطّدت لغة علمية استشرافية لما ستؤول إليه الحياة المقبلة، فالعلم بمعطياته الملموسة لا يقف عند حدود التأمل الشعري المجرد، وهو كالعاصفة الماضية التي تقتلع الأشجار الرثة والنباتات المتسلقة والبيوت المتهالكة والصخور الناتئة التي لا معنى لها في الكثير من الأحيان.

الحياة التفاعلية الآتية بكامل متغيراتها العلمية والعملية والمهنية وما أفرزته المعلوماتية الجديدة سيكون له عميق الأثر في تغيير المناخات النفسية للبشرية وهي تتفاعل مع الآلة الإلكترونية الجديدة التي تديم غايتها بالتواصل مع الإنسان التفاعلي الجديد، عندما ينبثق اليوم وغدا من عصر سريع التحولات، بعد أن أمسك بناصية المعرفة واكتنز أسرار المعلوماتية في أبهى منجزاتها الثقافية المتطورة وسيكون من دواعي الأمل أن شركات عملاقة باستراتيجيات مفتوحة أمسكت بمشروع إنسان الغد لتدخله عصر العجائب الذي يسميه “فرانك كيلش” عصر الإنفوميديا.

كاتب من العراق

14