الحوار بين السلطة والمعارضة في مصر تحت الاختبار

قيادات معارضة لـ"العرب": توسيع نطاق الحريات والإفراج عن المعتقلين في مقدمة مطالبنا.
الجمعة 2022/04/29
خطوة نحو التغيير أم مجرد استعراض

أثارت دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عناصر من المعارضة إلى حفل إفطار الأسرة المصرية تباينا في المواقف بين الأوساط السياسية والشعبية في البلاد، فمنها من هاجم المعارضة لمشاركتها في حفل رأى أنه يهدف إلى تلميع صورة النظام في الخارج، بينما رأى المعارضون ممن لبوا دعوة السلطة أن عليهم استثمار مثل هذه المبادرة الإيجابية النادرة ليقدموا مطالبهم ويمضوا قدما نحو تحرير المعتقلين السياسيين وفسح المجال أمام التعددية والديمقراطية وحرية التعبير.

القاهرة - فوجئ الكثير من المراقبين بحضور عدد من رموز المعارضة المهمشة طوال السنوات الماضية حفل إفطار الأسرة المصرية بدعوة من الرئيس عبدالفتاح السيسي الثلاثاء، عقب تصريحات أكد فيها حاجة البلاد إلى إجراء حوار سياسي شامل.

وضم الحضور وجوها بارزة من المعارضة المصرية لم يسبق لها أن حضرت مثل هذه المناسبة، بعضها جرى إقصاؤه من المشهد السياسي؛ مثل المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، والصحافي خالد داوود الذي خرج من محبسه منذ نحو عام، والقيادي في حزب الكرامة وعضو لجنة كتابة الدستور المصري محمد سامي، ووزير الصحة الأسبق عمرو حلمي، ووزير القوى العاملة السابق كمال أبوعيطة الذي انضم إلى اللجنة المسؤولة عن الإفراج عن المعتقلين، والمخرج خالد يوسف الذي عاد إلى القاهرة بعد فترة غياب قضاها في باريس.

وأكد الرئيس السيسي، في كلمة ألقاها أمام الشخصيات التي حضرت، تكليف إدارة المؤتمر الوطني للشباب بإدارة حوار سياسي مع كل القوى لبحث أولويات العمل السياسي في المرحلة المقبلة ورفع مخرجات هذا الحوار إليه شخصيا.

وأثار اللقاء ودعوة رموز من المعارضة إلى الحوار ردود فعل متابينة؛ تراوحت بين الترحيب بالدعوة وبدء صفحة جديدة والتعامل معها كبداية لانفراجة سياسية، وبين الرفض واعتبار الدعوة محاولة من السلطة لاستخدام المعارضة وتوظيفها في مشهد ديكوري، وأن الحوار المنتظر لا يخلو من دعاية لتجميل الصورة السياسية للنظام المصري في الخارج.

صباحي والسيسي وجها لوجه

خالد داوود: علينا استغلال الفرص لطرح مطالبنا والدفع نحو تحرير المعتقلين

المشهد اللافت الذي تناقلته الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي في حفل إفطار الأسرة المصرية هو المصافحة بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ومنافسه السابق في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014 حمدين صباحي، حين بادره الرئيس بقوله “أنا شايف الأستاذ حمدين، أهلا وسهلا”، ودار بينهما حوار جانبي.

وأثار حضور صباحي الضجة الأكبر في الأوساط السياسية، حيث بدا معارضا له في الكثير من التوجهات التي تبناها النظام المصري الجديد، وكان من الشخصيات البارزة التي تم إقصاؤها عن المشهد السياسي وجرى اعتقال عدد من المقربين منه.

وعن تقييمه لدعوة السلطة إلى الحوار مع القوى السياسية أكد حمدين صباحي في تصريحات لـ”العرب” أن “إعلان السلطة رغبتها في إجراء حوار سياسي مؤشر إيجابي، فهي لم تقدم على هذه الخطوة من قبل”.

وأضاف أن “مصر بحاجة إلى تعدد الآراء وليس الانفراد وسيادة الرأي الواحد، وهذه فرصة جيدة وعلينا أن نحسن جميعا إدارتها بمسؤولية، ما يتطلب خلق مناخ مواتٍ لإدارة حوار تشارك فيه كل الأصوات، والنقطة الجوهرية لخلق هذا المناخ هي الإفراج الفوري عن كل سجناء الرأي”.

وظهرت مؤشرات إيجابية في هذا الاتجاه مؤخرا، حيث شملت عمليات الإفراج العشرات من المعتقلين في قضايا سياسية وقضايا حرية تعبير، ومن المتوقع أن تتواصل هذه العملية خلال الفترة المقبلة.

وطالب صباحي بأن تشمل الإفراجات “كل سجين رأي من أي اتجاه دون استثناء ونأمل أن يتم ذلك في توقيت سريع”.

وثمّن آخرون من المؤيدين للرئيس السيسي دعوة رموز من المعارضة واعتبروها مبادرة لفتح الأفق السياسي أمام المعارضة الوطنية من أجل حماية الجبهة الداخلية لمصر في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والغضب الشعبي المكتوم.

وذكر صباحي لـ”العرب” أن “المطلب المهم في مسألة الحوار هو الاتفاق الحاصل حول مواضيع معينة وطريقة إدارة هذا الحوار وشفافيته، وتتوافر إرادة سياسية معلنة ويتم تفعيل نتائج الحوار، ومن أهم نقاطه تحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة النظر في مجمل السياسات الاقتصادية من أجل الوصول إلى تنمية حقيقية”، وأشار إلى أنه سيقدّم بمعية زملائه في حزب الكرامة تصورات وبرامج تفصيلية في هذا الصدد، و”نطلب من كل حزب وجامعة وباحث وصاحب رأي المساهمة في ملف التنمية والعدالة الاجتماعية”.

محمد سامي: على المعارضة ألا تفوّت فرصة إنشاء علاقة مع النظام

ولفت إلى أن “فتح المجال السياسي المغلق منذ سنوات وتأمين الحريات الإعلامية والتداول السلمي للسلطة ونزاهة الانتخابات والاستقلال التام للسلطة القضائية، هي عناوين رئيسية ضمن الحوار المزمع عقده إلى جانب عناوين أخرى مهمة في قضية الاتجاه إلى نظام ديمقراطي وتفعيل مواد الدستور وحقوق المصريين المنصوص عليها، والتأكيد أننا في نظام تعددي، ومفتاح هذه القضية إنهاء ظاهرة سجناء الرأي”.

وتطرق حمدين صباحي في تصريحاته لـ”العرب” إلى دور مصر العربي، و”ضرورة تنشيطه في إطار أمتها وعلاقاتها الخارجية وتأمين أمنها القومي خصوصا بشأن قضية مياه النيل، وأن تلعب دورا في التصدي للعدوان المستمر من الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين”.

وهذه عناوين عريضة تضم تفاصيل كثيرة، إذا بدأ الحوار الجاد والمفتوح على الجميع أداء واجبهم للخروج بمصر من الأزمة المركبة التي تشهدها منذ سنوات.

وطفت تساؤلات حول مستقبل الأحزاب والمعارضة المصرية بعد سنوات من الإقصاء والتهميش، وهل ستسفر التطورات الجديدة عن تغيير في دورها؟ وهو ما أوضحه صباحي بقوله “سيتحدد مستقبل المعارضة وفق درجة احترام السلطة للدستور وإنهاء طريقة الحكم بمنطق الرأي الواحد، وهذا ما بدأ التحول عنه بالدعوة إلى هذا الحوار، وقدرة المعارضة على أن تكون جادة في الحوار وقادرة على تقديم برامج حقيقية وتعبر عن خلافها الأصيل مع السياسات الحالية وتطرح رؤى بديلة”.

ومن الواجب توفير أجواء سياسية تنهي حالة التنافر وتفتح الباب أمام احترام الخلاف والتعايش بين قوى مختلفة في الرأي، فالبحث عن التوافق ضروري، وهذا اختبار للسلطة والمعارضة معا، فالمهمة شاقة والأزمة مستحكمة والحاجة إلى الخروج منها ماسة.

هجوم ومزايدات

انفتاح على كل الأطياف
انفتاح على كل الأطياف

تعرض المشاركون من المعارضة المصرية إلى وابل من الهجوم ومزايدات سياسية من بعض المنتمين إلى التيار المعارض للسلطة، حيث رأى البعض أن مشاركتهم “تجميل لمشهد سياسي قاتم، وأنهم مجرد ديكور ضمن لقطة مصورة تستخدمها السلطة لغسل سمعتها”.

وعلق صباحي على ذلك قائلا “كل هجوم علينا مشروع ومبرر ومنطقي، وأنا قبلت هذه الدعوة رغم علمي أنني سأتعرض للهجوم من كثيرين مقربين مني وبعيدين، ومن حيث المبدأ أعبر عن تفهمي وتقديري لأية انتقادات أو هجوم شخصي علي، وفي المدى القريب سوف يثبت مدى صحة هذا الهجوم من عدمه إذا لم يخرج السجناء وإذا بقي الأمر كما هو عليه فأنا شخصيا سأقول لكل من هاجمني إنه محق وأقر بالخطأ، وإذا حدثت انفراجة بدرجة محسوسة ثم تطور هذا الحوار إلى آفاق أخرى مهمة متعلقة بتغيير السياسات فهذا يعني أن اختيارنا كان صحيحا”.

حمدين صباحي: رغبة السلطة في الحوار مؤشر إيجابي لم تقدم عليه من قبل

واستطرد قائلا “ذهبت للقاء وأنا متوقع هذا الهجوم، لكن في المقابل إذا خرج سجناء لهم الحق في الحرية نتيجة مشاركتي سيكون ضميري راضيا مهما تعرضت لهجوم أو انتقادات”.

وطالب البعض من المراقبين المعارضة بأن تستخدم الأدوات القليلة المتاحة أمامها ومن بينها المشاركة في حوار بعد سنوات من الإقصاء والتضييق، وعلقوا الكثير من الآمال حول نتائج هذا اللقاء، مع توفير ضمانات بشأن وعود السلطة، لكن المشاركة ستظل محاولة في طريق الإصلاح قد تنجح أو تفشل، وفي كل الأحوال لا ينبغي تفويت الفرصة الراهنة ومحاولة البناء عليها.

وقال القيادي في حزب الكرامة وعضو لجنة الخمسين لكتابة الدستور محمد سامي لـ”العرب” إن “الدعوة حملت في طياتها علامة إيجابية، لأنها المرة الأولى التي تتم فيها دعوتنا إلى هذا اللقاء، واستجبنا باعتبار أن هناك بادرة طيبة خلال الأيام السابقة بالإفراج عن عدد من سجناء الرأي مع وعود باستكمال الإفراجات”.

وذكر أن “ثمة مؤشرات إيجابية تتعلق بالروح التي تعامل بها الرئيس عبدالفتاح السيسي مع المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، واتسمت بالمودة وحملت رسالة ضمنية تفيد بأن المعارضة يمكن أن تعود إلى العمل في مناخ سياسي يسمح لها بالتعبير عن رأيها، وهي رسالة لكل الأطراف يفيد مضمونها بأن هناك نية لفتح الأفق السياسي بعد فترة من الانسداد الطويل”.

وحول جدية الدعوة إلى الحوار من عدمها أكد سامي أن العبرة بالأفعال والنتيجة التي سوف تسفر عن هذا الحوار، وأنهم تلقوا وعودا من مسؤولين بفتح المجال العام والسياسي.

وعلى ضوء ذلك يرى محمد سامي أن ما حدث في حفل إفطار الأسرة المصرية “بادرة جيدة من الدولة على أعلى مستوى، وينبغي على المعارضة أن تتعامل معها بمسؤولية ولا تفوت الفرصة، وهي بداية لعلاقة جديدة بين القوى السياسية والنظام”.

المؤيدون للسيسي اعتبروا دعوة رموز من المعارضة مبادرة لفتح الأفق السياسي أمام المعارضة من أجل حماية الجبهة الداخلية لمصر
المؤيدون للسيسي اعتبروا دعوة رموز من المعارضة مبادرة لفتح الأفق السياسي أمام المعارضة من أجل حماية الجبهة الداخلية لمصر

واتفق معه في الرأي الصحافي والرئيس السابق لحزب الدستور خالد داوود بقوله “دفعنا الثمن غاليا ومازال لنا أصدقاء وزملاء قيد السجن ومواطنون عاديون لمجرد تعبيرهم السلمي عن رأيهم، ونحن مطالبون باستغلال كل فرصة أو نافذة تتاح لنا من أجل طرح مطالبنا والدفع بإطلاق سراح الزملاء المحبوسين، وهو ما دفعنا إلى المشاركة دون الاهتمام بأية مزايدات”.

وكان داوود أحد المعتقلين قبل أن يخرج من محبسه منذ نحو عام ومن الذين لبوا دعوة الإفطار الرئاسي، وتحدث لـ”العرب” قائلا “اعتبرها بادرة إيجابية ونرحب بدعوة الرئيس إلى الحوار السياسي وقراره بإعادة تشكيل لجنة العفو للنظر في حالات السجناء السياسيين”.

وقال داوود “طالبنا المسؤولين الذين التقينا بهم على هامش الإفطار بضرورة اتخاذ قرار سياسي يقضي بالإفراج عن كل سجناء الرأي من التيار المدني غير المتورطين في قضايا عنف، خصوصا الذين تم حبسهم بداية من عام 2019، ونحن من البداية نقول إننا ندفع نحو تحقيق الدولة للمزيد من الاستقرار السياسي والاقتصادي”.

وأضاف أنه تحدث عن ضرورة إنهاء حجب المواقع الإلكترونية وفتح الباب أمام المزيد من الحريات الإعلامية، وتابع “نحن نتفهم الظرف الذي تمر به مصر من الناحية الاقتصادية والتهديدات الإقليمية التي تحيط بنا، سواء في ليبيا أو السودان أو فلسطين، لذلك نحن على أتم الاستعداد للوقوف إلى جانب الدولة وليس النظام من أجل مواجهة هذه التحديات”.

من الواجب توفير أجواء سياسية تنهي حالة التنافر وتفتح الباب لاحترام الخلاف والتعايش بين قوى مختلفة في الرأي

وبشأن التحركات المنتظرة خلال الفترة المقبلة قال داوود لـ”العرب”، “اتفق ممثلو أحزاب المعارضة الذين حضروا الإفطار على الاجتماع في غضون الأيام القليلة المقبلة لتنسيق المواقف المشتركة واتخاذ مواقف موحدة، وتقديم ورقة عمل خلال جلسات الحوار السياسي المنتظر عقب عيد الفطر المبارك، وسوف نحدد أولوياتنا التي لن تقتصر على تقديم مطالب خاصة بالحريات وإنما تتضمن أيضا السياسات الاقتصادية وترتيب الأولويات وكل الأمور المتعلقة بالمصالح المباشرة للمواطن ومن بينها قضية العدالة الاجتماعية وكيفية مواجهة الأزمات الإقليمية والدولية”.

وحول رؤيته لمستقبل المعارضة في مصر قال داوود “عندما كنت مسجونا كانت معظم أحزاب المعارضة قيد السجن، ونحن لا نزايد لكن نحتاج إلى مساحة للتنفس، فطالما لا توجد هذه المساحة لن يكون هناك مجال لتواجد الأحزاب من أي نوع أو فرصة لممارسة عمل حزبي، ومطلبنا هو وجود عمل سياسي حقيقي”.

ونحن نحتاج إلى قرار سياسي وليس تقنيا يتعلق بتوسيع هامش الحريات والسماح للمعارضة بالتحرك، ويمكن أن تكون هناك مصداقية بخصوص دعوة الحوار، لكن إذا بقي الوضع كما هو عليه فهذا لن يفيد كثيرا.

ويذكر أن إفطار الأسرة المصرية تقليد سنوي أقره الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يحرص على حضوره منذ سنوات، بمشاركة الوزراء وكبار رجال الدولة وقوى سياسية ودينية وشعبية مختلفة.

7