الحوار الوطني ينوب عن السيسي في مواجهة الأزهر لإلغاء الطلاق الشفهي

يدعم موقف القوى السياسية المؤيدة للنظام والمعارضة على حد السواء رؤية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشأن إلغاء الطلاق الشفهي، وهو ما سيسهل مهمة مواجهة الأزهر الذي يرفض مجاراة العصر ويتمسك بقراءات تقليدية للفقه والشريعة.
القاهرة - حملت نقاشات الحوار الوطني حول إلغاء الطلاق الشفهي تأييدا لموقف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعد التوافق شبه الكلي بين القوى السياسية المؤيدة والمعارضة على حتمية وضع حد لفوضى الطلاق بإلغاء تطليق المرأة وفق النصوص شفهيا، على أن يتم الاعتداد بالطلاق الموثق فقط.
وتلقت دوائر مقربة من السلطة توافق القوى السياسية على إلغاء الطلاق الشفهي بنوع من الارتياح، لأنه ينزع فتيل أزمة بين مؤسسة الرئاسة والأزهر حول القضية مع تمسك المؤسسة الدينية بموقفها الرافض لتغيير هوية الطلاق.
ورفع الحوار الوطني عن الرئيس السيسي عبئا سياسيا واجتماعيا لأنه دعّم إلغاء الطلاق الشفهي للحفاظ على التماسك الأسري، لكنه كان بحاجة إلى غطاء شعبي، ومع تبني قوى مختلفة رؤيته عبر الحوار الوطنتي قد يتم غلق الباب أمام أزمة حادة.
ويوحي المشهد العام بأن الحوار الوطني قرر خوض المواجهة مع الأزهر، نيابة عن السيسي، الذي وعد بالتصديق على توصياته ومقترحاته التي تدخل ضمن صلاحياته الدستورية، وعدا ذلك سوف يتم إحالته إلى مجلس النواب لتمريره تشريعيا.
ولا يمانع أعضاء كثيرون في البرلمان من تمرير تشريع من مخرجات الحوار إذا حصل على تأييد من غالبية القوى السياسية، لاسيما أن مجلس النواب ناقش مقترحا بإلغاء الطلاق الشفهي، لكن الأزهر تصدى له مدفوعا بتأييد شعبي.
تدرك الحكومة أن تحمل القوى السياسية عبء النقاش والتوافق على تشريع عصري للطلاق يمهد الطريق لتمرير القانون، مهما احتوى على مواد تتعارض مع توجهات وقناعات الأزهر ولو استمر في تحريض الرأي العام مستغلا نفوذه الديني.
ويجني السيسي ثمار تكليفه السابق للحكومة بإجراء حوار واسع حول مشروعات القوانين الخاصة بالأحوال الأسرية ويرفض أن تكون مؤسسة الرئاسة في مواجهة مع الشارع، في ظل تعامل الأغلبية المجتمعية بحيطة وحذر شديدين مع أي تشريعات لها علاقة بالنواحي الشخصية، مثل الزواج والطلاق.
ومهد الرئيس المصري منذ أشهر قليلة لإزاحة الأزهر عن تصدر المشهد في هذا النوع من القضايا المجتمعية بتأكيده أنه هو من سيتحمل الذنب إذا جرى تمرير القانون الأسري الذي يلغي الطلاق الشفهي بما يخالف الشريعة الإسلامية، في محاولة لرفع العبء والحرج عن الأزهر ومطالبته بشكل غير مباشر بالنأي عن القضية.
أظهر الأزهر تحديا صريحا للسلطة وأعاد رفض إقرار تشريع عصري لقانون الأسرة أو الاعتراف باستبدال الطلاق الموثق بالشفهي، في تكرار لموقف هيئة كبار العلماء قبل خمس سنوات عندما رفضت بالإجماع مقترح السيسي بإلغاء الطلاق الشفهي.
يعد الدعم المقدم من القوى المدنية للحكومة في خلافها مع الأزهر بشأن إلغاء الشفهي خطوة إيجابية في طريق تنحية المؤسسة الدينية جانبا عن المشاركة في إعداد قوانين لها علاقة بالأحوال الشخصية، جراء مواقفها المتشددة وتقديسها لنصوص تراثية.
ولا ينفصل تمرير الحكومة لرؤية القوى السياسية المخالفة لرأي الأزهر عن محاولات حكومية متشعبة لاستعادة الثقة المفقودة وتقريب المسافات مع المعارضة واستطلاع وجهات نظرها في ما يتم التخطيط له مستقبلا، لأنها ليست مستعدة للدخول في صدام قد تستثمره قوى مناوئة لتحريض الشارع عليها.
من شأن العناد مع الناس في ملف مرتبط بتشريعات مجتمعية متداخلة مع الدين أن يقود إلى حالة من التذمر في الشارع، والرئيس السيسي لا يرغب في وصول علاقة الحكومة مع الناس إلى حد المواجهة والتحدي لمجرد إظهار أن رؤية الدولة هي الصواب، وبالحوار يمكن التوافق على رؤية تحصل على تأييد من المواطنين.
تجمع الكثير من الأصوات المراقبة على حتمية إدخال الشارع طرفا في الحوار المرتبط بالتشريعات الملتهبة كي تبدو الحكومة قريبة من الناس ولا تظهر وكأنها تعيش في جزر منعزلة، لأن إحساس المواطن بأن صوته مسموع وما يدور في عقله محل تقدير من الدولة يعزز فكرة الشراكة بين الحاكم والمحكوم، ويمنح أي خطوة رسمية غطاء شرعيا ودعما شعبيا.
يوحي التوجه الرسمي في مصر نحو استبدال الحوار مع الأزهر المتحفظ على التشريعات الأسرية المعاصرة بالحوار مع ممثلي القوى السياسية بأن مؤسسة الرئاسة عقدت العزم على إزاحة الأزهر عن الملف، وهي تدرك تبعات الخلاف المرتقب، لذلك ترغب في تجييش الرأي العام لدعمها في مواجهة تشدد يعتري الموقف الديني.
يتطلب الأمر قدرا من الحنكة السياسية، لأن إقرار تشريع عصري للأحوال الشخصية يكون حاكما لعلاقات الناس الأسرية ليس بالأمر السهل سياسيا في مجتمع تحكمه العاطفة الدينية وتعلو فيه أحيانا أصوات التطرف الفكري، وهي نقطة أخرى يرغب السيسي في تجاوزها بأقل الخسائر دون صدام مع قوى دينية لها تأثير.
يتحرك الرئيس المصري ناحية التوسع في صلاحيات الحوار الوطني مدفوعا بإرادة سياسية تستهدف وضع حد لنفوذ الأزهر الذي يحاول تقييد يد السلطة في إقرار تشريعات أسرية تتناقض مع التراث الديني، ويعوّل في هذه المعركة على المفكرين والكتاب والمثقفين والسياسيين والأصوات المدنية المنفتحة.
◙ استبدال الحوار مع الأزهر بالحوار مع ممثلي القوى السياسية يشير إلى عزم النظام على إزاحة الأزهر عن الملف
مع كل طرح من الحكومة المصرية لإلغاء أو تعديل نصوص قانونية تتلامس مع التشريعات المرتبطة بالأحوال الشخصية، الإسلامية أو المسيحية، يروج سلفيون وإخوان وعلماء ينتمون إلى الأزهر إلى أن النظام يريد سن قوانين تخالف الدين وتكرس لعلاقات أسرية لا تتفق مع الشريعة، ما يدفع إلى إطلاق حوار ينسف مزاعم المتطرفين.
قال سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة، لـ”العرب” إن دعم القوى السياسية لتوجهات الحكومة نحو إلغاء الطلاق الشفهي خطوة إيجابية في طريق تكريس الدولة المدنية، لكن تثبيت هذا التوجه يحتاج إلى إرادة سياسية قوية في مواجهة شعبوية التيارات الدينية المتطرفة، ولا يجب أن يظل النظام وكأنه قليل الحيلة أمام ارتفاع صوت التشدد.
وأضاف أن تمرير رؤية الحكومة المناهضة لموقف الأزهر، ولو كانت مدعومة من قوى سياسية مؤيدة ومعارضة، بحاجة إلى سيناريو سياسي يجنب السلطة الصدام مع الشارع أو الوصول إلى حالة استقطاب مجتمعي يصعب غلقه بسهولة، في ظل تحديات اقتصادية معقدة تفرض على الحكومة منع وجود بؤر صراع على أساس فقهي.
من السهل على الحكومة أن تمرر قانونا يزيد الأعباء الاقتصادية حتى لو كان الناس يعيشون حالة احتقان وتذمر وثورة على شبكات التواصل الاجتماعي، لكن من الصعب إجبار المجتمع على التعاطي مع تشريعات مشكوك في مشروعيتها الدينية، ما يفرض المزيد من العقلانية في استثمار موقف الحوار الوطني في مواجهة الأزهر.
بغض النظر عما سوف تؤول إليه القضية، لكنها تشكل اختبارا قويا لإرادة النظام وجرأته في مواجهة العقلية السلفية – الأزهرية التي سيطرت على النسبة الأكبر في المجتمع، وصارت تتحكم أحيانا في توجهات وفتاوى المؤسسة الدينية وتتعمد إثارة المنغصات السياسية للحكومة في توقيتات بالغة الحساسية.