الحوار الوطني ينقذ البرلمان المصري من ورطة الإجراءات الجنائية

القاهرة - دخل مجلس أمناء الحوار الوطني في مصر على خط أزمة قانون الإجراءات الجنائية الذي أقرته لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب دون توافق كامل حوله، ما تسبب في اعتراضات على مشروع القانون، وتطلب الأمر تهدئة من البرلمان الذي فتح الباب لإجراء حوار بشأن المواد المختلف عليها والاستعانة بالحوار الوطني ليقوم بـ”إطفاء الحريق السياسي” ومنع الوصول إلى الانسداد التام.
وقال مجلس أمناء الحوار الوطني في بيان، مساء الأحد، إنه سوف يُعيد صياغة توصياته التي خرجت بشأن مواد الحبس الاحتياطي وما يرى أنه مواد لم تكتمل ضمن قانون الإجراءات الجنائية ويعيد إرسالها إلى رئيس الجمهورية لاتخاذ ما يراه مناسبا بشأنها، ووجد أن بعض توصياته السابقة التي توافق عليها لم ترد في مشروع القانون الجديد على الرغم من أهميتها للمعالجة الشاملة والمطلوبة لكل التفاصيل الأساسية لهذا الملف.
ويعبر موقف الحوار الوطني عن رغبة في التهدئة السياسية عبر الدخول في أبرز مواد القانون جدلا والمرتبطة بالحبس الاحتياطي، والتي تأخذ بعدا سياسيا دون غالبية مواد قانون الإجراءات الجنائية التي تصل إلى 540 مادة وترتبط بالعلاقة بين مؤسسات العدالة والجناة والمدافعين عنهم.
ويبعث دخول مجلس أمناء الحوار، الذي جرى تشكيله منذ نحو عامين، في أزمة قانون الإجراءات الجنائية برسالة، مفادها أن ما أقرته لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في البرلمان من نصوص لا تحظى برضاء كامل لدى دوائر حكومية رأت أن القانون يمكن أن يكون بوابة للتأكيد على وجود إصلاح سياسي عبر تحسين البيئة التشريعية، خاصة المواد المتعلقة بالحريات العامة والحبس الاحتياطي.
وبمقتضى مواقف الحوار الوطني الأخيرة، باتت هذه الجهة تلعب دورا أكبر من كونها تهدف إلى النقاش في ملفات سياسية واقتصادية واجتماعية مختلف عليها لصالح ترسيخ حضوره كجهة وسيطة يمكن أن تصبح نقطة التقاء يتوافق عليها مؤيدون للحكومة ومعارضون لها.
ومع أن غالبية أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم الجزء الأكبر من المعارضين انسحبت من الحوار، فإن وجود شخصيات معارضة ضمن مجلس أمناء الحوار هو ضمانة على أن صوت المعارضة سيكون مسموعا ويتم الأخذ به.
وناشد الحوار الوطني كافة المؤسسات والهيئات المعنية المسارعة في تقريب وجهات النظر، بما يضع العلاقات بينها في مسارها الطبيعي من الاحترام المتبادل والتكامل في الأدوار من أجل تحقيق المصالح العليا لمصر والمصريين.
وقال عضو مجلس أمناء الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع إن الحوار يسعى لتهدئة الأجواء الراهنة، ويمارس دوره كي تتم الاستجابة لجميع ما صدر عنه من توصيات بشأن المواد المتعلقة بالحبس الاحتياطي، لأن البرلمان أخذ بثلث توصيات الحوار واستبعد ثلثي التصورات التي جرى التوافق عليها من قبل، وسيتم تفنيد كامل للمواد التي لم ترد في القانون وتقديم ما يشير إلى إمكانية تنفيذها دون استبعادها تماما.
وأوضح هاشم ربيع في تصريح لـ”العرب” أن البرلمان استبعد مطالبة الحوار الوطني بتطبيق “الأسورة الرقمية للمحبوسين احتياطيا لتتبعهم بدلا من تقييد حريتهم، وبرر ذلك بأنه ينتظر موافقات وزارة الاتصالات والهيئات التي لها علاقة بالتكنولوجيا الحديثة في أن الأمر مطبق في العديد من الدول، ويشبه ذلك تبريرات سابقة كانت تسوق لها الأنظمة الحاكمة لرفض مقترحات مقدمة إليها من المجتمع المدني”.
وأشار إلى أن مجلس النواب لم يأخذ بأربعة مقترحات تقدم بها الحوار الوطني بشأن تعويض المحبوسين، وأخذ بمقترح واحد فقط، كذلك الوضع بالنسبة لمدد الحبس الاحتياطي، حيث تقدم الحوار بخمسة مقترحات وتم الأخذ بأكثرها تشددا.
وجود شخصيات معارضة ضمن مجلس أمناء الحوار هو ضمانة على أن صوت المعارضة سيكون مسموعا ويتم الأخذ به
وتحدثت توصيات الحوار عن ضرورة أن تكون قرارات المنع من السفر أو الإدراج على قوائم الوصول أو التحفظ على أموال المتهمين صادرة بحكم قضائي، لكن البرلمان منح أيضا أحقية صدور القرارات من النائب العام، أو من يفوضه، والتمسك بوجود حكم القضاء يرجع لضمان عدم صدور قرارات تعسفية ضدهم.
ومن المستبعد الاستجابة لجميع الاعتراضات الموجودة على القانون بشكله الحالي، كما أن الموافقة على مواد الحبس الاحتياطي تتوقف على ما سيتم إرساله من الحوار الوطني من توصيات وما تحدده مؤسسة الرئاسة.
ومنح تعهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بترجمة جميع توصيات الحوار الوطني وإحالة الأمور التشريعية إلى مجلس النواب، دفعة نحو التحرك في مسارات مختلفة للضغط على البرلمان، لكن التراجع يحمل دلالات بأن دوائر حكومية يمكن أن تصبح خاضعة لضغوط المعارضة، وتكرار ذلك في وقائع أخرى، وأن الحوار الوطني يسعى ليجد مخرجا للمأزق الذي وضع فيه البرلمان نفسه بعد أن خرج بمسودة قانون مشوهة.
ويقول مراقبون إن دخول الحوار الوطني على خط الجدل المثار بشأن قانون الإجراءات الجنائية أمر مهم للغاية، لأنه يهدف إلى التأكيد على الأخذ بما خرج به من توصيات كي لا يتحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة مقيدة للحرية.
ويضيف المراقبون أن القانون الجديد ما زال بحاجة إلى المزيد من الدراسة والنقاش داخل مجلسي النواب والشيوخ والاستماع إلى آراء النقابات المهنية والجهات التي لديها صلة مباشرة بالقانون قبل الموافقه عليها بشكل نهائي في الجلسة العامة ليكون هناك توافق بين مختلف الآراء، ما يمنح القانون قوة عند تنفيذه، وأن الخلافات والتحفظات حول القانون أمر طبيعي إلى حين الوصول إلى توافق.
ومن المهم التفرقة بين مجلس أمناء الحوار الوطني، الذي يعبر عن مؤسسة تلعب دورا في النقاش حول بعض القضايا الحيوية، وبين الحوار الوطني بمعناه الأشمل الذي يكون فيه الاستماع إلى كافة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وذوي الخبرة، وأن لا يقتصر ذلك عن المجلس الذي جرى تعيينه بما يحقق التوافق السياسي المرجو.
وأعلن الحوار الوطني توصياته في ملف الحبس الاحتياطي، واستمع خلال اجتماع عقده الأحد إلى أراء أعضاء مجلس الأمناء الذين شددوا على أهمية معالجة ثلاثة موضوعات، هي: التعويض المادي، والتعويض الأدبي، ووسائل الدمج وإعادة التأهيل النفسي والمعنوي إن كان لها مقتضى.
وتطرق إلى أهمية أن تقوم الدولة بإعالة الأسرة معيشيا خلال فترة الحبس الاحتياطي، وتحديد مبلغ محدد للتعويض عن كل يوم يقضيه المتهم في الحبس الاحتياطي وأن يكون هذا المبلغ متناسبا مع قيمة الجنيه واقترح البعض أن يكون المبلغ ألف جنيه في اليوم (نحو 20 دولارا).