الحوار الوطني يعود كأولوية في مصر لمناقشة التحديات

عاد الحوار الوطني ليتصدر المشهد السياسي في مصر قبل أيام قليلة على موعد انطلاقه المقرر في الثالث من مايو المقبل، ما يشي بوجود جدية هذه المرة لانعقاد جلساته بشكل مباشر والعمل على حل جملة من المشكلات الوجودية التي تواجهها الدولة المصرية على المستويين المحلي والإقليمي.
القاهرة - عقد مجلس أمناء الحوار الوطني اجتماعا الأربعاء لاستكمال التجهيزات النهائية والوقوف على أسماء المشاركين، في ظل رغبة جهات محسوبة على الحكومة في تذليل العقبات التي واجهت انطلاقه، والسعي أخيرا للتأكيد على أهمية الخطوات المقبلة التي تدشن مرحلة سياسية جديدة تتقاسم فيها الحكومة المشاورات مع جهات معارضة.
وتدرك دوائر رسمية أن الدولة المصرية تعاني تحديات جمة لن يكون من السهل تفكيكها بعيداً عن النقاش مع مكونات سياسية مختلفة، بعد أن وصلت الأزمة الاقتصادية إلى مدى لا تتحمله فئات وشرائح واسعة من المصريين.
أضف إلى ذلك تنامي الصراعات في السودان وهو فضاء حيوي لمصر، واختلاف موازين القوى وتأثيراتها على قضايا عدة ترتبط مباشرة بالمجال الإستراتيجي للقاهرة.
ويخلق انطلاق الحوار بيئة داعمة مهمة للنظام المصري مع تزايد وتيرة التحديات التي تواجهه، خاصة أنه قد لا يجد يد العون والمساندة التي حصلت عليها القاهرة من حلفائها سابقا، ويبقى التعويل مهمًا على المساندة الداخلية التي تشكل دافعًا لإعادة ترتيب الأوراق الخارجية.
وقال المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان إن جلسات الحوار الوطني ستكون مذاعة، والمهم في الحوار هو تبادل الأفكار والآراء والمقترحات، وكل ما يُرفع من آراء أو قضايا سيتم التصويت عليه من قبل مجلس الأمناء، وجرت دعوة الكيانات السياسية والمجتمع الأهلي والأحزاب لتمثيل أكبر قدر من المشاركة.
وأصبح الحوار الوطني أولوية، ويعود طول فترة إعداده إلى أن الجذور كانت مقطوعة بين المجتمع السياسي وأجهزة الدولة إلى أن تم فتح جميع الملفات والتباحث بشأنها.
ومن غير المعروف ما إذا كانت الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم في عضويتها أحزابا وشخصيات عامة معارضة ستشارك في جلسات الحوار أم لا، في ظل عدم الاستجابة لكافة الضمانات التي قدمتها للمشاركة، وعلى رأسها الإفراج عن قوائم بعينها لمحبوسين على ذمة قضايا رأي.
وكشف مصدر مطلع بالحركة المدنية لـ”العرب” أن الحركة تتمسك بالإفراج عن قائمة تضم 27 اسمًا -من بين هذه الأسماء الناشط أحمد دومة- للمشاركة في الحوار، لافتا إلى أن الأمور تسير نحو إطلاق الحوار دون الإفراج عنهم، وبالتالي من المتوقع أن تعلن مجموعة من الأحزاب المنضوية تحت لواء الحركة المدنية انسحابها من الحوار، مع مراعاة عدم وجود توافق على موقف جماعي داخل الحركة للمشاركة في الحوار من عدمها.
وشدد المصدر ذاته على أن بعض الأحزاب قد تعلن انسحابها وفي الوقت ذاته يشارك في الحوار أعضاء فيها بصفتهم الشخصية، وأن جلسات سريعة يُتوقع عقدها يومي الخميس والسبت على مستوى الأحزاب والشخصيات المشاركة للاتفاق على صيغة نهائية، وإن كانت الضبابية لا تزال تسم المشهد العام إلى حد الآن.
وفي حال انسحبت الحركة المدنية أو بعض أحزابها من الحوار فإن ذلك سيشكل أحد المعوقات الرئيسية أمام خلق جبهة داخلية داعمة للحكومة المصرية، وطول فترة الإعداد لانطلاقه سحب قدراً من الثقة الشعبية في نجاحه، وقد يتحول في هذه الحالة إلى عامل سلبي، بجانب عدد من المشكلات الداخلية والخارجية.
وقد يواجه الحوار ضربات متتالية من المعارضة، ما يدعم ضرورة تذليل العقبات لنجاحه بصورة تتقبلها قطاعات شعبية تعول على التوافق حول سياسات اقتصادية لتحسين أوضاعها المعيشية، باعتبار أن ذلك يشكل أولوية قصوى للرأي العام.
طبيعة الأزمات التي تجابهها مصر بحاجة إلى قرارات عاجلة، ولن يكون من السهل الوصول إلى علاج ناجع وفقًا للآليات الحالية
هذا علاوة على أن الملف السياسي بدأ يأخذ حيزاً كبيرا من النقاش مع احتدام الصراعات المسلحة في السودان، وإمكانية تأثير ذلك على حالة التماسك المصري الداخلي.
وأكد المقرر المساعد للمحور السياسي في الحوار الوطني مصطفى كامل السيد أن الحوار الوطني يكتسي الآن أهمية قصوى، وهي المرة الأولى التي سيتم فيها منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي، ونجاحه يتوقف على تنظيمه الجيد وجدول أعماله والتوصل إلى قرارات محددة تتعلق بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن مجموعة من التفاصيل مازالت غير معروفة، فالحركة المدنية لم تحسم مشاركتها، وتعليقات الأمانة العامة للحوار تشير إلى مشاركة ألفي شخص في الجلسات، وغياب جدول محدد للأولويات، ولم ترتب الأمانة العامة القضايا الأكثر أهمية، بالتالي فالتوافق على حلول للمشكلات لن يكون سهلاً، مشيراً إلى أن إذاعة الحوار جزء من الضمانات المهمة التي تدعم نجاحه.
وشدد على أن طبيعة الأزمات التي تجابهها مصر بحاجة إلى قرارات عاجلة، ولن يكون من السهل الوصول إلى علاج ناجع وفقًا للآليات الحالية، والتي تحتاج إلى جهود يمكن وصفها بـ”البطولية” للتوافق على مسألة من المسائل المختلف حولها.
الأيام المقبلة ستكون حاسمة بشأن قدرة جهات حكومية على توظيف الحوار في تعزيز الجبهة الداخلية من عدمه
وسيناقش الحوار الوطني 113 قضية موزعة على 19 لجنة، واستقبلت الأمانة العامة للحوار رغبات من آلاف الأسماء الساعية للمشاركة في الجلسات المباشرة، وسيتم اختيار الأسماء التي تناسب كل جلسة وقضية ولديها ما تضيفه.
وستكون الأيام المقبلة حاسمة بشأن قدرة جهات حكومية على توظيف الحوار في تعزيز الجبهة الداخلية من عدمه، وسيتم التطرق إلى مشكلات ترتبط بالواقع المعيشي للمواطنين، والاستعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلتين. وحلحلة مجموعة من الأزمات الداخلية ستكون سابقة للملفات السياسية الخارجية.
وأشار عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن إلى أن بعض الملفات الداخلية وصلت إلى مرحلة صعبة من التعقيد، ما يجعل الحوار يركز على الأوضاع الداخلية، وهو هدف رئيسي مع إطلاق الدعوة إليه منذ نحو عام، غير أن هذه الملفات تتفاعل بشكل مباشر مع تصاعد أزمات إقليمية، ما يفرض الحاجة إلى إعادة ترتيب البيت من الداخل وتوحيد التيارات المدنية الوطنية.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن قدرة مصر على جذب الدعم الخارجي من حلفائها في الإقليم تتوقف على قوتها وتماسك جبهتها الداخلية، وفقًا لمبدأ رئيسي في العلاقات الدولية، يقوم على أن قوة الدولة تجذب المزيد من الحلفاء والدعم، وأن يأتي الحوار متأخراً أفضل من ألا يأتي أبدا، ومن قبلوا المشاركة فيه من المعارضة يعدون شخصيات وطنية لديها رغبة حقيقية في الخروج من الأزمات الراهنة.
وتحاط مصر بمجموعة من الصراعات الممتدة في كل من ليبيا وسوريا والعراق وفلسطين واليمن، وجاءت الأزمة السودانية لتضاعف التحديات أمام القاهرة.