الحوار الوطني في مصر يتحول تدريجيا إلى مظلة داعمة للسلطة السياسية

انغماس الحوار في قضايا الأمن القومي يقوض ضغوط المعارضة على الحكومة.
الأربعاء 2024/10/02
الحكومة في حاجة إلى منبر الحوار أكثر من أي وقت مضى

يسجل تحول تدريجي في الدور الوظيفي للحوار الوطني في مصر، حيث كانت الغاية الأساسية منه هي الاستماع لصوت المعارضة ومطالبها، لكنه اليوم أصبح جهة توظفها الحكومة لمخاطبة فئات عديدة من المجتمع المصري، وتمرير قرارات صعبة.

القاهرة - عقد الحوار الوطني في مصر الاثنين جلسة نقاشية جديدة تطرقت إلى التحول الحكومي نحو الدعم النقدي، وسيطرت على الجلسة توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بمنح الأولوية للتباحث حول قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية، وسط توقعات بأن تشهد الفترة المقبلة زخما حول تقديم الدعم السياسي والشعبي اللازمين لقرارات قد تتخذها السلطة وتتعلق بالأزمات ذات البعد الإقليمي.

ويسير الحوار، الذي كان من المقرر أن يناقش قضايا محددة في ملفات سياسية واقتصادية ومجتمعية، في اتجاه أن يبقى مظلة دائمة تهدف إلى قياس اتجاهات الرأي العام وتمهد الطريق أمام خطوات صعبة قد تتخذها الحكومة.

وتبدو أهميته ضرورية في ظل مخاوف من ردود الأفعال الداخلية جراء قرارات رفع الدعم وارتفاع أسعار السلع الرئيسية والخدمات، ومحاولة ضبط بوصلة التعامل مع تنامي الصراعات الإقليمية وتأثيراتها المباشرة على الأمن القومي المصري.

إيهاب الخراط: استمرار الحوار مرتبط بتطبيق التوصيات السابقة
إيهاب الخراط: استمرار الحوار مرتبط بتطبيق التوصيات السابقة

وقال الرئيس عبدالفتاح السيسي على هامش حفل تخريج دفعة جديدة من ضباط أكاديمية الشرطة، الأحد، إن الحوار الوطني في حالة انعقاد دائم، و”لا مانع في مناقشة أي قضية خلال جلساته”، ولا بد أن يصدر بيانات ويتم شرحها وعرضها عبر الإعلام.

ويتعامل مصريون مع الحوار الوطني بترحيب باعتباره يفتح مسارات للنقاش حول قضايا داخلية ملحة، لكنهم ينتظرون أن يقود إلى تغيير حقيقي في توجهات الحكومة والتشريعات التي يصدرها البرلمان، ويمكن أن يبقى انعقاده الدائم بلا أثر ملموس، حال لم يتم الأخذ بما يخرج عنه من توصيات.

ويرى مراقبون أن التطرق إلى موضوعات الأمن القومي محل توافق عام يشي بأن قضايا اقتصادية واجتماعية أخرى قد تتوارى مؤقتا إلى حين إحداث أكبر تأييد سياسي للتعامل مع الأخطار الخارجية وتأثيرها على الأوضاع الداخلية، وأن دوائر حكومية تهدف إلى أن يحظى تدخلها في بعض الملفات الحساسة، مثل سد النهضة، بتوافق داخلي كي لا تجد السلطة المصرية نفسها في بؤرة انتقادات جديدة.

ويغلق تطرق الحوار إلى قضايا الأمن القومي الباب أمام مساعي المعارضة لاستغلال الحرب في قطاع غزة لتوجيه انتقادات للسلطة، قد لا تكون مبنية على معلومات سليمة، وتبقى بحاجة إلى نقاش بين دوائر تشارك في رسم الدبلوماسية المصرية للتعرف على طبيعة الموقف، خاصة أن التصعيد الإسرائيلي في لبنان له تداعيات إقليمية.

وتهدف الحكومة المصرية إلى الربط بين الأوضاع الاقتصادية في الداخل وبين تطور الأوضاع الخارجية، وانعكاس ذلك على إيرادات قناة السويس ومعدلات السياحة، ولوجستيات النقل البحري وتأثيراته على ارتفاع أسعار السلع المستوردة، وما يرتبط بذلك من صعوبات لتحقيق الأمن الغذائي، ما يفسر تطرق الحوار إلى مناقشة الخطوط العريضة لقضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية.

وقال المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان إن الرئيس السيسي جدد مطالبته بإيلاء قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية أولوية، وأن المجلس استجاب للدعوة إلى ذلك، وسيقوم برفع توصياته لمناقشة تلك القضايا كي يتخذ بشأنها ما يراه مناسبا.

تطرق الحوار إلى قضايا الأمن القومي يغلق الباب أمام مساعي المعارضة لاستغلال الحرب في قطاع غزة لتوجيه انتقادات للسلطة

وليس من المألوف أن تسمح السلطة المصرية بالنقاش حول قضايا تتعلق بقرارات عسكرية أو دبلوماسية يطغى عليها التكتم بشأن مستقبل ما تخطط له أو تفسير الأسباب التي قادتها إلى اتخاذ موقف معين.

وأكد عضو مجلس أمناء الحوار الوطني طلعت عبدالقوي أن الجلسات المخصصة لمناقشة قضايا الأمن القومي ستكون مصغرة ومتخصصة بما تحويه من مسائل حساسة وحيوية، وهناك حذر شديد بشأن الملفات التي سيتم التطرق إليها، بالتالي فجلساتها ستبقى مغلقة أيضا، وأن الاجتماعات التي سوف تعقد ستحدد طبيعة الموضوعات وكيفية النقاش حولها.

وأشار عبدالقوي في تصريح لـ”العرب” إلى أن اجتماع الاثنين كان مخططا له منذ فترة لمناقشة موضوع الدعم النقدي، وأن التوجيهات الأخيرة للرئيس ساهمت في إدخال تعديل على جدوله، وقد تكون هناك مسارات متوازية بشأن نوعية القضايا التي يتم التباحث حولها، وهناك خطة لتنظيم المزيد من اللقاءات المفتوحة بمشاركة قوى سياسية مختلفة قبل إصدار التوصية النهائية الخاصة بالدعم.

وشدد على أن انعقاد الحوار بشكل دائم لا يعني عدم وجود خارطة زمنية للانتهاء من النقاش حول قضايا محددة وإصدار توصيات بشأنها، وأن موضوعات خاصة بشأن خطط تطوير التعليم والنظام الصحي الحكومي وإجراءات التماسك المجتمعي والقضايا السكنية وقوانين النقابات المهنية ستكون حاضرة على جدول الحوار في الفترة المقبلة.

مصريون يتعامل مع الحوار الوطني بترحيب باعتباره يفتح مسارات للنقاش حول قضايا داخلية ملحة

ويذهب متابعون إلى تأكيد تحول الحوار من جهة تستهدف إحداث انفراجة سياسية وتتيح للمعارضة فرصة التعبير عن رؤيتها للحل إلى جهة توظفها الحكومة لمخاطبة فئات عديدة في المجتمع، ما يشير إلى أن أدواره السياسية بدأت تتراجع إلى حد التلاشي وأن الحديث عن قوانين الحبس الاحتياطي وغيرها من المسائل المرتبطة بالحريات العامة لم يحدث التغيير المنتظر.

وقال نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إيهاب الخراط إن قدرة الحوار الوطني على الاستمرار وانعقاده بشكل دائم يرتبطان بتطبيق التوصيات السابقة الصادرة عنه والتي لم تنفذ حتى الآن، وأن تقتنع المعارضة بأن هناك قضايا لم يتم الوصول إلى توافق حولها ومن المنطقي إرجاؤها لكن هناك العديد من القضايا التي حظيت بموافقة القوى السياسية ولم يتم الأخذ بها، وهو ما يطعن في جديته.

وذكر الخراط في تصريح لـ”العرب” أن الأمن القومي مفهوم متسع وهناك مسائل عسكرية دقيقة من المستحيل التطرق إليها، وإستراتيجيات للتعامل مع الوضع الإقليمي تتمثل في السياسة الخارجية وهي أقل حساسية لكنها تخضع لمحاذير عدة ليس من المعروف ما إذا كان سيتم التخلي عنها أم لا، مشيراً إلى أن مفهوم الأمن القومي من زاوية الاستقرار الداخلي وتوفير الخبز والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية يعد الأكثر إلحاحاً في هذه الفترة كي يتم التركيز عليه.

وأوضح أن المعارضة ترحب بالنقاش حول العلاقة مع السودان وليبيا وإسرائيل وفلسطين ولبنان وسوريا وقضايا اللاجئين والنازحين، مع ضرورة أن يكون هناك انفتاح من جانب الإعلام على الرؤى التي تقدمها أحزاب بعينها في ظل إتاحة الفرصة للظهور في فترات قصيرة وغلق الباب طويلاً، ما يتطلب المزيد من مساحات الحركة للتواصل مع المواطنين والتباحث حول قضايا عديدة دون محاذير، وأن التحدي الأكبر للحوار الوطني هو استمراره مع وجود سجناء رأي طالبت المعارضة بالإفراج عنهم.

2