الحوار الاستراتيجي عنوان فضفاض لمفاوضات أميركية عراقية بشأن تواجد القوات العسكرية

الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية يظل المدار الأساسي للحوار الاستراتيجي الأميركي العراقي الذي تنطلق الأربعاء جولته الجديدة. أمّا باقي المحاور السياسية والاقتصادية وحتى الصحيّة المرتبطة بجائحة كورونا ذات الطبيعة الظرفية، فهي بمثابة أوراق ضغط بيد الجانب الأميركي لأنها تنطوي على مجموعة المصالح التي تريد الحكومة العراقية الحفاظ عليها من خلال الحوار.
بغداد - يبدأ العراق والولايات الأميركية الأربعاء الجولة الثالثة من حوارهما الاستراتيجي الذي يقول الطرفان إنّه يشمل قضايا سياسية واقتصادية وأمنية وصحية، بينما تصفه مصادر عراقية بأنّه عبارة عن مفاوضات موسّعة حول الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية.
وقال مصدر عراقي إنّه رغم إدراج قضايا أخرى ضمن الحوار بما في ذلك الشأن الصحّي الظرفي والطارئ المتعلّق بجائحة كورونا والذي لا تنطبق عليه صفة الاستراتيجي، فإنّ الهدف الأساسي، وربّما الوحيد من جولة الحوار الجديدة، هو البحث عن صيغة للإبقاء على قوّة عسكرية أميركية في العراق تمّ تحديد حجمها وعدد أفرادها وفقا للمخطط الأميركي العام بشأن انتشار القوات في المنطقة والعالم والذي يخضع في الوقت الحالي لعملية إعادة تنظيم شاملة تم مؤخّرا الكشف عن جزء منها متعلّق بمنطقة الشرق الأوسط والخليج.
ولا ترغب الولايات المتّحدة في الإبقاء على عدد كبير من الجنود في العراق بما من شأنه أن يشكّل عبئا أمنيا وماليا عليها، وقد يتحوّل أيضا إلى عبء سياسي على إدارتها في حال تعرّض بعض أفراد قوّاتها هناك إلى حوادث مميتة، لكنّها في نفس الوقت لا تريد انسحابا عسكريا كاملا من العراق فتخلي بذلك الساحة لغريمتها إيران وتفقد ميزة مراقبة تحرّكات الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني بين الأراضي العراقية والسورية.
ويواجه تطبيق هذا المنظور الأميركي على أرض الواقع معضلة الاعتراضات الشديدة من قبل قوى عراقية متنفّذة وفاعلة في المجالين السياسي والأمني على إبقاء أي قوات أميركية في العراق.
وتشكّل تلك القوى ما يعرف بمعسكر الموالاة لإيران في إشارة إلى الأحزاب والميليشيات الشيعية المعروفة بارتباطاتها الواسعة بدائرة القرار الإيراني والقادرة بفضل حضورها الوازن في مؤسسات الدولة بما في ذلك البرلمان، على تسليط ضغوط كبيرة على رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يدرك حيوية العلاقة مع الولايات المتّحدة وأهمية الحفاظ عليها، مع يقينه بأن الحفاظ على تلك العلاقة يمر حتما عبر تأمين المصالح الأميركية ومن ضمنها السماح بالإبقاء على القدر الذي تريد واشنطن من القوات العسكرية في العراق.
تخفيض عدد القوات الأميركية في العراق جزء من إعادة انتشار مبرمجة مسبقا قبل الحوار مع بغداد
وتدعم واشنطن حكومة الكاظمي في إجراء انتخابات مبكرة في العاشر من أكتوبر القادم ومواصلة تعزيز قدرات القوات الأمنية لفرض سلطة الدولة ونزع سلاح المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران والتي تستهدف الوجود الأميركي في العراق.
وتساند الكاظمي في منظوره بشأن العلاقة مع واشنطن عدّة قوى سياسية سنيّة وكردية بالأساس ترى أنّ انسحاب القوات الأميركية من العراق يخّل بالتوازن لصالح إيران وأتباعها ويساعد الميليشيات الشيعية على المزيد من التغوّل.
لكنّ تلك القوى لا تجاهر بهذا الدافع وتكتفي بالقول إنّ الحاجة للمساعدة العسكرية والأمنية الأميركية ما تزال قائمة بسبب استمرار تنظيم داعش في تهديد أمن البلاد عن طريق فلوله وخلاياه النائمة التي استخدمها بالفعل في تنفيذ عدّة عمليات خلّفت خسائر بشرية ومادية.
لكن المعسكر المناهض للوجود العسكري الأميركي في العراق يظل أكثر قوّة خصوصا وأنّه متسلّح بقرار صادر عن البرلمان ينص على مطالبة الحكومة بإخراج جميع القوات الأجنبية من البلاد.
وهوّن رئيس الوزراء العراقي في وقت سابق من حجم التواجد العسكري الأميركي في العراق قائلا إنّ حكومته تمكّنت عبر الحوار من خفض عدد القوات الأجنبية في البلاد بنسبة 60 في المئة.
ويقدّر عدد الجنود الأميركيين الموجودين حاليا في العراق بنحو 2500 جندي بعد سحب أكثر من 2700 منهم خلال العام الأخير من ولاية الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب.
لكن هذا العدد على محدوديته يظل مصدر قلق لإيران وحلفائها بفعل الوسائل المتطوّرة التي يستخدمها الجيش الأميركي.
ويقول خبراء عسكريون إنّ القوات الأميركية الموجودة في العراق تكفي لفرض سيادة على الأجواء تغطّي معظم مساحة العراق وسوريا المجاورة ومنع الميليشيات المفتقرة للغطاء الجوّي من حرّية الحركة وتوجيه ضربات مميتة لها متى ما استدعى الأمر ذلك، وهو ما حدث بالفعل من خلال عدّة ضربات وجّهتها طائرات أميركية في أوقات سابقة لمواقع تجمّع ميليشيات الحشد الشعبي ألحقت خسائر جسيمة بتلك الميليشيات.

ومع اقتراب جولة الحوار الاستراتيجي الجديدة بين العراق والولايات المتّحدة صعّدت المجموعات المسلحة الحليفة لإيران من وتيرة هجماتها على القواعد والمرافق الدبلوماسية الأميركية بالعراق.
وهدّد قيس الخزعلي قائد ميليشيا عصائب أهل الحق المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، قبل أيام، بتصعيد استهداف القوات الأميركية إذا لم يتمّ سحبها من العراق.
وفي ما بدا أنّه تنفيذ فوري لذلك التهديد تعرض رتْلاَ شاحنات تحمل مواد لوجستية للتحالف الدولي ضد داعش في العراق الأحد لهجومين بواسطة عبوتين ناسفتين في محافظتي الديوانية وبابل بجنوب ووسط البلاد.
وأفادت خلية الإعلام الأمني التابعة لوزارة الدفاع العراقية في بيان بأن إحدى العبوات انفجرت في شاحنة ضمن رتل للتحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة قرب جسر عفك في محافظة الديوانية.
وأوضحت أن عبوة ناسفة ثانية انفجرت في إحدى الشاحنات في محافظة بابل. وتتهم واشنطن فصائل عراقية مسلحة مرتبطة بإيران بالوقوف وراء تلك الهجمات التي تستهدف أيضا سفارتها وقواعد عسكرية ينتشر فيها الجنود الأميركيون بالعراق.
وقال الخزعلي إنّه “لا مجال لاستمرار القواعد العسكرية الأميركية لا في قاعدة عين الأسد بالأنبار ولا في قاعدة الحرير في أربيل ولا في أي مكان”، مؤكّدا في كلمته بمؤتمر شعبي في محافظة ذي قار بجنوب العراق أنّ عمليات ما سماها بـ”المقاومة”، “ستستمر وتزداد كمّا ونوعا إذا لم توافق الولايات المتحدة على غلق القواعد في غرب ووسط وحتى في شمال العراق” في إشارة إلى إقليم كردستان العراق الذي تعرّض خلال الأشهر الأخيرة لهجمات صاروخية اُتّهمت ميليشيات شيعية بتنفيذها.
وسيكون الإقليم ممثلا في الجولة الجديدة من الحوار الاستراتيجي الأميركي العراقي بوفد خاص به جنبا إلى جنب الوفد الحكومي الاتّحادي في مؤشّر على الدور المستقبلي الذي قد تسنده واشنطن لكردستان العراق كموطن بديل وآمن للقوات الأميركية التي قد تضطر لسحبها من باقي مناطق العراق إذا لم يتمّ التوصّل مع بغداد لصيغة مناسبة حول الوجود العسكري الأميركي في البلاد.