الحماية طويلة الأمد ضد كورونا تُكتسب من الخلايا التائية لا من الأجسام المضادة

باحثون يسلطون الأضواء على نوع من خلايا الدم البيضاء يلعب دورا محوريا في مكافحة الوباء.
الخميس 2020/12/31
خط الدفاع الأول ضد الوباء

أسهمت الأجسام المضادة بدور كبير في رصد مدى انتشار وباء كورونا، إلا أن بعض العلماء يعتقدون أنها لا تؤدي دورا محوريا في تحصين الجسم ضد الفايروس كما كانوا يعتقدون، بعد أن اكتشفوا أدلة جديدة على أن الحماية طويلة المدى من الفايروس لا يكتسبها الناس من الأجسام المضادة، بل من الخلايا الليمفاوية التائية.

لندن – يسعى الباحثون منذ عدة أشهر إلى محاولة دراسة عدة حالات غريبة من مرضى كورونا المستجد من بينهم الأشخاص الذين تعافوا من الإصابة، ومع ذلك لا توجد لديهم أجسام مضادة خاصة بالفايروس، وتكررت هذه الملاحظة لدى عدد كبير من المصابين. وخلص علماء إلى نتيجة مفادها أن الأجسام المضادة التي يطلقها جهاز المناعة لمقاومة الفايروس يبدو أنها تتلاشى من الجسم في غضون أشهر.

لكن بينما انشغل العالم بالأجسام المضادة، انتبه باحثون إلى مكوّن آخر من الجهاز المناعي قد يظل مختبئا في الجسم أحيانا على مدى سنوات لمهاجمة الفايروس بعد تعرفه عليه من قبلُ.

وسلطت دراسة جديدة الأضواء على هذا النوع المحيّر من خلايا الدم البيضاء، والذي قد يلعب دورا محوريا في مكافحة وباء كورونا المستجد، وقد حان الوقت لتحظى الخلايا الليمفاوية التائية بالشهرة التي تستحقها.

وتعد الخلايا الليمفاوية التائية المعروفة بـ(T cells) نوعا من الخلايا المناعية المتخصصة التي تتعرف على مسببات الأمراض التي تغزو الجسم أو الخلايا المصابة بها وتقتلها.

وتستعين هذه الخلايا بالبروتينات على سطحها التي قد ترتبط بالبروتينات الموجودة على سطح الكائنات الغازية. وتنتج الخلايا الليمفاوية التائية تريليونات البروتينات المختلفة التي تسمى مستقبلات مولدات الضد، وكل بروتين منها يمكنه التعرف على هدف مختلف.

وحسب ما يؤكده العلماء فإن الخلايا التائية تنقسم إلى نوعين رئيسيين هما: الخلايا التائية المساعدة “سي.دي 4” والخلايا التائية القاتلة “سي.دي 8”. وتقوم الخلايا التائية المساعدة بمساعدة الخلايا البائية (B cell) على إنتاج الأجسام المضادة، كما أنها تساعد الخلايا التائية القاتلة على التطور.

الخلايا التائية تتعرف على مسببات الأمراض في الجسم أو الخلايا المصابة بها وتقتلها، وتلعب دورا محوريا في مكافحة كوفيد – 19

ووجدت دراسة جديدة أجرتها جامعة كوين ماري في لندن دليلا آخر على أن المناعة الوقائية لدى الأشخاص الذين أصيبوا إصابة خفيفة بكورونا أو الذين لم تظهر عليهم أعراض تتكون بعد 4 أشهر، غير أنهم لاحظوا أيضا أن لدى البعض خلايا تائية، لكن لا يوجد دليل على وجود أجسام مضادة، والعكس صحيح.

وحللت الدراسة، التي نُشرت في مجلة “علم المناعة” بيانات للأجسام المضادة والخلايا التائية لدى 136 من العاملين في مجال الرعاية الصحية بلندن ممن أصيبوا بعدوى خفيفة أو الذين لم تظهر عليهم أعراض الإصابة بكورونا، والتي يعود تاريخها إلى مارس 2020.

ووجد فريق البحث الذي يضم باحثين من كوين ماري وإمبريال كوليدج أن 89 في المئة من العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين تم فحصهم حملوا أجساما مضادة معادلة بعد ما بين 16 و18 أسبوعا من الإصابة.

وتعني نتائج هذه الدراسة أن أمام الشخص الذي أصيب بكورونا فرصة جيدة لأن يطور الأجسام المضادة وأيضا الخلايا التائية، التي قد توفر الحماية اللازمة إذا واجه الفايروس مرة أخرى.

جوزيف جيبونز: 90 في المئة من الأفراد يمتلكون أجساما مضادة بعد الإصابة بالفايروس
جوزيف جيبونز: 90 في المئة من الأفراد يمتلكون أجساما مضادة بعد الإصابة بالفايروس

وقال جوزيف جيبونز، الباحث في جامعة كوين ماري “تكشف دراستنا عن عدوى كوفيد – 19 في صفوف العاملين بمجال الرعاية الصحية في مستشفيات لندن أنه بعد أربعة أشهر من الإصابة، يمتلك حوالي 90 في المئة من الأفراد أجساما مضادة تمنع الفايروس”.

وأضاف “الأمر الأكثر تشجيعا هو أنه في 66 في المئة من العاملين بمجال الرعاية الصحية نرى أن مستويات هذه الأجسام المضادة الواقية مرتفعة وأن استجابة الجسم تكملها الخلايا التائية التي نراها تتفاعل مع أجزاء مختلفة من الفايروس”.

والأمر الأكثر تشجيعا هو أن 66 في المئة من العاملين بمجال الرعاية الصحية نرى أن مستويات هذه الأجسام المضادة الواقية لديهم مرتفعة، وأن هذه الاستجابة القوية للأجسام المضادة تكملها الخلايا التائية التي نراها تتفاعل مع أجزاء مختلفة من الفايروس”.

وبالرغم من أن الأجسام المضادة، أثبتت كفاءتها في رصد انتشار الوباء، إلا أنها ربما لا تؤدي دورا محوريا في تحصين الجسم ضد الفايروس كما يعتقد.

وتوفر الدراسة الجديدة أدلة قوية على أن الحماية طويلة المدى من الفايروس قد لا يكتسبها الناس من الأجسام المضادة، بل من الخلايا التائية التي تظل في الدم لسنوات بعد الإصابة بالمرض، ولهذا تسهم في بناء ذاكرة مناعية طويلة الأمد لتساعد جهاز المناعة في إطلاق استجابة أسرع وأكثر فعالية عند تكرار الإصابة بنفس المرض.

وأشارت عدة دراسات سابقة إلى أن خلايا “تي” لدى معظم المصابين بكورونا يمكنها استهداف الفايروس، حتى لو لم تظهر عليهم أي أعراض.

كما أجرى بعض العلماء اختبارات لعينات دم جمعت من مصابين بكورونا، واكتشفوا أن بعض المصابين لا توجد لديهم أجسام مضادة للفايروس، ومع ذلك تظهر الخلايا التائية أن لديهم استجابة للفايروس.

وأرجع الباحثون ذلك إلى وجود نوع من المناعة ضد المرض قد يكون أكثر شيوعا بمراحل مما كانوا يظنون. وتؤكد هذه النتائج أن الخلايا التائية قد تكون المصدر السري للمناعة ضد فايروس كورونا المستجد.

وسبق أن كشفت دراسة هولندية أنه حتى مرضى كوفيد – 19 الأكثر حدة ينتجون الخلايا التائية التي تساعد في محاربة الفايروس.

وقال الأكاديمي أليساندرو سيتي، من معهد لا جولا لعلم المناعة، والخبير بيول سي، الباحث المشارك من المركز الطبي بجامعة إيراسموس “هذا هو المفتاح لفهم كيفية عمل الاستجابة المناعية للفايروس”.

وأكدت الدراسة أن عشرة مرضى بفايروس كورونا يعانون من أعراض المرض الأكثر حدة، أنتجوا خلايا تائية استهدفت فايروس “سارس كوف 2” وعملت هذه الخلايا التائية جنبا إلى جنب مع الأجسام المضادة لمحاولة إزالة الفايروس ووقف العدوى.

الشخص الذي أصيب بكورونا له فرصة جيدة لأن يطور الأجسام المضادة وأيضا الخلايا التائية، التي قد توفر الحماية اللازمة إذا واجه الفايروس مرة أخرى

وقال عالم الفايروسات روري دي فريس من المركز الطبي بجامعة إيراسموس، والذي شارك في قيادة الدراسة “يبدو أن تنشيط هذه الخلايا لا يقل أهمية عن إنتاج الأجسام المضادة”.

وأشار إلى أن هذه النتائج تتماشى مع دراسة أجريت مؤخرا من قبل الأكاديمي سيتي، والأستاذ شين كروتي من معهد لا جولا لعلم المناعة، وزملائهما، والتي أظهرت استجابة قوية للخلايا التائية لدى الأفراد الذين يعانون من حالات معتدلة من كوفيد – 19.

وفي كلتا الدراستين، استهدفت الخلايا التائية لدى هؤلاء المرضى بروتين “سبايك”، على سطح فايروس سارس كوف 2. ويستخدم الفايروس بروتين “سبايك” لدخول الخلايا المضيفة، وتهدف العديد من جهود اللقاحات حول العالم إلى جعل جهاز المناعة يتعرف على هذا البروتين ويهاجمه.

ودعمت هذه الدراسات أبحاثا أخرى أجريت على المصابين بفايروس سارس الشبيه بفايروس كوفيد – 19، طوروا مناعة قوامها الخلايا التائية التي يمكن أن تستمر في العمل لسنوات طويلة.

ومن غير المستبعد أن تسهم هذه الأبحاث في تفسير بعض آثار الوباء التي استعصت على التفسير في الوقت الحاضر، مثل تزايد مخاطر الإصابة بمضاعفات الفايروس لدى كبار السن، وقدرة الفايروس الغامضة على تدمير الطحال، وإضافة إلى ذلك فإن التعرف على المكونات الأكثر أهمية في الاستجابة المناعية من شأنه أن يساعد العلماء في توجيه جهودهم لتطوير علاجات أكثر فاعلية ضد الوباء.

17