الحكومة تطلق حوارا وطنيا لإرساء نموذج جديد لتهيئة المدن المغربية

انطلقت اللقاءات التشاورية على مستوى كافة جهات المغرب الأربعاء، في إطار الحوار الوطني حول التعمير والإسكان الذي أطلقته الحكومة، مع إحداث منصة رقمية مفتوحة لضمان المشاركة الفعلية لجميع المواطنين والمواطنات باعتباره مشروعا مجتمعيا لتحقيق أهداف الدولة الاجتماعية، وانسجاما مع فلسفة النموذج التنموي الجديد الذي أوصى بتفعيل مقاربة البناء المشترك، وتمكين المواطن المغربي من الاستفادة من سكن لائق ومستدام وذي جودة عالية.
ويهدف هذا الحوار تحت إشراف وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، إلى فتح نقاش مع كل الفاعلين المؤسساتيين المهتمين بالمجالين الحضري والقروي، لاستكشاف الطرق والوسائل الكفيلة بإجراء تحول من أجل إرساء نموذج جديد لتهيئة المدينة، وكذلك خلق فضاءات عيش لائقة وسهلة الولوج بناء على مقاربة ترابية، وإعداد وثائق تتجاوز منطق الضبط المتمركز على مستوى البلديات، وإدماج البعد الاستشرافي للتنمية الترابية والاقتصادية والاجتماعية على صعيد جهوي.
وشدد عمر مورو، رئيس مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، في اللقاء التشاوري الجهوي في الجهة الأربعاء، على أن مشكلة التعمير بالمغرب هي مشكلة حوكمة، منبها إلى كون المدن كبرت بشكل أصبحت استدامتها مهددة في كل لحظة من خلال المشاكل الاجتماعية والأمنية والاقتصادية والبيئية التي أصبحت تطرحها.

عمر مورو: المدن أصبحت استدامتها مهددة في كل لحظة من خلال المشاكل الاجتماعية والأمنية والاقتصادية والبيئية التي أصبحت تطرحها
ودعا عمر مورو، بمناسبة انطلاق فعاليات الحوار الوطني حول التعمير والإسكان، إلى طرح سياسة جديدة ومتجددة تراعي التوازنات المجالية بين امتدادات المدينة، أحيائها من وسطها إلى هامشها، وبين نسيج المدن الجهوية والوطنية.
وأوضحت وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة فاطمة الزهراء المنصوري، أن الهدف الرئيسي من هذا الحوار الوطني الذي يحظى بالرعاية السامية للعاهل المغربي الملك محمد السادس، يكمن في “بلورة خارطة طريق جديدة في ميداني التعمير والإسكان، وذلك في ضوء التوصيات والمقترحات التي ستنبثق عن مختلف المحطات التشاورية الوطنية والجهوية”.
وبخصوص السياق العام لتنظيم هذا الحوار الوطني، أبرزت فاطمة الزهراء المنصوري أنه يأتي تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية التي تدعو إلى ضرورة إطلاق التفكير والنقاش العموميين بخصوص دعم التنسيق في إعداد السياسات العمومية، وتعزيز الالتقائية والانسجام بين مختلف التدخلات القطاعية، لتحقيق التنمية بأبعادها الشاملة والحد من الفوارق المجالية والاقتصادية والاجتماعية.
واعتبرت فاطمة الزهراء، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن خارطة الطريق هذه تروم “تفعيل النموذج التنموي الجديد وإرساء إطار مرجعي وطني من أجل تنمية حضرية عادلة، مستدامة وتحفيزية للاستثمار المنتج واقتراح عرض سكني يأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والمجالية، وكذلك إعداد برنامج متجدد للدعم بهدف تطوير مجالات حضرية - قروية دامجة وقادرة على التكيف، ووضع مقاربة مندمجة تهدف إلى إنقاذ وتثمين التراث المبني”.
وتقول الحكومة المغربية إن هذا القطاع لا يجب أن ينظر إليه من زاوية تقنية فقط، ولكن أيضا كقطاع متعدد الأبعاد اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، حيث يشكل قاطرة لتحفيز الاقتصاد وإنعاش الاستثمار وإحداث فرص الشغل، كما أنه يساهم في الارتقاء بإطار عيش المواطنات والمواطنين باعتماد تصور جديد للتعمير والإسكان يراعي التمازج الاجتماعي والوظيفي للمجالات واستمرار التدبير المستدام لها.
وأكد عمر الشرقاوي، الأستاذ الجامعي، في تصريح لـ”العرب” أن “على الحكومة القضاء على تركة الماضي في تدبير فضاءاتنا المعيشية وسط الأحياء والمدن، وإشراف حقيقي بمسؤولين نزهاء على الدعم العمومي الموجه للسكن الاجتماعي الكريم حتى يصل إلى مستحقيه، والانتهاء من صداع السكن غير اللائق والمباني الآيلة إلى السقوط بالدار البيضاء وفاس ومدن أخرى”.
وقال المهندس الحسين الحميد، عضو الهيئة الوطنية للمهندسين الطبوغرافيين في تصريح لـ”العرب” إن هذه اللقاءات ستكون مناسبة لإطلاع الوزيرة على عصارة القوانين المنظمة للقطاع ومجموعة من التصورات لأجل معالجة الإكراهات المرتبطة بقطاع التعمير، والتي يكون في الغالب سببها غياب المهندس في عدة أوراش، وفي بعض الأحيان إسناد مهامه لجسم مهني آخر.
الحوار الوطني يهدف بالأساس إلى بلورة خارطة طريق جديدة في ميداني التعمير والإسكان، وذلك برعاية العاهل المغربي
وشددت الوزيرة بهذا الخصوص على أن إطلاق حوار وطني حول التعمير والإسكان، يأتي لإحداث قطيعة، ليس مع الإستراتيجيات والرؤى القديمة، ولكن على مستوى المقاربات التي أبانت عن محدوديتها، إن على مستوى الجودة المشهدية والمعمارية لفضاءاتنا أو على مستوى التدبير، لاسيما في ما يخص طول الآجال وتعدد المتدخلين وتقادم النصوص القانونية.
وأكد رئيس مجلس جهة سوس – ماسة، جنوبا كريم أشنكلي أهمية هذه اللقاءات التشاورية التي تنظم في إطار الحوار الوطني للتعمير والإسكان، مبرزا أن رغم النتائج الهامة التي تحققت في السنوات الأخيرة في هذا المجال، فإنه أضحى من الضروري إجراء مراجعة عامة لنظام تدبير هذا القطاع من أجل جعل التعمير والإسكان قاطرة للاستثمار والعدالة الاجتماعية.
وسيتطرق الحوار الوطني حول التعمير والإسكان إلى أربعة محاور رئيسية تشمل التخطيط والحوكمة، والعرض السكني، ودعم العالم القروي والحد من التفاوتات المجالية، وكذلك تحسين المشهد العمراني والإطار المبني، وذلك لبلورة توصيات عملية من شأنها الإسهام في إعادة تموقع قطاع التعمير لتنزيل السياسات العمومية الكفيلة بتحسين إطار عيش السكان وتشجيع الاستثمار وخلق فرص الشغل وتقريب الإدارة من المواطنين.
وحسب إحصائيات رسمية، تعرف المجالات الحضرية حاليا فضاءات عيش ما يقارب ثلثي السكان بـ365 مدينة ومركزا حضريا، وتسعى الدولة في هذا الإطار إلى تدعيم المدن المتوسطة، التي تستقطب 5.7 مليون نسمة في حوالي 60 مدينة، لكسب رهان إعادة توزيع الأنظمة الاقتصادية التي شكلتها المدن الكبرى، وتخفيف العبء عليها، أما المدن الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها أقل من 50.000 نسمة، والتي تضم ما يقارب 4 ملايين نسمة، فيتم الرهان عليها كعنصر توازن للحد من الفوارق بين المجالين القروي والحضري.