الحكومة المغربية تركز على العنصر البشري في تطوير المنظومة الصحية

الرباط - قدّم وزير الصحة المغربي أمين التهراوي خطة متكاملة تقوم على أربع ركائز، وهي تعزيز التكوين وتحفيز الموارد البشرية واستقطاب الكفاءات الأجنبية وتوسيع مناصب التوظيف، في محاولة لتدارك العجز المزمن في الموارد البشرية الصحية، خاصة في المناطق القروية والنائية التي ظلت لسنوات طويلة خارج خريطة العدالة الصحية.
تأتي هذه الخطوة بعدما أقرّ وزير الصحة بأن ضعف جاذبية القطاع العام وَحِدَّة المنافسة الدولية على الكفاءات الطبية يشكّلان أحد أخطر التحديات البنيوية التي تواجه المنظومة الصحية الوطنية.
وترتكز الخطة الحكومية على تفعيل قانون الانفتاح على الأطباء الأجانب لسد العجز في التخصصات الحيوية، خاصة في ظل نزيف غير مسبوق لهجرة الأطر المغربية إلى الخارج، والذي يُعد نقلة نوعية في مقاربة التوظيف الصحي إذ يفتح الباب أمام الأطباء الأجانب لمزاولة المهنة داخل المغرب، وفق حزمة من الإجراءات التحفيزية التي تسعى إلى جذب الكفاءات من الخارج لتعويض النقص الحاد في عدد من التخصصات الطبية.
وحسب إحصائيات رسمية يشتغل اليوم داخل المنظومة الصحية المغربية حوالي 580 طبيبا أجنبيا، تم استقطابهم في إطار هذه المبادرة، لكن هذا الخيار لا يخلو من إشكالات مهنية وتنظيمية وقانونية، بحسب ما كشفه التهراوي.
وأكد الطيب حمضي، الباحث في سياسات الصحة، أن “هناك نقصا في الموارد البشرية التي أصبحت مشكلة هيكلية سواء لأسباب داخلية أو دولية بالنسبة إلى المنظومة الصحية.”
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “يهاجر طبيب من بين ثلاثة أطباء في المغرب، ونسبة 71 في المئة من طلبة السنة الأخيرة بكليات الطب يفكرون في الهجرة، فرغم تكوين المزيد من الأطباء ستكون الهجرة مشكلة كبيرة ومطروحة وتتطلب مراجعة جذرية.”
وشدد حمضي على “ضرورة بناء نظام صحي فعال من حيث توفير الخدمات الصحية،” موضحا أن “التكوين في طب الأسرة والطب العام يعد أمرا ضروريا للنظام الصحي المغربي لمواكبة وضمان نجاح المشاريع الصحية الكبرى التي تنفذها المملكة بإشراف مباشر من الملك محمد السادس، لأن النقص في الموارد البشرية ومحدودية الوسائل يحتمان ترشيد الموارد وتثمينها إلى المستوى الأمثل.”
ويعاني المغرب من هجرة الكفاءات الطبية، حيث يؤكد تقرير سابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن عدد الأطباء المغاربة العاملين في الخارج يتراوح بين 10 آلاف و14 ألف طبيب، ما يعني أن ثلث الكفاءات الطبية المغربية تمارس المهنة خارج أرض الوطن، وهو ما يضاعف من حدة النقص الداخلي، كما أن المعطيات الرسمية تشير إلى أن البلاد بحاجة إلى ما لا يقل عن 32 ألف طبيب إضافي لسد العجز القائم، في وقت لا يتجاوز فيه عدد الأطباء العاملين حاليًا 23 ألفًا، يتوزعون على 9021 طبيبًا في القطاع العام، و14622 طبيبًا في القطاع الخاص.
وفي محاولة لوقف هجرة الأدمغة أعلنت وزارة الصحة عن جملة من التدابير لتحسين الوضع الإداري والمالي للأطباء والممرضين، شملت منح الرقم الاستدلالي 509 للأطباء الجدد منذ بداية مسارهم المهني، والرفع من قيمة التعويض عن الأخطار المهنية، ودخول نظام الوظيفة الصحية حيز التنفيذ، ويتضمن أجرًا متغيرًا وتعويضات خاصة بالعمل في المناطق النائية. وتهدف هذه الإجراءات، بحسب الوزير، إلى خلق بيئة عمل أكثر استقرارا وجاذبية، بما ينسجم مع التوجيهات الملكية الرامية إلى القيام بإصلاح عميق للمنظومة الصحية الوطنية، وتعميم التغطية الصحية الشاملة، وتحقيق العدالة المجالية في توزيع الأطر والخدمات.
عدد الأطباء المغاربة العاملين في الخارج يتراوح بين 10 آلاف و14 ألف طبيب، ما يعني أن ثلث الكفاءات الطبية المغربية تمارس المهنة خارج أرض الوطن
ومع المطالب المتكررة لإخراج الهيئة العليا للصحة، في إطار إصلاح المنظومة الصحية، صادق مجلس الحكومة، برئاسة عزيز أخنوش، على مشروع المرسوم بتحديد كيفيات تعيين أعضاء مجلس الهيئة العليا للصحة، باعتبارها هيئة مستقلة تساهم ضمن مجال اختصاصها في ضمان استمرارية عمل الدولة في المجال الصحي، وبتقييم جودة خدمات المؤسسات الصحية في القطاعين العام والخاص، وإبداء الرأي في التوجهات العامة والسياسات العمومية في الميدان الصحي على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وكذلك تقييم المقترحات والتوصيات.
وأكدت نقابة قطاع الصحة في المغرب، في بلاغ لها، أنه “سيتم الاستمرار في تقاضي أجور مهنيي الصحة من الميزانية العامة للدولة، للحفاظ على مركزية المناصب المالية والأجور، مع التنصيص على جميع الضمانات ومقتضيات النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية في النظام الأساسي النموذجي الذي وصلت صيغته الأولى إلى مراحلها الأخيرة لطرحها قريبا على الشركاء الاجتماعيين للتوافق بشأنها.”
وأعلنت وزارة الصحة عن رفع تدريجي لمناصب التوظيف في القطاع، حيث انتقل عدد المناصب المخصصة للأطر الصحية من 4000 سنة 2019 إلى 6500 منصب متوقعة في سنة 2025، ما يُمثل زيادة بنسبة 62.5 في المئة خلال ست سنوات.