الحكومة المصرية تنفض الغبار عن التلفزيون الرسمي

القاهرة– تضمّنت قرارات اتخذها رئيس الهيئة الوطنية للإعلام في مصر أحمد المسلماني اتجاها يشي بوجود رغبة في نفض الغبار عن الإعلام الرسمي بعد سنوات من التراجع تسببت في وجود قناعة بأن الحكومة لا يعنيها اتحاد الإذاعة والتلفزيون ومقره المعروف بـ”ماسبيرو”، أو العاملين فيهما ممن طالبوا بالتطوير.
ودوّن المسلماني تهنئته للعاملين بمناسبة العام الجديد مصحوبة بالتأكيد على أنه سيكون “عام عودة ماسبيرو”، في إشارة إلى اقتناعه بغياب دور الإعلام الحكومي خلال السنوات الماضية، وسعيه لاستعادة حضوره على مستوى التأثير مع الخفوت الذي أصابه منذ تأسيس الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي تضم تحت عباءتها الكثير من القنوات التلفزيونية والصحف ومحطات الراديو والمنصات الرقمية.
وعمد رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، الذي تولى منصبه منذ نحو شهر، إلى اتخاذ قرارات تتضمن أبعادا شعبوية، لبث الأمل في نفوس العاملين بماسبيرو والجمهور، ولفْت الانتباه إلى وجود حراك يقود إلى حدوث تطوير، من دون أن يعلن عن خطة واضحة، وأسهمت قراراته الشعبوية في خلق انبطاعات إيجابية عنه، لكن ينقصها توفير آليات تمكن العاملين من الشعور بالرغبة الجادة في الحصول على نقلة نوعية حقيقية.
محمد شومان: الحكومة لم تضخ استثمارات في التلفزيون الرسمي منذ عشر سنوات، ويبقى التساؤل الأهم حول جديتها في تعويض الفجوات التكنولوجية والمعرفية التي فاتت ماسبيرو؟
وقرر المسلماني تعيين رئيس جديد لقناة “النيل للأخبار”، مستعينا بأسامة راضي وهو من الخبرات المصرية التي شغلت مناصب في عدة محطات فضائية، وقوبل ذلك بترحيب مع توجيه انتقادات لعدم الاستفادة الكاملة من الكفاءات التي شغلت مواقع إعلامية في مؤسسات إعلامية عريقة لضمان حضور التأثير المصري.
وبدأت إذاعة “القرآن الكريم” بث برامجها مع بداية العام من دون أن تتخللها إعلانات مع استجابة رئيس الهيئة لمطالب المستمعين، حيث قرر نقل الإعلانات المذاعة عليها وتوزيعها على إذاعات أخرى.
ورغم الأثر الاقتصادي السلبي يشير تأكيد وزارة المالية تعويض الإذاعة من المدخلات الإعلانية إلى استعداد الحكومة لمضاعفة دعمها المادي من أجل ضمان استمرار تأثير ما تبقى من حضور للإعلام الرسمي.
ورغم أن قرارات رئيس هيئة الإعلام لا تزال بعيدة عن تحسين الأوضاع المهنية والمالية للعاملين، فإنها تمنح إشارة إلى أن المستقبل قد يحمل تعديلا في لوائح العاملين بالهيئة، وصرف علاوة إضافية على رواتب العام الجديد، وفتح الباب أمام ترقية من يستحقون من العاملين، وحلحلة بعض المشكلات الراكدة.
ويتفق البعض من خبراء الإعلام على أن تطوير الإذاعة والتلفزيون بحاجة إلى خطة مهنية واضحة، تبدأ من الاتفاق على أنهما يمثلان الإعلام الرسمي، ما يتطلب اهتماما كبيرا من جميع الجهات الحكومية، وتوفير الدعم اللازم لتطوير الأعمال البرامجية التي باتت تغلب عليها الرتابة، مع استفادة من الكوادر الجيدة، والعمل على جذب الكفاءات وتوجيه الميزانيات المالية لتقديم محتوى متطور.
وقال عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في القاهرة محمد شومان إن قرارات المسلماني تبعث رسالة تفيد بإمكانية حدوث التطوير، وتبرهن على أن الحكومة على قناعة بأن التلفزيون الرسمي لا غنى عنه، وإن كانت لديها أذرع إعلامية أخرى، حيث يحمل هذا الصرح اسما تاريخيا، وله تأثير محلي وعربي كبير، ويمكن الاستفادة من ذلك ضمن مساعي استعادة التواجد الإعلامي مع وجود إمكانيات هائلة داخل المبنى العريق لا يتم استغلالها بالشكل المطلوب.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “الحكومة المصرية لم تضخ استثمارات في التلفزيون الرسمي منذ عشر سنوات، ويبقى التساؤل الأهم حول جديتها في ضخ مبالغ ضخمة لتعويض الفجوات التكنولوجية والمعرفية التي فاتت ماسبيرو؟”
وتساءل شومان عن مدى استعداد الدولة لضخ دماء جديدة وفتح باب التعيينات بعد توقفها، وهل سيكون ذلك على حساب الشركة المتحدة أم بالتوازي مع حضورها؟
وأشار إلى أن الحكومة وحدها التي تمتلك الإجابة عن التساؤلات السابقة، ولم تعلن بعد عن نواياها تجاه التلفزيون، وما يقوم به رئيس الهيئة الوطنية للإعلام سيبقى إيجابيا، لكن الأهم التنفيذ الفعلي والرؤية المحددة، وهي قضايا تتعلق بالإمكانيات المادية وتوجهات الدولة وسياستها الإعلامية، مع وجود عدد كبير من القنوات والصحف والمواقع التي يجب أن تبقى تحت سيطرتها.
ويمتلك اتحاد الإذاعة والتلفزيون 23 قناة، و76 محطة إذاعية، وتبنت الحكومة خطة عام 2019 هدفت إلى تقليص عدد العاملين في ماسبيرو من 35 ألف موظف إلى 29 ألفا؛ وذلك بغية التطوير، وقد استهدفت الخطة وجود 10 قنوات فقط.
الحكومة المصرية تؤكد أن ماسبيرو يتعرض لخسائر متراكمة بعدما وصل إجمالي مديونياته إلى 32 مليار جنيه
وكانت الهيئة الوطنية للإعلام قد وقعت حينذاك بروتوكول تعاون لخمس سنوات مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من أجل إنشاء فضائية لخدمات “الأسرة العربية” لم يتم تدشينها بعد، وتطوير محتوى الفضائية المصرية والقناتين الأولى والثانية، مع مشاركة الحقوق الإعلانية، وهو ما حدث بشكل جزئي في القناة الأولى.
وأكدت أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة ليلى عبدالمجيد أن محاولات أحمد المسلماني الراهنة تستهدف أساسا التعامل مع حالة الإحباط العامة لدى العاملين في التلفزيون الحكومي، وهو ما أدى إلى تراجع المستوى المهني، وافتقد هؤلاء أي محفّز على الابتكار والتطوير بسبب مشكلات الأمور اليومية التي يواجهونها مع تردي حالة الأستوديوهات ووصول الإهمال إلى كافة مناحي العمل داخل التلفزيون.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن “الاستعانة بخبرات من خارج ماسبيرو لتطويره أفقدت العاملين الثقة بأنفسهم، وهو التحدي الأكبر أمام عملية أي تطوير، والهدف أن يشعر أكثر من 20 ألف عامل بأن هناك أملا في المستقبل وأن الدولة مازالت تهتم بهم وتعول عليهم في توصيل الرسالة الإعلامية، خاصة أن التلفزيون الحكومي لم يعد يعاني تخمة العاملين التي أعاقت تطويره من قبل، وأن حل مشكلات أصحاب المعاشات يمنح العاملين الحاليين إشارات إيجابية؛ وذلك بأن يدركوا أن مصيرهم سيكون مثل مصير أقرانهم الذين انتهت خدمتهم.”
ولفتت إلى أن حديث المسلماني عن إحداث التطوير خلال هذا العام بحاجة إلى جهود مضاعفة وخطة جديدة عاجلة وتقييم التجارب السابقة التي هدفت إلى التطوير، مع أهمية توفير التعامل مع المشكلات التي قادت إلى خروج شركات الرعاية والإعلانات وأن يدخل ماسبيرو ضمن حصة توزيع الإعلانات، وما يساعد على ذلك سرعة تطوير المحتوى، مع ضرورة الوضع في الاعتبار التطورات الحاصلة في مجال الإعلام وتزايد الإقبال على المنصات الرقمية.
وتؤكد الحكومة المصرية أن ماسبيرو يتعرض لخسائر متراكمة بعدما وصل إجمالي مديونياته إلى 32 مليار جنيه (الدولار = 51 جنيها)، وليس معروفا ما إذا كانت هذه الخسائر مستمرة الآن، مع تخفيض أعداد العمالة وتراجع الإنتاج البرامجي وانزواء الإنتاج الدرامي منذ عدة سنوات.