الحكومة المصرية تلجأ إلى الخبراء للتغطية على انعدام الحلول

الاختيارات تشير إلى استعانة الحكومة بعدد من الأسماء التي كانت في موقع المسؤولية خلال نظام حسني مبارك.
الأحد 2025/01/26
الحكومة تحاول أن تقدم دلائل على أنها منفتحة على الخبرات

القاهرة- حمل لجوء الحكومة المصرية للاستعانة بعدد من الخبراء والمتخصصين ورجال الأعمال في مناصب استشارية لرئيسها مصطفى مدبولي، رغبة في التغطية على عجزها عن توفير الحلول للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها.

ويعبر تشكيل لجنة سياسية طغت عليها الصفة الأكاديمية أن الحكومة في حاجة إلى من يرشدها لفك ألغاز سياسية بعد أن بدت لا تتعامل بشكل جيد مع بعض القضايا المهمة.

وأصدر رئيس الحكومة المصرية قرارا، الخميس، بتشكيل ست لجان استشارية متخصصة تضم عددا من الخبراء والمتخصصين، لدعم جهودها في تطوير بعض المجالات الحيوية، وتعزيز التواصل مع القطاع الخاص، وتبادل الرؤى والمقترحات لدعم عملية صُنع السياسات.

وجاءت الخطوة بعد أن واجهت السلطة اتهامات بعدم الإنصات للخبراء وغلبة مركزية القرار عليها والتي تسببت في تراجع الأوضاع المعيشية لشريحة من المواطنين.

عبدالحميد زيد: تشكيل هذه اللجان يعبر عن توجه عام تتخذه الحكومات المصرية المتعاقبة في حال كانت في حاجة إلى التعامل مع الأزمات
عبدالحميد زيد: تشكيل هذه اللجان يعبر عن توجه عام تتخذه الحكومات المصرية المتعاقبة في حال كانت في حاجة إلى التعامل مع الأزمات

وتحاول الحكومة أن تقدم دلائل على أنها منفتحة على الخبرات التي كان لدى بعضها حضور فاعل في أنظمة سابقة، ما يخفف الانتقادات ويضمن تعزيز العلاقات مع القطاع الخاص في ظل مطالبة صندوق النقد الدولي بإزالة العوائق أمامه.

ويبرهن تشكيل لجنة سياسية أن الحكومة في حاجة إلى من يقدم لها المشورة في التعامل مع المشكلات المختلفة، وقد لا ينعكس ذلك بشكل مباشر على الحالة السياسية العامة، خاصة أنها خلت من المحسوبين على قوى معارضة، ما يعبّر عن إدراك بأن الوضع السياسي تحدده اعتبارات خارج سياق عمل الحكومة التنفيذية.

وضمت هذه اللجنة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة محمد كمال، ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية جمال عبدالجواد، ووزير الشباب السابق وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة علي الدين هلال، والمفكر السياسي وعضو مجلس الشيوخ عبدالمنعم سعيد.

وتشير غالبية الشخصيات إلى استعانة الحكومة بعدد من الأسماء التي كانت في موقع المسؤولية خلال نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وهو ما ترجمته بوضوح لجنة الشؤون السياسية وبعض المشاركين في اللجان الاقتصادية، وأبرزهم رجل الأعمال أحمد عز، وهو رئيس لجنة التنظيم بالحزب الوطني المنحل.

وضمت قائمة أعضاء اللجان الاستشارية المختلفة عددا من أبرز رجال الأعمال بينهم نجيب ساويرس وهشام طلعت مصطفى وأحمد السويدي ومحمود الجمال وهاني برزي، ورئيس شركة العاصمة الإدارية الجديدة خالد عباس.

وقال أستاذ العلوم السياسية بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة حسن سلامة إن الاستماع للنصائح والتجارب والأفكار أمر إيجابي، لكن الخطوة جاءت متأخرة للغاية، والاختيار وقع على شخصيات موجودة ومؤثرة في مجالاتها منذ سنوات ولم يتم الاختيار من النخب الجديدة بالشكل الكافي، وإن قدرة هذه الشخصيات على تغيير الواقع ترتبط بمدى الاستفادة من خبراتها وأخذها في الاعتبار.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة هي من يحدد نجاح التجربة من عدمه بحسب ما تتيحه من مساحات أمام هذه اللجان، وطالما أنها وثقت بتلك الأسماء فعليها الاستفادة منها بالشكل الأمثل، وأن الاختيارات في مجملها جيدة وإن كانت تنقصها الاستفادة من رجال الأعمال الشباب والمتخصصين في مجال ريادة الأعمال والاتصال وهؤلاء يجب الاستماع إلى رؤيتهم كون القرارات مرتبطة بمستقبل البلاد، كما أن مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني كان يجب أن تكون ضمن اللجان، لأهميتها الكبيرة بالنسبة إلى صنع القرار الحكومي.

◄ علي الدين هلال وزير الشباب السابق وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة من بين أعضاء اللجنة الاستشارية
◄ علي الدين هلال وزير الشباب السابق وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة من بين أعضاء اللجنة الاستشارية

وشدد على أن الحكومة هدفت من هذه اللجان التأكيد على أنها تقوم بأحد أشكال الشراكة المجتمعية في صنع القرار، نتيجة مطالبات داخلية في المقام الأول، ويعبر ذلك عن إدراك مؤسسات الدولة بأنها في حاجة إلى أن تستمع لرؤى متباينة، خاصة أن من وقع الاختيار عليهم يرتبطون بالدولة ومؤسساتها ومصالحها.

كما أن هيمنة القطاع الخاص من خلال الأسماء التي وقع الاختيار عليها يبرهن على المزيد من الانفتاح عليه والاعتراف الحكومي بدوره المهم في النمو الاقتصادي، ما يعزز ثقة الجهات الدولية المانحة بالحكومة، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي مع الاتجاه نحو الاستفادة من الاتفاقيات التي جرى توقيعها، ومع خوضها مسارا صعبا لإقناع تلك المؤسسات بوجود توجهات رشيدة اقتصاديا وسياسيا تساهم في تحسين الوضع الحالي.

وبحسب الحكومة المصرية فإن هذه اللجان ستقوم بمهام استشارية تشمل تقديم تقارير استشارية دورية لرئيس الحكومة، تتضمن توصيفاً للتحديات التي تواجه القطاع المعني وطرح مُقترحات وحلول عملية لمعالجتها، وإبداء الرأي الاستشاري بشأن الإستراتيجيات والخطط والسياسات والبرامج التي تتبناها الحكومة.

وتجتمع كل لجنة استشارية مُتخصصة برئاسة رئيس الحكومة وبحضور الوزراء، ورؤساء الجهات المختصين، بشكل دوري مرة على الأقل شهريا، وكلما دعت الحاجة إلى ذلك، لمناقشة التحديات التي تواجه القطاع المعنية به اللجنة واقتراح السياسات والحلول التي يمكن تبنيها.

وأكد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الفيوم (جنوب غرب القاهرة) عبدالحميد زيد أن تشكيل هذه اللجان يعبر عن توجه عام تتخذه الحكومات المصرية المتعاقبة في حال كانت في حاجة إلى التعامل مع الأزمات التي تأخذ في التصاعد، لكنها لا تحقق المرجوّ منها ويكون تشكيلها بديلا عن الدخول في نقاشات حوارية معمقة مع فئات المجتمع المختلفة وأن الرؤية الفردية يمكن أن تؤثر على عمل اللجان، وهو أمر يتماشى مع إدارة الهيئات والنقابات الصغيرة ولا يتناغم مع عمل حكومة في حاجة إلى رؤية إستراتيجية.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الدول المختلفة تستعين بالفنيين والمتخصصين لرسم السياسات، لكن الأزمة تكمن في طبيعة التعاون والتنسيق بين الحكومات المصرية وهؤلاء، ما يجعل مثل هذه الأفكار غير مناسبة للواقع مع الحاجة إلى وجود حضور فاعل لكافة مؤسسات المجتمع المدني، بما فيها الأحزاب ومراكز البحوث والاستفادة مما تقدمه من تقارير مستمرة وتوظيفها لخدمة اتخاذ القرار السليم، وأن لجنة الشؤون السياسية تضم خبراء لا يمثلون كافة قطاع المجتمع وقواه السياسية المختلفة.

1