الحكومة المصرية تسترضي الأزهر بتعيين أحد علمائه مفتيا للبلاد

اختيار نظير عياد يعزز التعاون مع مشيخة الأزهر.
الثلاثاء 2024/08/13
الرئاسة والأزهر يدخلان مرحلة الترضيات

يعكس تعيين رئيس مجمع البحوث الإسلامية نظير محمد عياد مفتيا للديار المصرية بترشيح من شيخ الأزهر أحمد الطيب بداية كسر الجمود بين مؤسسة رئاسة الجمهورية والمشيخة. وتتطلع الحكومة المصرية إلى التعاون مع مشيخة الأزهر ذات الثقل الديني بدل المواجهة غير المباشرة التي طبعت علاقتهما منذ سنوات.

القاهرة - أكد قرار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتعيين رئيس مجمع البحوث الإسلامية نظير محمد عياد مفتيا للبلاد، بناء على ترشيح من شيخ الأزهر أحمد الطيب، أن العلاقة بينهما جيدة، عكس تقديرات ترددت حول وجود خلاف في طريقة تناول بعض القضايا المجتمعية، ترتب عليها تجميد أي تحرك مرتبط بتجديد الخطاب الديني.

وتم التجديد للمفتي السابق شوقي علّام أكثر من مرة بعد تحفظ الرئيس السيسي على الأسماء المطروحة من قبل الأزهر، وتم الاعتماد على علّام في الكثير من القضايا لحسمها بمرونة، بعيدا عن الأزهر الذي رفض شيخه محاولات تهميشه.

وتعتقد دوائر سياسية أن قبول الرئيس السيسي هذه المرة ترشيح نظير عياد مفتيا، وهو من المقربين إلى الطيب، يحمل ترضية للأخير، بالتوازي مع تحركات رسمية لترميم العلاقة بين الأضلع الثلاثة للمؤسسة الدينية (الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف)، وتحاشي خلافات خفية ظهرت ملامحها في بعض القضايا خلال السنوات الماضية.

ويبدو أن السلطة المصرية لا تمانع في عودة الأزهر كمؤسسة دينية حيوية من خلال ممثليها في قيادة دار الإفتاء أو وزارة الأوقاف بعد إسنادها لأسامة الأزهري في الحكومة الجديدة، شريطة أن ينعكس ذلك على الخطاب الديني والتحرك نحو تنقيح التراث ونشر الفكر المعتدل لاستكمال عملية محاصرة المتشددين.

وظل التجديد لشوقي علّام من المنغصات التي عمّقت التباين بين الأزهر والسيسي، وبدا كأن علّام يحصل على مكافأة لمساعدته الحكومة في تسهيل الكثير من القرارات التي عانت من عرقلة تمريرها للشارع وتسهيل وصولها إلى المجتمع.

منير أديب: اختيار نظير يعكس رغبة الحكومة في إنهاء الخلاف مع الأزهر
منير أديب: اختيار نظير يعكس رغبة الحكومة في إنهاء الخلاف مع الأزهر

وتأمل الحكومة أن يتحرر المفتي الجديد من الجمود الذي يعتري بعض مواقف الأزهر في قضايا مهمة، ويبتعد بمؤسسة الفتوى عن الأفكار السلفية، في ظل حاجة الدولة إلى الفتوى كسلاح لمواجهة ما يطفو على السطح من تشدد، يتسبب أحيانا في استقطاب مجتمعي يحمل تداعيات سياسية خطيرة.

ورغم إقرار الدستور المصري بمدنية الدولة تمثل الفتوى للحكومة خصوصية كبيرة لحاجة بعض القرارات إلى دعم يقود إلى إضفاء شرعية دينية عليها، وهو ما كانت تفعله دار الإفتاء عندما يبدو الأزهر متعنتا في بعض القضايا، حيث يرفض مثلا التنازل عن الاحتكام إلى التراث في كل ما يرتبط بتوجهات الدولة.

وعلى مستوى الرأي العام المحلي نفسه تعتبر الفتوى بالنسبة إلى الشارع من أهم الأدوات التي يسترشد بموجبها الناس في حياتهم، فبعض الأسر تحدد توجهاتها المعيشية وتعاملاتها وفق الرأي الديني، وهي عادة تجذرت عند شريحة منها.

وقد لا يحمل وجود نظير محمد عياد على رأس الفتوى في مصر طمأنينة كاملة، لكن الأوضاع العامة تستدعي عدم الصدام مع الأزهر، لأن الرجل يتماهى مع شيخه أحمد الطيب في الكثير من القضايا الجدلية، وسوف تظل العبرة في جرأته على التحرر الذاتي بعيدا عن قناعات الأزهر ليكون أكثر وسطية واعتدالا.

ويتحفظ بعض المفكرين على المفتي الجديد بحجة أنه من المعارضين لدعوات تنقيح التراث الذي يعد مرجعية لعناصر متشددة اعتادت اللجوء إلى النصوص القديمة لتبرير مواقفها، وهي إشكالية تفرض على الحكومة التفاهم معه بعيدا عن رؤى وقناعات الأزهر في بعض القضايا المجتمعية.

ولا يملك الأزهر سلطة مباشرة على مفتي الجمهورية منذ التعديلات التي أقرت قبل نحو ثلاث سنوات، وجعلت مؤسسة الفتوى بعيدة عن مظلة الأزهر مباشرة، لكن التحدي الأبرز يتعلق بكيفية تحرر المفتي الجديد من البيئة التي نشأ فيها، وتميل إلى تكبيل الاجتهاد وفرملة طرق التفكير بشكل عصري.

وتهتم الحكومة المصرية بوجهة نظر دار الإفتاء في أغلب القضايا، أكثر من الأزهر، لأن مؤسسة الفتوى تتعامل بمعايير فقهية مرنة، وأصبحت سلاحا مهما في مواجهة التشدد، كما أن الظرف العام في مصر لا يسمح برؤى موازية في المجالات المرتبطة بالمجتمع، وتقديم اجتهادات عملية تجنب الحكومة الاتهام بالسيطرة على الفتوى.

ما يثير المخاوف أن المفتي الجديد اعتاد النظر إلى التنويريين بريبة وتشكك، وأبدى اعتراضه على أن يكون لهم دور أو رأي في الاجتهاد
ما يثير المخاوف أن المفتي الجديد اعتاد النظر إلى التنويريين بريبة وتشكك، وأبدى اعتراضه على أن يكون لهم دور أو رأي في الاجتهاد

ولدى بعض قادة الأزهر قناعة بأن الحكومة إذا سمحت بمعاودة النفوذ المشروط فلا يجب التخلي عن الثروة المرتبطة بالفتوى، بما يسهم في تعظيم النفوذ المجتمعي للأزهر، بحيث يظل الملجأ أمام شريحة تحتاج إلى الفتوى ويصبح المتحكم في تحركاتها كي يرتقي إلى الوجهة المقدسة في الرأي الديني.

وقال منير أديب الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي إن اختيار نظير لمنصب المفتي يعبر عن حسن نوايا الحكومة وأنها لا ترغب في خلاف مع مؤسسة الأزهر، وتبحث عن الوصول إلى نقطة تلاق ترتبط بطبيعة الخطاب الديني المعاصر بعيدا عن التركيز على عناصر بعينها.

وأوضح لـ”العرب” أن الاستقطاب الديني ليس في صالح أي طرف، ومن المهم أن تتفهم قيادات المؤسسة الدينية خطورة التحديات الراهنة وتثمين رؤية الحكومة، دون اختزال الأمر في البحث عن أي نفوذ، والمطلوب توحيد جهود الأزهر والإفتاء والأوقاف، لأن أي تباين سوف يستثمر سياسيا من قبَل المتشددين.

وما يثير مخاوف بعض الدوائر في مصر أن المفتي الجديد اعتاد النظر إلى التنويريين بريبة وتشكك، وأبدى اعتراضه على أن يكون لهم دور أو رأي في الاجتهاد، بحجة أن هذه مهمة رجال الدين فقط، ويؤمن بأن تجديد الخطاب الديني لن يتم إلا بتكاتف المؤسسات والهيئات الدينية تحت راية الأزهر، أي أنه لن يستقل بسهولة عن الطيب.

ويؤكد تغيير المفتي ومن قبله وزير الأوقاف أن الحكومة فقدت الأمل في قصقصة أذرع الأزهر، وتُدرك خطورة الصدام معه بما يؤلب عليها الشارع في توقيت حرج، وتحاول تبني خطة جديدة للخطاب الديني تسمح باستقلال الإفتاء والأوقاف.

وتبدأ مصداقية الخطاب الديني من رفع الحكومة يديها عن التدخل في عمل المؤسسة الدينية بعيدا عن تبرير ذلك بمزاحمة الأزهر، ويكفي أن تحسين صورة مؤسسة الفتوى في نظر الشارع بات مهمة صعبة، بعد أن تمادت في دعم السلطة وتقديم نفسها على أنها الحزب السياسي الديني للحكومة، وتسويق رؤيتها في قضايا غير دينية.

وقد يكون انخراط دار الإفتاء في دعم السلطة نوعا من التعبئة العامة وقت التحديات الصعبة، والخطورة أن بعض المواطنين يتعاملون مع فتاواها باعتبارها مسيسة، وهي ثغرة يتلقفها بعض المتشددين للطعن في توجهاتها، والتشكيك في خلفياتها، ما يفرض على المفتي الجديد إقناع السلطة بحتمية وجود قدر من التحرر عن خطاب الحكومة.

ويدافع أصحاب هذا الرأي بأن الخطاب الديني ليس دوره إضفاء القدسية على كل قرار سياسي، لأن ذلك يوحي للبعض بأن الدولة ليست قوية بالشكل الكافي، مع أن النظام نجح في تثبيت أركانها، ومطلوب من مؤسسة الفتوى أن يصبح تدخلها في القضايا الجدلية المجتمعية دقيقا كي لا تكرس انعدام الثقة بينها وبين الشارع.

7