الحكومة المصرية تدفع فاتورة إخفاقها في مواجهة تسريبات الامتحانات

أجهزة أنفق عليها مليار دولار لمحاربة الغش تتحول إلى سبب رئيسي له.
الاثنين 2021/07/26
الحكومة تقف عاجزة أمام هذه الظاهرة المستفحلة

القاهرة – أخفقت الحكومة المصرية في مواجهة ظاهرة تسريب امتحانات الثانوية العامة (البكالوريا) الجارية حاليا في عموم البلاد، وتنتهي في الثاني من أغسطس المقبل، ما سبب احتقانا في الشارع بسبب استمرار الغش ونشر الامتحانات على منصات التواصل الاجتماعي خلال الامتحانات.

وكشفت تقارير محلية عن قيام أب من محافظة المنيا في جنوب مصر بتركيب جهاز توجيه “راوتر” على سور المدرسة لتوصيل شبكة الإنترنت إلى ابنه وهو يُجري الامتحانات، ما يؤكد الجرأة الكبيرة في الغش وعدم التوقف عن البحث عن أساليب عصرية للقيام بذلك.

ووجدت الحكومة نفسها في ورطة للعام العاشر على التوالي بسبب عجزها عن مواجهة التقنية الحديثة التي يستخدمها الطلاب في الامتحانات وتكتفي وزارة التعليم بإعلان العقوبات الموقعة على الطلاب المتورطين في الغش الإلكتروني.

وليد حجاج: الطلاب ماهرون واحترافيون في الغش بشكل يفوق قدرة المسؤولين على التحكم في المنظومة التكنولوجية والامتحانات
وليد حجاج: الطلاب ماهرون واحترافيون في الغش بشكل يفوق قدرة المسؤولين على التحكم في المنظومة التكنولوجية والامتحانات

وأحالت الوزارة 160 طالبا وطالبة على النيابة العامة بعد تورطهم في تصوير أسئلة الامتحانات ونشرها، لكنها لم تتوصل إلى باقي الطلاب الذين استفادوا من الغش الإلكتروني بالاشتراك في صفحات وتطبيقات لا تستطيع أجهزة الحكومة الوصول إليها.

وأثار استمرار تطبيقات الغش المستخدمة في الامتحانات سخرية وتذمر الكثير من المواطنين لعدم قدرة الأجهزة الحكومية بإمكانياتها الضخمة على وقفها أو الوصول إلى أصحابها الذين بدا أنهم يتحدون هذه الأجهزة في محاولة لإظهار عدم قدرتها على المواجهة.

وتتمسك وزارة التعليم بتطبيق إجراءات تقليدية عند مواجهة الغشاشين في الامتحانات العامة، مستخدمة عصا إلكترونية لتفتيش الطلاب وسحب الهواتف المحمولة التي يتم توظيفها في تصوير الأسئلة ونشرها وتتغافل عن باقي الأجهزة الحديثة.

وصار الطلاب يستخدمون نظارات حديثة وأقلاما مزودة بكاميرات متصلة بالهواتف، وسماعات دقيقة يتم وضعها في الأذن وساعات يد ذكية تقوم بتصوير أسئلة الامتحان ونشرها ويصعب كشفها من خلال أجهزة كشف الغش التقليدية.

وتبرر الحكومة موقفها بأن الغش والتسريب في الامتحانات من “السلوكيات القديمة” التي لم تفلح في مواجهتها كل الحكومات السابقة، وتعتقد أن الغشاشين لا يمكن لهم الاستفادة من نشر الأسئلة والإجابة عنها لأنهم لن يستطيعوا نقلها بسهولة داخل اللجان.

وتحولت تطبيقات الغش إلى غرف للدردشة بين بعض الطلاب والمعلمين الذين يساعدون على الإجابة عن الأسئلة المسربة، في تحدٍ واضح للحكومة، وبدا الأمر كما لو أن هناك من يريدون الثأر منها لإصرارها على تطبيق نظام تقييم مرفوض.

ويواجه نظام التعليم الجديد برفض مجتمعي واسع لصعوبة تأقلم الطلاب معه وعدم التدريب بشكل كاف على طريقة الأسئلة الجديدة، ما زاد من عدم التكيف معه.

لكن طارق شوقي وزير التعليم تعهد سابقا بأن “هذا النظام هدفه محاربة الغش والتسريب في الامتحانات”، وهي الفرية التي فضحها اتساع نطاق الغش هذا العام.

ولفت مسؤول بارز بوزارة التربية والتعليم إلى أن استمرار الغش والتسريب هدفه إحراج الحكومة وإظهار فشل النظام التعليمي كي يكون لدى الناس مبرر لحث رئيس الدولة على إقالة وزير التعليم بحجة أنه أخفق في مهامه وفي تحقيق الهدف.

وأضاف المسؤول الذي رفض ذكر اسمه، في تصريح لـ”العرب”، أن “تسريب الامتحانات له أبعاد سياسية كثيرة، منها إظهار ضعف إمكانيات الحكومة، وتأجيج غضب الناس باعتبار أن الثانوية العامة مرحلة مفصلية، والتغطية على أي إيجابيات وإثارة الناس بالتسريبات”.

وما أثار امتعاض الشارع أن أجهزة الكمبيوتر اللوحية، التي أنفقت عليها الحكومة قرابة 15 مليار جنيه (حوالي مليار دولار) ووزعتها على الطلاب مجانا وقالت إنها ستحارب الغش، كانت سببا رئيسيا في التسريب بعد اختراق الأجهزة واتصالها بالإنترنت داخل اللجان.

ويرى متابعون أن استمرار صفحات وتطبيقات الغش الإلكتروني بنفس الوتيرة، رغم تسريبها 11 امتحانا بشكل متواصل، يعني عدم وجود خطة حكومية لتأمين أهم امتحانات قومية تحدد المصير الجامعي والوظيفي لمئات الآلاف من الطلاب.

وتبدأ مرحلة التسريب بتصوير الطالب الأسئلةَ ونشرها على منصات التواصل، ليجيب عنها معلمون متخصصون ثم ينشرون الإجابات ليستفيد منها الطلاب الذين بحوزتهم أجهزة اتصال ذكية أثناء وجودهم داخل لجان الامتحانات.

160 طالبا وطالبة أحيلوا على القضاء بعد تورطهم في تصوير أسئلة الامتحانات ونشرها

ولجأت وزارة التعليم إلى مطابع تابعة لأجهزة أمنية لوضع رموز سرية مشفرة في كل ورقة أسئلة، بحيث إذا تسربت يتم ضبط الطالب المتهم، لكن هناك مراقبين يتعاطفون مع الطلاب ويحمونهم لأسباب ترتبط بغضبهم على نظام التعليم أو تذمرهم من الوزارة.

وبرهنت التسريبات على حقيقة مفادها أن الشباب أذكى من مؤسسات رسمية يفترض أن لديها الخطط العصرية والإمكانيات القوية التي تمكنها من مواجهة الطوارئ، وبدت الحكومة كأنها تتعامل مع الضروريات بالصدفة.

وقال وليد حجاج الخبير في أمن وتكنولوجيا المعلومات إن الأزمة الحقيقية تكمن في التعامل مع جيل تكنولوجي بطريقة تقليدية، فالجيل الحالي من الطلاب أكثر مهارة واحترافية من المسؤولين عن منظومة الامتحانات.

وأكد حجاج في تصريح لـ”العرب” على صعوبة غلق تطبيقات وصفحات الغش الإلكتروني لعدم وجود اتفاقيات بين مصر والشركات المالكة للمنصات تتيح لها ذلك، لافتا إلى أن “الغش لن ينته قبل تغيير طريقة التقييم القائمة على المجموع فقط ليحل مكانها اختبار قدرات يؤهل لدخول الجامعة، وقتها لن تكون للدرجات أهمية وترتاح الحكومة من الصداع المزمن”.

Thumbnail
1