الحكومة المصرية تحشد جهودها في مجال حقوق الإنسان استباقا لعودة الضغوط الدولية

مخاوف سياسية من خفض تصنيف مجلس حقوق الإنسان المصري.
الاثنين 2024/07/29
قلق رسمي من حملات منتظرة

تعكس الاجتماعات التي تعقدها الحكومة المصرية حول ملف حقوق الإنسان قلقا من عودة الضغوط الدولية ومن انعكاسات خفض تصنيف مجلس حقوق الإنسان الذي يمثل همزة وصل بين القاهرة والمنظمات الدولية.

القاهرة - منح وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي اهتماما ملحوظا للملف الحقوقي في اجتماعاته مؤخرا، ولم يعبأ بخفوت الحديث الدولي عنه منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، لأنه من الممكن عودته إلى الواجهة في أي لحظة، حيث برزت مؤشرات على ذلك قبل أيام، من خلال تصاعد نبرة الانتقادات التي وجهتها منظمات حقوقية دولية للقاهرة، وسط مخاوف من خفض تصنيف المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر (جهة مستقلة).

وعقد عبدالعاطي الأحد لقاء للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان (حكومية) التي يرأسها وتضم وزارات التضامن الاجتماعي، والعدل، والشؤون النيابية والقانونية، والهيئة العامة للاستعلامات، وممثلين عن عدد من الجهات والهيئات الوطنية والمجالس المتخصصة.

وناقش اللقاء كيفية تفعيل عمل هذه الجهات، وركز على التنسيق مع المنظمات الحقوقية المحلية، وتحسين المناخ العام للحقوق والحريات بمفهومها الشامل في مصر.

أيمن نصري: هناك حاجة إلى قوة غير حكومية تخاطب المنظمات الدولية
أيمن نصري: هناك حاجة إلى قوة غير حكومية تخاطب المنظمات الدولية

وسبق اللقاء اجتماع آخر عقده وزير الخارجية مع قيادات وأعضاء قطاع حقوق الإنسان، والأمانة الفنية للجنة العليا لحقوق الإنسان، وبدا أن الهدف هو التعرف على الجهود المبذولة لتعريف المجتمع الدولي بالتحركات التي اتخذتها الدولة في المجالات ذات الارتباط المباشر بإستراتيجية حقوق الإنسان التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ أربع سنوات.

وتدرك الحكومة المصرية أهمية الاتجاه لتسليط الضوء على جهودها في المجال الحقوقي، لأن انفتاحها على التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى تسويق لما تقدمه في هذا الملف.

كما أن اتخاذ أوضاع اللاجئين والوافدين لمصر مدخلا للهجوم عليها بحاجة إلى ردود مختلفة، وتفعيل الأدوات الرسمية وغير الرسمية للتواصل مع جهات دولية يمكن أن تحاول عرقلة التقدم الحاصل في العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي.

وهناك حراك تقوده منظمات حقوقية محلية ودولية لخفض تصنيف المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر عبر مطالبة اللجنة الفرعية للاعتماد التابعة لمجلس حقوق الإنسان بحث القاهرة على المضي في مسارات حقوقية سريعا، للتأكيد على تمتع المجلس المحلي باستقلال يمكنه من أداء دوره كحلقة وصل بين المجلس الدولي لحقوق الإنسان والحكومة المصرية.

وتوجد قناعة بأن خفض التصنيف يفوت الفرصة على التواجد المصري بفاعلية في المجلس الدولي للرد على ما يتم توجيهه من انتقادات.

وجددت مجموعة “منّا لحقوق الإنسان” و“لجنة العدالة” و“الجبهة المصرية لحقوق الإنسان” دعوتها اللجنة الفرعية للاعتماد التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، لتخفيض تصنيف المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بمصر كمؤسسة من الفئة الأولى إلى الثانية، بحجة عدم امتثالها لمبادئ باريس، لاسيما في ما يتعلق بالاستقلالية.

وأمهلت اللجنة المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر 12 شهرا لمعالجة عدد من الثغرات، خلال جلستي سبتمبر وأكتوبر 2023، وهو أمر يتطلب معالجة تفعيل الأدوات الحكومية، وأدوار المنظمات الحقوقية المحلية، لإحداث حراك يؤكد على حرية واستقلال عمل المنظمات الحقوقية داخل مصر.

وقال رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان أيمن نصري إن منظمات حقوقية قدمت ما يفيد بوجود تدخل حكومي في عمل المجلس القومي لحقوق الإنسان، بهدف خفض تصنيفه، ما يترك تأثيرا سلبيا على قدرة القاهرة على التواصل مع الهيئات الحقوقية الدولية، وقدمت قيادات المجلس القومي شهادات نفت وجود شبهات تدخل في عملهم، ما يفسر النشاط الحالي الذي يحاول تحاشي أي تأثيرات في الملف الحقوقي.

وأضاف نصري في تصريح لـ“العرب” أن اللجنة الفرعية من المتوقع أن تناقش قريبا مسألة تصنيف مجلس حقوق الإنسان المصري، وفي حال لم يقتنع بالدفوع التي سيقدمها المجلس بشأن استقلاله، فقد يصدر قرارا بخفض تصنيفه، ما يجعله مهمشا، ويخلق حاجة إلى تحركات أخرى على مستويات غير رسمية تؤكد مصر من خلالها أن المنظمات العاملة على أراضيها تملك حرية حركة كافية.

وحسب بيان صدر عن وزارة الخارجية المصرية، أكد أعضاء الهيئة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، أهمية الحوار والتعاون مع منظمات المجتمع المدني والاستفادة مما تتمتع به من خبرات في هذا الشأن.

وشددت اللجنة على أهمية توليها للحوار مع المجلس القومي لحقوق الإنسان بصفته المؤسسة الوطنية المستقلة المعنية بحماية وتعزيز حقوق الإنسان في مصر، وحرصها على التفاعل مع التقارير الوطنية التي يصدرها وما تضمنته من توصيات.

الحكومة المصرية تدرك أهمية الاتجاه لتسليط الضوء على جهودها في المجال الحقوقي، لأن انفتاحها على التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى تسويق لما تقدمه في هذا الملف

وذكر نصري أن إشكالية العمل الحقوقي بمصر تتمثل في عدم التفرقة بين الجهود الرسمية التي تقوم بها الحكومة وهيئاتها، وبين الجهود غير الرسمية التي تتمثل في دور المنظمات الحقوقية المحلية، والتي لا بد أن تتوفر لها مسارات تقديم النقد لأوضاع حقوق الإنسان، مع أهمية إدراك الحكومة بأنه لا توجد دولة في العالم لا تحدث بها تجاوزات حقوقية، ما يعزز مصداقية هذه المنظمات في المحافل الدولية.

وأوضح أن بعض المنظمات المصرية يتم نعتها بأنها تابعة للحكومة، كما أن عدم وضوح الرؤية بشأن تحرك المنظمات وكيفية تعاملها مع الملفات التي يتم فتحها بين حين وآخر ينعكس على أدائها، ما يترتب عليه صدور بيانات عديدة حينما تحدث أزمة، أو في حال كان هناك هجوم في أي من الملفات ضد الدولة، وبعدها يسيطر الخمول على عمل منظمات تحتاج إلى أن تظل في نشاط دائم، شريطة أن تسمح الحكومة بمساحات من الانتقادات البناءة لها.

وتراجع الاهتمام بالملف الحقوقي الذي تصدر الاهتمامات الرسمية سابقا، حينما أطلقت “عام المجتمع المدني” عام 2022، وكان هدفها القيام بإصلاحات دون أن تتعرض لضغوط خارجية مباشرة، ما قاد إلى إصلاح أوضاع السجون وأعادت تشكيل لجنة العفو الرئاسي لإطلاق سراح المحبوسين على ذمة قضايا رأي قبل أن يخفت الملف مؤخرا.

يتفق مراقبون على أن الانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل قلصت من إمكانية الضغط لتحسين أوضاع الملف الحقوقي بالعديد من دول العالم، كما أن الدور المهم الذي لعبته مصر بشأن إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع وتعاونها مع منظمات وجهات دولية في هذا السياق جعل القاهرة في وضعية أفضل، غير أن ذلك لم يمنع من استمرار صدور تقارير عن منظمات حقوقية دولية تسلط الضوء على بعض التجاوزات.

ولفت نصري في حديثه لـ“العرب” إلى أن الدولة المصرية لعبت دورا إيجابيا في بعض الأزمات الدولية ذات البعد الإنساني، ما يقوي مواقفها أمام الانتقادات التي تطالها، ولها أدوات يمكن أن تدافع بها عن نفسها، في مقدمتها ملف الهجرة غير الشرعية واستقبال اللاجئين، لكن ما يحتاجه الملف الحقوقي هو وجود قوة غير حكومية تخاطب المنظمات الدولية وترد على انتقاداتها بموضوعية.

2