الحكومة المصرية تتدخل لمنع تفجير الجولة الثانية من الحوار الوطني

استرضاء المعارضة عبر إجراء إصلاحات متوازية.
الأحد 2024/02/11
تنفيذ مطالب المعارضة فرض عين على الحكومة إذا أرادت الحفاظ على الحوار

القاهرة - تحركت الحكومة المصرية أخيرا لمنع تفجير المرحلة الثانية من الحوار الوطني عقب تمسك قوى المعارضة بالاستجابة أولا لمخرجات الجولة الأولى وتوصياتها قبل الدخول في جولة جديدة للبحث عن مخرج للأزمة الاقتصادية الراهنة.

وكلف رئيس الحكومة مصطفى مدبولي الوزارات بالعمل سريعا على تفعيل مخرجات المرحلة الأولي، ويقوم كل وزير بتنفيذ التوصيات الخاصة بوزارته، في ما يتعلق بإعداد مشروعات القوانين والقرارات التنفيذية التي تم التوافق بشأنها، على أن تكون هناك متابعة دورية لهذه الملفات لتفعيل التوصيات التي تمّ التوافق حولها.

وهذه أول مرة تتجاوب فيها الحكومة بجدية مع مخرجات الحوار، حيث كان الرئيس عبدالفتاح السيسي يتصدر المشهد بالتعاطي مع الجلسات والتوصيات، لكن يبدو أن دوائر رسمية وجدت أن تحمّله لرعونة بعض المؤسسات عرّضه لانتقادات، ومن المفترض أن يكون للحكومة دور أكبر في مسألة تصويب مسار الحوار.

وجاء تحرك رئيس الحكومة الخميس بعد تمسك الحركة المدنية التي تضم تحت مظلتها مجموعة من الأحزاب والشخصيات المعارضة بتنفيذ مطالبها في الجولة الأولى للحوار قبل النظر في استئناف جلساته مجددا، ما وضع الحكومة في مأزق دفعها لاتخاذ إجراءات تسترضي بها المعارضة كي لا يصل الحوار إلى نقطة الصفر ويضرّ بسمعة النظام في توقيت بالغ الحساسية.

وناقشت الحركة المدنية موقفها من المشاركة في الجولة الثانية من الحوار وقررت المقاطعة، لأن الحكومة تعاملت مع مخرجات المرحلة الأولى بـ”استخفاف ورعونة”، رغم وجود توافق من قوى المعارضة على مطالب بعينها تمسّ الإصلاحات السياسية.

طلعت خليل: المعارضة على صواب في رفضها المشاركة في الجولة الثانية للحوار
طلعت خليل: المعارضة على صواب في رفضها المشاركة في الجولة الثانية للحوار 

وترى دوائر سياسية أن تنفيذ مطالب المعارضة فرض عين على الحكومة إذا أرادت الحفاظ على الحوار ولديها نية للإصلاح، وما لم تتعاط بجدية مع توصيات الجولة الأولى للحوار فالصورة الذهنية التي سوف تترسخ حولها أنها تبحث عن مرحلة ثانية أقرب إلى جلسات استماع دون أن تتمخض عنها إجراءات تعيد الأمل إلى الشارع.

وقال الأمين العام لحزب المحافظين طلعت خليل (معارض) أحد أحزاب الحركة المدنية إن المعارضة على صواب في رفضها المشاركة في الجولة الثانية للحوار، مع عدم تنفيذ مطالب المرحلة الأولى، وما فعلته الحكومة إجراء جيد، والعبرة في توافر الإرادة وسرعة التطبيق، لأن الأوضاع العامة لا تحتمل التأخير.

وتتلخص شروط المعارضة في إدخال تعديلات على قانون الانتخابات البرلمانية بما يسمح بتمثيل كل الفئات مع بدء إجراء انتخابات المحليات، وتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية، وقانون الحبس الاحتياطي والإفراج عن سجناء الرأي، وتخفيف القيود المفروضة على وسائل الإعلام والتوقف عن التمادي في عمليات اعتقال المواطنين بسبب التعبير السلمي عن الرأي.

ويبدو وصول الحكومة إلى نقطة تلاق مع قوى المعارضة ليس صعبا، فالكثير من توصيات الحركة المدنية ليس تعجيزيا، وهناك قناعة لدى أعضاء لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب بحتمية تعديل قانون الحبس الاحتياطي في ظل حالة الاستقرار الأمني التي تعيشها البلاد.

ويتطلب التعاطي بشكل إيجابي مع الحوار الوطني عدم وقوف الحكومة وراء خلفية الفصيل السياسي الذي عرض التوصيات، لأنها تمس صميم الإصلاحات التي يرغب الرئيس السيسي في تنفيذها كجزء من بناء جمهورية جديدة قوية تقوم على احتواء كل الفئات على أرضية وطنية دون اختزال المعارضة في خندق التآمر.

وبدت ممانعة بعض القوى السياسية للانخراط مع الحكومة في جولة ثانية من الحوار مطلبا سياسيا يجلب مكاسب للمجتمع، لكن الوضع الراهن كشف عن وجود مؤسسات أصبحت عبئا ثقيلا على السلطة، بدليل تحرك الحكومة المتأخر نحو تحقيق المطلوب.

ومن غير المتوقع أن ترفض الحركة المدنية المشاركة في الجولة الثانية من الحوار مع تدشين إجراءات لتحقيق توصيات المرحلة الأولى، والمهم عدم شعور المعارضة بوجود نية لدى الحكومة لتخديرها لدفعها نحو تليين مواقفها.

◙ وصول الحكومة إلى نقطة تلاق مع قوى المعارضة ليس صعبا، فالكثير من توصيات الحركة المدنية ليس تعجيزيا

وأضاف طلعت خليل لـ”العرب”، وهو أيضا مقرر لجنة الموازنة والدين العام بالمحور الاقتصادي في الحوار الوطني، أن على الحكومة أن تستوعب أهمية إحداث إصلاح سياسي حقيقي وعوائد ذلك على الاقتصاد، والمعارضة لا تعيش في جزر منعزلة وليست لها مطالب ذاتية بقدر ما ترفع إلى السلطة نبض الشارع، وإذا توافرت النية لاستجابة الحكومة لن تمانع الحركة المشاركة في الجولة الثانية من الحوار.

وتقرر بشكل رسمي أن تكون الجولة الثانية من الحوار مقتصرة على مناقشة التحديات الاقتصادية دون التطرق إلى قضايا تلامس السياسة والحريات والشؤون الحزبية، لأن المرحلة الأولى خلصت إلى توصيات في الملفات الثلاثة، بينما تعاني الدولة من مشكلات معقدة ترتبط بالشق الاقتصادي وتحتاج إلى تلاحم وطني من مختلف التيارات.

وعوّلت الحكومة في بادئ الأمر على أن البلاد تعيش أزمة اقتصادية حادة تتطلب تنحية الخلافات السياسية مع النظام جانبا، لكنها اصطدمت بردة فعل خشنة من جانب الحركة المدنية، ما دفعها للتراجع، بعدما اقتنعت أنها إذا لم تُظهر حسن نواياها السياسية لن تقنع الشارع ولا أيّ فصيل آخر بجديتها في حل المشكلات الاقتصادية.

والواضح أن النظام المصري عقد العزم على التحرك في مسارين متوازيين لمواجهة التحديات دفعة واحدة، فترحيل مشكلات مرتبطة بملف بعينه قد يتسبب في تفجيره مستقبلا، وإن كانت الأولوية لعلاج الأزمة الاقتصادية فهناك قضايا سياسية ملحة يجب حلها لتثبيت قناعة المعارضة بأن الدولة تملك إرادة وقدرة وقوة.

وتدعم دوائر رسمية المنهج العقلاني، انطلاقا من أن الدولة لديها أزمات ضخمة ولا تتحمل خلافا حادا بين الحكومة والمعارضة، وإن كانت القوى المدنية قاسية في مطالبها فمن المفترض أن يتم التعاطي معها بحكمة وهدوء حفاظا على الاستقرار، لأن انغلاق الأفق سوف يؤدي إلى تداعيات قاتمة على الجميع، ووقتها يصبح من الصعب الوصول إلى حلول جذرية لأيّ أزمة سياسية أو اقتصادية.

4